الديوان الملكي: وفاة عبطا بنت عبدالعزيز    أول محمية ملكية سعودية ضمن برنامج اليونسكو    الخريف يبدأ زيارة إلى هانوي.. تعزيز التعاون الصناعي والتعديني بين المملكة وفيتنام    5.5 مليار ريال فائض تجاري    مخالفو الصيد البحري في قبضة الأمن    أكد التزامها بالتنمية المستدامة.. وزير الخارجية: السعودية تترجم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة لواقع ملموس    «مغامر» يزور7 أماكن «مرعبة» في العالم    أرجنتيني يركض خلف جنازته    وزارة الرياضة تعلن نتائج التحقيق في أحداث مباراة القادسية والعروبة    "مع الأخضر قدام".. حملة جماهيرية لدعم المنتخب السعودي في الملحق الآسيوي    حائل تستضيف كأس الاتحاد السعودي للهجن للمرة الأولى    «هيئة الشورى» تحيل 20 موضوعاً للجان المتخصصة    خلال مشاركته في المؤتمر السعودي للقانون.. وزير العدل: التشريع في المملكة يرتكز على الوضوح والمشاركة المجتمعية    عسير: فرع هيئة الصحفيين ينظّم ندوة "الخطاب الإعلامي للوطن؛ بين ترسيخ الهوية وتعزيز القيم"    أحمد السقا ينجو من الموت بمعجزة    معرض الكتاب.. نافذة على عوالم لا تنتهي    مجمع الملك سلمان يعلن بدء التسجيل لحضور مؤتمره السنوي الدولي الرابع    صالات النوادي والروائح المزعجة    ورقة إخلاء الطرف.. هل حياة المريض بلا قيمة؟    السودان: 14 مليار دولار خسائر القطاع الصحي بسبب الحرب    لجنة المسابقات تعلن عن مواعيد مباريات دور ال 16 من بطولة كأس الملك    نائب أمير الشرقية: مشروعات البيئة والمياه تحقق التنمية الشاملة والمستدامة    حسام بن سعود يشارك منتسبي إمارة الباحة احتفالهم باليوم الوطني    «المناسبات الوطنية» محطات اقتصادية حيوية    المتطوعون يشاركون في احتفالات أمانة الشرقية باليوم الوطني    السلامة الغذائية    الهوية الوطنية «بدل مفقود» عبر أبشر    شراكات عالمية تعزز مسيرة نمو وتقدم المملكة في مجالات الطاقة على مدى 90 عامًا    «إسرائيل».. تناقش قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين    التحالف الإسلامي يطلق دورة تدريبية لتعزيز قدرات الكوادر اليمنية في مجال محاربة تمويل الإرهاب    الربط الكهربائي الخليجي.. تكامل اقتصادي وصناعي    تقنية البنات بالأحساء تطلق المسابقة الوطنية للأمن السيبراني    مزاد نادي الصقور السعودي 2025.. خدمات متكاملة تعزز الموروث وتدعم الطواريح    جامعة الإمام عبدالرحمن تحصد اعتماد الكلية الملكية للأطباء والجراحين بكندا    أكثر من 53 مليون قاصد للحرمين خلال ربيع الأول    نائب أمير الرياض يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    "الشؤون الإسلامية" تواصل جهودها التوعوية في الجعرانة    121 سجلا تجاريا تصدر يوميا    تداول يخالف التوقعات ويغلق على تراجع 78 نقطة    «سعود الطبية» تطلق ملتقى إدارة المشاريع والتحول الصحي    استشاري أورام: مستقبل القضاء على السرطان مشرق    الاتحاد يسرح بلان ويستنجد بخليفة    إنزاغي: ندرك قوة ناساف    خالد ينقذ حياة شقيقه بكلية    إيران بين المواجهة والدبلوماسية بعد إعادة فرض العقوبات الأممية    العلا تستقطب زوارها من دول العالم    تمادي إسرائيل في حرب غزة ومقترح عماني يدعو لفرض العقوبات    الجوال أبرز مسببات الحوادث بالمدينة    دوري المقاتلين المحترفين يختتم جولة نصف النهائي ونزالات الجولة النهائية في الشرقية    مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير تحتفل باليوم الوطني ال95    منتدى فكر بجامعة جازان يناقش الوسطية والانتماء    وزير العدل: التشريع في المملكة يرتكز على الوضوح والمشاركة المجتمعية    نائب أمير تبوك يكرّم مدير الشرطة السابق ويستقبل خلفه المعين حديثًا    بن شفلوت يرعى إحتفال اليوم الوطني في أحد رفيدة    المملكة ترأس جلسة أعمال المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة    الاهتمام بتطوير التجربة الإيمانية لضيوف الرحمن.. «الحج» : التنسيق مع ممثلي 60 دولة للموسم القادم    الملك عبدالعزيز الوحدة والمنهج    دراسة: كبسولات صغيرة تسعى للحد من التهاب الدماغ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام والكاثوليكية والديموقراطية ... إطلالة على تجربتين
نشر في الحياة يوم 10 - 02 - 2004

قد يكون من المفيد للجدل الذي لا يبدو بلا نهاية عمّا اذا كان الإسلام يتماشى مع الديموقراطية، وضع القضية في اطار مقارنة تاريخية بالعلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والديموقراطية في الغرب.
