سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأمين العام لجبهة التحرير يدعو الإدارة الى ان تحذو حذو الجيش وينفي انه ترشح بسبب خلاف بوتفليقة والمؤسسة العسكرية . بن فليس ل"الحياة": عهد بوتفليقة انتهى ... ومشروعي تعددية حقيقية
كانت صورة "الرئيس المترشح"، كما يصفه الأمين العام لجبهة التحرير الوطني علي بن فليس، تتصدر المكتب في حي حيدرة الراقي وسط العاصمة الجزائرية. "ظِلُّ" عبدالعزيز بوتفليقة يأبى، على ما يبدو، ان يترك رئيس حكومته السابق بسلام. ويود هذا بالطبع ان يزيلها، قريباً، ليتربع مكان سيّد قصر المرادية. بن فليس رجل نظيف، حتى بإقرار أعدائه. وهي صفة مهمة جداً في بلد كالجزائر يُمسك فيه كل طرف ب"ملف" ضد خصومه يُهددهم بفتحه. نظافة الرجل، وهو ذو الخلفية القانونية بحكم عمله قاضياً ومدعياً عاماً ومحامياً ثم مؤسساً مع آخرين للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان المرخّصة من الحكومة عام 1987، كانت سبباً رئيسياً في الاتيان به الى وزارة قاصدي مرباح بعد ذلك بسنة. عيّنه مرباح وزيراً للعدل، وهو منصب احتفظ به في الحكومة الإصلاحية التي أسسها بعد ذلك مولود حمروش. وبحكم توليه منصباً وزارياً انضم بن فليس الى اللجنة المركزية لجبهة التحرير التي كانت آنذاك لا تزال الحزب الوحيد الحاكم. هذه الخلفية الحقوقية لبن فليس دفعته الى اتخاذ مواقف سياسية أدت الى خسارته موقعه الوزاري. ففي 1991 قدّم استقالته من منصبه وزيراً للعدل في حكومة سيد أحمد غزالي بسبب رفضه قبول سياسة "الاعتقال الإداري" الذي اعتمدته لاحقاً السلطات في شكل واسع، بعد الغاء المسار الانتخابي في كانون الثاني يناير 1992، لترسل آلاف الإسلاميين بدون محاكمة الى محتشدات في الصحراء. اعتبر ان ذلك يخرق حقوق الموقوفين ولا يمكنه الدفاع عنه. فرحل من الحكومة. كان في إمكانه ان يسكت. فالإسلاميون ليسوا أنصاره، وقد الحقوا به هزيمة في عقر داره في باتنة في جبال الأوراس شرق العاصمة، وصوّتوا لمصلحة منافسه مرشّح ال"فيس" الجبهة الإسلامية للإنقاذ. ويتندر اليوم بعض خصومه بتلك الهزيمة ويقولون ان المواطنين كانوا يتناولون الطعام في مآدب أقامها في باتنة لكنهم يصوّتون لخصمه الإسلامي: الكسكس عند بن فليس، وال"فوت" الصوت للفيس. لا يبدو ان ذلك أثّر في قناعات بن فليس. فلم يتغيّر وظل وفياً للخط السياسي الوطني المعتدل في جبهة التحرير. أيد الأمين العام السابق عبدالحميد مهري، حتى في حواره مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ في "عقد روما" عام 1995. وعندما بدا ان مهري سيخسر معركة قيادة الجبهة نظراً الى تكتل أطراف عدة ضده بما فيها أجهزة الأمن سار بن فليس مع القيادة الجديدة التي تولاها بوعلام بن حمودة وانتخب عضواً في المكتب السياسي في 1998. شكّل وصول عبدالعزيز بوتفليقة الى سدة الحكم في نيسان ابريل 1999 فرصته للبروز. لم يكن بوعلام بن حمودة يحبّذ وصول بوتفليقة الى الرئاسة، لكن