الهدية هي كلمة هذا الموسم. ماذا نريد. وماذا يرغب به الآخرون؟ لوائح طويلة في اليد أو في الذهن. الشوارع المزينة بالأضواء ذات الأشكال المختلفة تشيع جواً من البهجة. بيد أن الزحام الذي لا يطاق يقضي عليها. العاب خفيفة... وثقيلة في المحلات الوضع أكثر سوءاً وأقل بهجة. الصفوف طويلة أمام الصناديق، أو في انتظار بائع متفرغ ليقدم شروحاته الثمينة للتائهين بين البضائع المتكدسة على الرفوف: مسجلات MP3 وآلات التصوير الرقمية المختلفة احتلت على رغم حجمها الصغير أمكنة كبيرة. كل تلك الهواتف النقالة والجيل الثالث منها المزود آخر التقنيات التي تظهر صورة المتكلم أثناء حديثه. أجهزة الكومبيوتر وما يعرف ب"سينما البيت"من أجهزة التلفزيون العملاقة بشاشاتها المسطحة، ألاسطوانات والأفلام... هذه هي على ما يبدو الهدايا المفضلة اليوم في فرنسا. الصغار لم ينجوا من هذا الغزو الإلكتروني. فناءت أقسامهم بالألعاب الإلكترونية الخفيفة والثقيلة، ما سبب تراجعاً كبيراً في مبيعات الألعاب التقليدية. الأطفال من عمر ثلاث سنوات يشترون هذه الألعاب"كي يكونوا جاهزين سريعاً لاستخدام الكومبيوتر"يقول أحد الآباء. انتهى عهد الألعاب الحقيقية وجاءت ألعاب عالم الأوهام. أما عالم الهدايا التقليدية كالأجهزة المنزلية، فما زال يحتل مكانا على رغم كل شيء: جهاز القهوة أو الخلاط أو المكواة تقدم أيضاً. دعايات وتسويق قبل شهر من موعد العيد، تمتلئ صناديق البريد بالدعايات. وفي الأسواق التجارية الكبرى، تبدأ ألعاب الأطفال بالظهور، وتتبعها علب الشوكولا المتنوعة وأكباد البط الدسمة والسلمون المدخن. يبدأ استهلاك هذه المواد الدسمة اللذيذة قبل شهر من الموعد المحدد. وتبدأ حملات الإعلان عن حمية ما قبل العيد وحمية ما بعده. فكيف تمكن المقاومة أمام كل ما هو معروض؟ كل ما من شأنه دفع المرء إلى الاستهلاك والاستهلاك ومن ثم الاستهلاك. الاستهلاك؟ هل هو معنى ذكرى الميلاد الآن؟ لا يمكن انكار ذلك. بيد أن مساحة صغيرة بقيت لتذوق المناسبة في أجوائها البسيطة والتقليدية، فالميلاد مناسبة عائلية في فرنسا في ما يحتفل برأس السنة مع الأصحاب، ويحتفل بالميلاد في البيوت التي تزين بشجرة الميلاد وتكوم تحتها رزم الهدايا. وينتظر الأطفال الصغار صباح اليوم التالي لفتحها فيما يستطيع الأطفال الكبار القيام بذلك اعتباراً من منتصف الليلة! وذلك بعد وجبة فاخرة شديدة الدسم تستهل عادة بأكباد البط أو السلمون المدخن أو طبق من المنتجات البحرية، ومن ثم الطبق الرئيسي التقليدي المكون من ديك الحبش المحشي والكستناء. تكون الخاتمة بعد السلطة والجبنة بالحلوى من"الغاتو"أو البوظة المصنوعة على شكل جذع الشجرة. وتنتهي المأدبة بالقهوة أو الشاي أو بأنواع المشروبات الخاصة بما بعد الطعام. وبذلك يكون قد قضي على المرء تماماً، فيذهب صريعاً ليستيقظ في اليوم التالي وبانتظاره وجبة أخرى فاخرة على الغداء. هذا عدا عن الاجتماع بالعائلة والهدايا الوفيرة والطعام اللذيذ. رمز الحياة الميلاد كمناسبة دينية لم يكن يحظى بالأهمية نفسها قبل منتصف القرن التاسع عشر. وكان الاحتفال به في فرنسا أقل من الاحتفال بالفصح. وقدم رمز هذه المناسبة، أي بابا نويل، من أميركا. ولقي قبولاً واندمج في الثقافة الشعبية لأنه متعلق بمفهوم قديم للعيد كان موجوداً في مناطق عدة من أوروبا الشمالية. كانت تقام هناك طقوس احتفالية يعود تاريخها إلى ما قبل المسيحية. وكانت ترتبط بانحسار الشتاء، وعودة النهار الذي يطول من جديد وعودة الحياة إلى الطبيعة بعد هذا الفصل. وبابا نويل الذي يرتدي الأحمر، أي لون الدم الذي يرمز الى الحياة، يهبط إلى الناس لإعطائهم هدايا جديدة من السماء كأنه يهب الحياة من جديد. وهو يضعها تحت شجرة خضراء لا تموت أوراقها، فيما الأطفال يرمزون الى الحياة. ولذلك فإن هذه المناسبة تخصّهم أكثر من غيرهم. وهذا ما حاول أحد الأساتذة في ثانوية فرنسية قوله بعد احتجاج تلميذات على تزيين المدرسة الرسميّة بشجرة الميلاد وبعد"صدمتهن الشديدة"لوضع الزينة في مناسبة الميلاد،"ما يتناقض مع مفاهيم العلمانية"بحسب رأيهن. وجاء في الخبر الذي نشرته صحيفة"لوموند"أن الأساتذة شرحوا أن الشجرة"رمز للانبعاث أو للحياة بعد الشتاء. واستخدامها على هذا النحو أو بهذا المعنى عادة تعود إلى قديم العهود".