الديموقراطية كنظام للحكم في مجتمع كبير فكرة حديثة ولدتها حركة الاستنارة. قبل ذلك لم تكن ديموقراطية قدماء الإغريق تعتبر أسلوباً صالحاً للحكم، أو انها في أفضل الأحوال تصلح للحكم المحلي فحسب. وكان لا بد لها، نظراً لحداثتها وارتباطها بالاستنارة، من أن تشكل تحدياً للفكر التقليدي، خصوصاً الفكر الديني.
واذ استمرت التيارات الدينية الرئيسة في رفض الديموقراطية مرحلة طويلة لنتذكر انكلترا البروتستنتية في القرن السابع عشر، فقد تقبّلها بعض المعارضين، وبرروا هذه "البدعة" بالاشارة الى هذا العنصر أو ذاك من التقاليد الدينية التي اعتبروها بشيراً مبكراً بالديموقراطية. ولم تختلف مشكلات الإسلام مع الديموقراطية عن مواقف الديانتين التوحيديتين الأخريين، لكن كانت هناك أيضاً فروق مهمة ناتجة من اعتبارات خارج الاعتبار الديني ذاته.
ولعل الرافض الأقوى للديموقراطية كان الكنيسة الكاثوليكية، التي حاربتها بضراوة خلال القرن ونصف القرن بعد الثورة الفرنسية. فقد وجدت الكنيسة في الثورة الفرنسية خطراً داهماً على أساس الحضارة المسيحية، القائمة على خضوع الدول والأفراد للشرائع السماوية، فيما ارتكز المبدأ الثوري الديموقراطي على مقولة استقلالية العقل الانساني واعتباره قاعدة أي منظومة اجتماعية أو سياسية. وشنّ الثوريون اليعاقبة حملة قوية على الكنيسة، وسعوا الى تصفية دورها كوسيط وحيد بين الله الخالق والانسان، ورأوا في التحالف الذي أقامته بين المحراب والعرش الخطر الأكبر على المجتمع الانساني.
وبلغت معارضة الكنيسة ل"الهرطقة الديموقراطية" ذروتها في رسائل البابا غريغوري السادس عشر الى عموم الكرادلة 1832، 1834 التي دانت الديموقراطية باعتبارها قوة معادية للكنيسة ورفضت الليبرالية لأنها "تقوم على ذلك المبدأ المزيف والمجنون، القائل بأن لكل شخص حق التمتع بحرية الضمير". وتكرست هذه المعارضة في "ثبت الأخطاء" الذي أصدره البابا بيوس التاسع في 1864، وحرّم فيه القول إن "على البابا القبول بأفكار التقدم والليبرالية والحضارة الحديثة".
وكانت هناك أصوات معارضة لهذا الموقف في ايطاليا وفرنسا وألمانيا بدأت في البروز منذ أوائل القرن التاسع عشر. لكن هذه الحركات، التي يمكن اعتبارها استباقاً للتيار الذي عرف لاحقاً باسم "الديموقراطية المسيحية"، بقيت هامشية، وتعرّضت لاحقاً لضربات قاضية من القوى النازية والفاشية. ثم عادت هذه الأفكار الى الظهور في أربعينات القرن الماضي، عندما صاغها في نظرية متماسكة مفكرون مثل الفيلسوف الفرنسي جاك ماريتان والجزويتي الأميركي جون كرتني مري. وقامت النظرية التي جسّرت الهوة بين الكاثوليكية والديموقراطية على مبدأ "المساعدة" اللاهوتي العائد الى أوائل القرون الوسطى، وحظيت بمباركة البابا بيوس الحادي عشر والبابا بولس السادس. لكن ماذا كانت أسباب هذا الانقلاب؟
السبب الأول والأهم كان تجربة الأنظمة الشمولية، التي استخلص منها التيار الكاثوليكي الرئيس أن لا ملجأ من الديكتاتوريات اليمينية، بأفكارها شبه الوثنية، ثم من الشيوعية الملحدة، سوى الديموقراطيات الغربية. ثانياً، كان هناك تراجع المخاوف من مبدأ "حرية الضمير" مترافقاً مع التراجع التدرجي في التوجهات المعادية للكنيسة بين الليبراليين الأوروبيين. وسهّل هذا الوضع القبول بمبدأ فصل الدين عن السياسة، في شكل حفظ للكنيسة بقاءها كقوة موازية لسلطة الدولة من جهة، وتخلي الدولة الليبرالية عن ضغوطها على المؤسسة الدينية من الجهة الثانية. وسادت بذلك التعددية والنظم السياسية القائمة على الوفاق الاجتماعي. وأصبح للانسان حقه الطبيعي في الحرية في تحديد معنى وجوده، من دون أي قسر في ما يخص قضايا الاعتقاد الديني.