ضغوطاً مورست عليه أقنعته في النهاية بأن يسير في خط دعم "مرشّح الإجماع". ومع تزكية جبهة التحرير لترشيح بوتفليقة برز دور بن فليس الذي أسند اليه الأول - "بناء على توصية من ضباط كبار"، كما يقول أكثر من مصدر - منصب مدير حملته الانتخابية. ثم عيّنه أميناً عاماً لرئاسة الحكومة، فمديراً للديوان، ثم على رأس الحكومة خلفاً لأحمد بن بيتور الذي غادرها في آب اغسطس 2000 بعد اعتراضه على امساك رئيس الجمهورية بكثير من الصلاحيات. لم يبد بن فليس في البداية اعتراضات على سياسيات رئيس الجمهورية الذي يقول انصاره انه كان "يثق كثيراً" برئيس حكومته الى حد انه كان يعلن انه يترك البلاد في "أيد أمينة" عند سفره الى الخارج. لكن هذه الثقة لم تستمر طويلاً. بدأ بن فليس يعيد تنظيم جبهة التحرير التي تولى أمانتها العامة، بدعم من بوتفليقة، خلفاً لبن حمودة. راهن على إدخال عنصر الشباب اليها، وهو أمر أثار حفيظة "الحرس القديم" الذي سيّر مقاليد هذا الحزب العريق منذ الاستقلال. لكن بن فليس كان يعرف ان لا بد من "تحقيق نقلة نوعية" في الحزب إذا كان يريد استقطاب الشارع الجزائري الذي يغلب عليه عنصر الشباب. وحقق بالفعل انجازاً كبيراً في هذا الإطار من خلال تجديد الدم في عروق الجبهة. وساهم ذلك بدون شك في الفوز الساحق الذي حققه مرشحوها في الانتخابات النيابية للعام 2002 والذي جعلهم القوة الأولى في المجلس الشعبي الوطني. ربما اعتقد بن فليس آنذاك ان حزبه أكبر من ان يكون مجرّد مطبّق لسياسات رئيس الجمهورية، ولذلك راودته فكرة ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة. وربما، كما يقول خصومه، سمع "إشارات مشجعة" من بعض ضباط المؤسسة العسكرية المستائين من بوتفليقة، فبدأ الإعداد للترشح. وكانت الخطوة الأساسية التي قام بها في هذا المجال تحضيره المؤتمر الثامن لجبهة التحرير في آذار مارس 2003 والذي خرج بقرارات تؤكد "استقلالية" قرار الحزب عن مؤسسات الدولة. تيقّن بوتفليقة ساعة ذاك بأنه هو المقصود بتلك "الاستقلالية"، وان بن فليس يحضّر نفسه لخلافته فعزله من رئاسة الحكومة وحرّك وزارة الداخلية والإدارة للتضييق على أنصاره في الولايات. وقام مؤيدو بوتفليقة بتحركات على الأرض للسيطرة على مقرات جبهة التحرير، لكنهم فشلوا بعد مواجهات مع أنصار بن فليس. وارتفعت حدة الصراع مع انتهاء السنة الماضية واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، ونجح أنصار رئيس الجمهورية في توجيه ضربة موجعة لمعارضيهم بقرار القضاء الغرفة الإدارية في العاصمة تجميد هيئات جبهة التحرير المنبثقة عن المؤتمر الثامن، وهو ما يهدد في حال تطبيقه بغلق مقرات الحزب المؤيدة لبن فليس. وكان الأخير استبق قرار القضاء بتنظيم "مؤتمر استثنائي" عُقد بسرعة وليلاً خشية تدخل قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية وانتهى بتزكية ترشيحه رسمياً لرئاسة الجمهورية. بن فليس يستعد الآن لهذه المعركة. التقيته في مقر قيادة الجبهة في حيدرة، وكان واثقاً بأن الرئاسة في متناوله. تجنّب ذكر بوتفليقة بالإسم. كان يكتفي بالحديث عن "الرئيس المترشح" الذي كان ينظر اليه من صورة رسمية معلّقة فوق مكتبه. في ما يأتي نص اللقاء: ستترشحون الى رئاسة الجمهورية على رغم قرار القضاء تجميد نشاط حزب جبهة التحرير؟ - لا بد ان أسجل ان ما حصل فضيحة قضائية لم يحصل مثلها منذ الاستقلال. ولا غرابة في ذلك أمام رئيس مترشح يريد بكل الوسائل ان يحرم خصومه السياسيين من ان ينافسوه منافسة شريفة. فهو يوظف القضاء لعرقلة ترشيحي. لكنه ربما يجهل ان قانون الانتخابات في الجزائر يجعل من المترشح للرئاسة مترشحاً ايضاً باسمه. والترشح شخصي وليس حزبياً في كل الاحوال في الجزائر. ما أصاب حزب جبهة التحرير من ضرر على يد الرئيس بوتفليقة أمر يسجله ضده الشعب الجزائري. لا بد ان يعرف الرأي العام أن الرئيس بوتفليقة قام بهذا الضرر للحزب الذي أتى بالاستقلال للجزائر وبناها وأعاد بعث الدولة الجزائرية للوجود بعد الاستعمار، الحزب الذي يبني التعددية مع القوى الأخرى. قام بذلك لسبب وغرض واحد هو انه يريد ان يحكم الجزائر بأساليب ولّت ولم تعد مقبولة في العصر الذي نعيشه. إنه يخطئ التقدير ولا يعرف الشعب الجزائري في هذه السنة 2004، انه شعب تواق الى الحرية ومجتمع الحريات والتداول على السلطة ومجتمع تحكمه دولة فيها فصل بين السلطات، وتواق الى مجتمع فيه قضاء مستقل وحر. إذن يخطئ في تقديره الشعب، لأنه لا يعرفه. هذا الشعب يتكون من 75 في المئة من الشباب الذين تراوح اعمارهم بين 20 و35 سنة. وهو يخطئ كذلك في تقديره للجزائر. لا بد من معرفة أعماق بلادنا. وهو لا يدرك ان الأمور تغيرت في الجزائر والعالم. فالرياح التي تهب في كل العالم هي رياح التعددية السياسية ولا ديموقراطية حقيقية بدون تعددية، رياح حقوق الانسان، رياح الرأي والرأي المخالف وقبول الرأي المخالف. اما التسلط والاحتكار وتجميع السلطات فهذه خرافة قديمة انتهت وولت. أنا احمل مشروع التعددية والطموحات المستقبلية والآنية للشعب الجزائري، والرئيس المترشح بوتفليقة يحمل مشاريع لا يقبلها الشعب الجزائري. فهو يريد توظيف الرأي العام لمصلحة حملة انتخابية مسبقة وبطرق مشبوهة، ويريد توظيف القضاء في قضايا مشبوهة كهذه التي قضت بما قضت به تجاه جبهة التحرير الوطني. يريد تهميش البرلمان والتشريع بالقرارات الرئاسية. هذا عهد انتهى في تقديري وهو لم يدرك ذلك. يأخذ عليك منتقدوك أنك كنت من أشدّ المدافعين عن الرئيس بوتفليقة وقدمته على انه الرئيس المنقذ للجزائر. فكيف اختلف الوضع لتصبح فجأة أشد منتقديه بعدما كنت أكثر المدافعين عنه؟ - كنت شريكاً في مشروع سياسي مكتوب قُدّم الى الشعب سنة 1999. لست من عبّاد الأشخاص. أؤمن بقناعات وبوصاية القناعات. اؤمن بدولة الحرية والتعددية، دولة يكون فيها القضاء مستقلاً ولا يكون فيها احتكار السلطات. تجدون هذه المبادئ في مشروع 1999. الذي انحرف بالمشروع هو الرئيس بوتفليقة الذي خالف الوعد وخالف المشروع. أنا سرت مع المشروع ولم أكن اعرف الرئيس بوتفليقة في الماضي قبل 1999 باستئناء لقاء او لقاءين قصيرين. انا انتمي الى جيل وهو الى جيل. لم أكن مسؤولاً في النظام الآحادي، وانا اقدّر تاريخ الجزائر وظروفها. هو يحلم بنظام كبر فيه وكان مدللاً فيه، ويظن ان في امكانه ان يحيي نظاماً مات وفات، وانا اؤمن بالتفتح على العالم والعالمية. إذن لما اراد الرئيس بوتفليقة توظيف الاحزاب السياسية ليجعل منها لجان مساندة لعهدة ثانية، ولما أراد تسيير الاحزاب بأحكام قضائية وليس برغبة مناضليها، فكيف ترونني أقبل بمثل هذه التصرفات؟ أتريدون مني ان أقبل ان توظف الاحزاب الى لجان مساندة بدل ان تعمل وفق قرارات مناضليها. أنا منتخب أميناً عاماً لحزب سيّد بإرادة مناضليه. هو يريد تلغيم الاجواء داخل الاحزاب السياسية ويريد ان تكون جبهة التحرير مطية يركبها هو بأفكاره لا بافكار مناضليها. الشرف يعود الى المناضلين والمناضلات، وأنا أحدهم، الذين قالوا ان لنا وجهاً وبرنامجاً نريد ان نظهر بهما أمام الشعب الجزائري. فإذا نجحت جبهة التحرير الوطني في معترك سياسي فلها ان تقدم برنامجها ورجالها ونساءها، لا ان تنجح في الانتخابات ويُطبق برنامج غير برنامجها. هذا هو جوهر الخلاف. تطالب بتغيير الحكومة الحالية في الانتخابات المقبلة. ولكن عندما كنت رئيساً للحكومة أجريت الانتخابات ولم تستقل على اساس ان ذلك لا يتعارض مع نزاهة الانتخابات وشفافيتها؟ - اللجنة المركزية لجبهة التحرير اجتمعت قبل أسابيع قليلة وسجلت توصية لائحة سياسية طالبت فيها برحيل الحكومة لأنها عبارة عن لجنة مساندة للرئيس المرشح بوتفليقة وتجهر بقول ذلك. فالوزراء ينتقلون الى كل مناطق البلاد ويستصدرون بالطرق غير المقبولة والمفضوحة لوائح مساندة من جمعيات واناس تستدعى الى لقاءات رسمية، فاذا يُزج بها في مساندات مشبوهة ومفروضة وآتية بطرق احتيالية. ومثل هذه التصرفات من وزراء في الحكومة لا يقبلها المنطق السياسي السليم. لذلك عندما طلبت اللجنة المركزية لجبهة التحرير رحيل الحكومة فهذا اولاً من حقها وهو طلب مشروع. اما مقارنة كوني رئيس حكومة عندما نظمت الانتخابات والآن لست رئيس حكومة وتنظم انتخابات، فالفرق كبير بين الأمرين. رئيس الحكومة الحالي أحمد أويحيى يرأس حزباً أعلن مساندته للرئيس المرشح عبدالعزيز بوتفليقة. فهو إذن طرف في العملية الانتخابية. لو لم يساند حزبه وهو أويحيى شخصياً الرئيس المرشح لكانت مسألة فيها نظر. الآن وقد افصح عن مساندته فهو طرف. كل وزرائه يتنقلون ويساندون جهراً الرئيس المرشح. إن اكبر الفضائح هي ان الرئيس المرشح امضى أربع سنوات ونحو نصف سنة وهو يتجول عبر العالم معللاً ذلك بتلميع صورة البلاد وتحسينها في الخارج. أنفق الأموال الطائلة على ذلك. وهو يخصص العُشر الأواخر أو الأسابيع الأخيرة من العهدة للتجول في كل ربوع الوطن الجزائري صارفاً الأموال الباهظة