تعطي التجربة الكاثوليكية نموذجاً مفيداً - ولو من حيث تسليط الضوء على الفروق - لفهم المعركة الصعبة التي تخوضها الديموقراطية في العالم الإسلامي اليوم. فبخلاف الوضع الغربي، حيث تنامى المجتمع المدني عبر القرنين الأخيرين، نجد تراجع المجتمعات المدنية الإسلامية خلال المرحلة نفسها أمام الأنظمة العسكرية - الشعبوية، التي فرضت قيوداً صارمة على الحريات الليبرالية خصوصاً حرية التجمع والتنظيم والتعبير. وقلصت الى حد كبير حجم أو استقلالية الطبقة الوسطى - التي كانت رائدة في مجال التنظيم الذاتي وتوفير القاعدة الاجتماعية - الاقتصادية للدفاع عن الحريات السياسية في اطار مجتمع السوق.
هذه الاعتبارات بالطبع لا تقع في حيز الإسلام ذاته كمنظومة روحية، بل تشير الى تغيرات تاريخية مالت بالميزان لمصلحة التوجهات اللاديموقراطية في ذلك التقليد. ومن هنا نجد لدى المؤسسة الدينية والرأي العام المحيط بها ذلك العداء للديموقراطية، أو على الأقل ذلك الاستبعاد لها، المشابه في مجمله لما كان للكنيسة الكاثوليكية قبل قرن. هناك أيضاً الاتكال الاقتصادي على الدولة، المعادية للديموقراطية بضراوة أصلاً، واعتبار تلك الدولة الدرع الواقي من الفوضى والحروب الأهلية.
السؤال هو: لماذا لم تستخلص المؤسسة الدينية الإسلامية من عقود الديكتاتورية في العالم الإسلامي الدرس نفسه الذي خرجت به الكنيسة الكاثوليكية من عقود الديكتاتورية في أوروبا؟ لماذا لم تتجه هذه المؤسسة نحو الديموقراطية ازاء فظائع صدام حسين وأمثاله؟ لماذا لم تتعلم فضائل التعددية ودورها في الحفاظ على وجود الدين؟ هل السبب هو الخوف من استحواذ الراديكاليين على ما تأتي به الديموقراطية من منافع؟ أم هل ان ميلها الذاتي نحو التسلط في القضايا الدينية يجعلها الحليف الطبيعي للحكام التسلطيين؟
لا شك في ان هناك مفكرين اسلاميين وحركات إسلامية تؤكد أن الإسلام ظاهرة تاريخية تتسم بالتنوع وتعدد العناصر والتطور المستمر. من هنا لا بد لها في الوضع الراهن من تقبل الحداثة لكي تضمن تطور الإسلام في في العالم الحديث. ويشكل النقاش العقلاني المفتوح شرطاً للنظر في مختلف الخيارات، لأن ليس هناك حل واحد يصلح لكل الحالات مثلما تدّعي المؤسسة الدينية الإسلامية والإسلاميون الراديكاليون، بل هناك عملياً خيارات متنوعة تطرح نفسها في مأزقنا الراهن. ولا مجال لاجراء نقاش كهذا سوى من خلال الديموقراطية. ان بقاء الوجود الاسلامي يقوم على تقبل التغير، اي انه مرتبط بعملية التحول الى الديموقراطية، خصوصاً في خلق دولة القانون.
لكن المشكلة ان الفئات الليبرالية في العالم الاسلامي - عدا اندونيسيا، حيث نجد حركة ليبرالية واسعة - قليلة ومتفرقة. والمشكلة ليست في مبادئها السياسية، بل في ضعفها التنظيمي وفشلها في مخاطبة الرأي العام. انها كانت ولا تزال فئات نخبوية لم تستطع استقطاب الطبقة الوسطى، التي لا تزال أسيرة الخوف من أن الديموقراطية ستعني حتماً استيلاء الراديكاليين الإسلاميين على السلطة كما حصل في ايران في 1979 وكاد أن يحصل في الجزائر في 1991. أما الراديكاليون فهم يعادون الديموقراطية بضراوة، ويرون ان السبيل الوحيد لاعادة صوغ الإسلام من أجل صيانته من دنس الحداثة العلمانية هو تطبيق الشريعة بحسب مفهومهم الصارم لها. أما التعددية والتنوع والشفافية والحوار العقلاني المفتوح فهي كلها من المحرمات. شعارهم: "الإسلام هو الحل"، لكنهم لا يعترفون بمفهوم للإسلام سوى مفهومهم.
هكذا نجد ان العنصرين اللذين توافرا في تحول الكنيسة الكاثوليكية الى الديموقراطية - الدرس الذي وعته الكنيسة من التجربة التوتاليتارية من جهة، ومن الثانية نضج مفهوم إبداعي لليبرالية مقبول من الجميع - لا يتوافران بعد في العالم الإسلامي. لذا، فإن المعركة من أجل الديموقراطية هناك ستكون طويلة وشاقة.
* باحث اسرائيلي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.