وموزعاً اكياساً من الأموال زاعماً انه يدعم التنمية في إطار حملة انتخابية مسبقة غير معلنة رسمياً ومفوضحة أمام الخاص والعام في الجزائر. نحن نطالب بانتخابات شفافة وبأن تحذو المرافق العمومية من وزارات وولايات حذو المؤسسة العسكرية التي اعلنت حيادها. فبدل ان يحذو الرئيس المرشح بالمرافق العمومية حذو المؤسسة العسكرية فهو يأمر الوزارات بأن تخدم لمصلحته في حملة انتخابية مفضوحة. كيف لا تتعجبون عندما تتحول وزارة الشؤون الخارجية، وهي مرفق عمومي هائل، الى مخبر تُدار فيه الانقلابات على حزب هو حزب الغالبية في الجزائر. ويصرح المسؤول الأول للخارجية عبدالعزيز بلخادم، وهو منفذ لأمر الرئيس المرشح، بأنه يريد تصحيح الأمور. والتصحيح يعني عنده "التحصيص" وتقسيم الحصص بين مكلفين بمهمات يخدمون لمصلحة الرئيس المترشح. هذه المسائل أصبحت مفضوحة أمام كل الجزائريين في الداخل والخارج. وأنا من أسعد الناس وأنا في موقعي هذا حين أُبيّن للشعب الجزائري هذه الفضائح، فضائح صرف المال العام بغير طرق قانونية، وفضيحة استعمال القضاء وتوظيفه لمآرب وأمور ليست من اختصاصه. الأحزاب تُسيّر من طرف هيئاتها ومناضليها وتقويم المؤتمرات يتم اثناء المؤتمرات من الماضلين المنتمين الى تشكيلات سياسية. أما ان تقوّم المؤتمرات الحزبية بواسطة أحكام قضائية فهذا معناه ان الرئيس المرشح، بعد ان استولى على الدولة وجعلها رهينة له في كل مرافقها، يريد ثانية الاستيلاء على الأحزاب بتسييرها إما بوزارة الداخلية او بالعدالة، وهكذا يكون قد استولى على الدولة والأحزاب وكل شيء. لكنه لا يمكنه ان يستولي على الشعب الجزائري الذي كان دائماً تواقاً الى الحرية. هناك من يقول ان ترشيحك الى الرئاسة جزء من الصراع الذي يدور في الظل بين بوتفليقة والمؤسسة العسكرية. فهل تحظى فعلاً بدعم أطراف في المؤسسة العسكرية؟ - هذا كلام يريد ان يروّج له من يروّج له. المؤسسة العسكرية اعلنت حيادها واتمنى شخصياً ان تحذو كل المرافق العمومية والمؤسسات الأخرى حذوها. لا يعقل في الوقت الذي تعلن فيه المؤسسة حيادها ان يستفرد الرئيس المرشح بكل المرافق العمومية الأخرى ليوظفها لمصلحته. أنا اؤمن بالعمل السياسي الشريف، وأؤمن بالأخلاق في الحياة العمومية ولا اقبل اطلاقاً ان يتورط أي موظف عمومي في تسيير مشبوه للسياسة. العمل السياسي الشريف مقرون بالأخلاق السياسية. أحب من يتعامل في السياسة بأيد نظيفة وبأخلاق سليمة. هكذا تبنى الدولة والأمم. وما رأيكم في دعوة الوزير بلخادم الى "المؤتمر الجامع"؟ - بلخادم لا يمكنه الدعوة الى أي شيء، فهو مأمور ومكلف بمهمة. الأوامر تأتي من الرئيس المرشح ولا بد من تسمية الاسماء بحقيقتها. بلخادم حضر المؤتمر الثامن وأدلى بتصريح دام بين 20 و25 دقيقة اثنى فيه على الأمين العام، مخاطبكم المتواضع، وعبر عن ارتياحه الكبير لما قام به الحزب من اشواط وتقدم وتطور سياسي في الساحة الجزائرية، وهنأ مخاطبكم المتواضع على فوزه بثقة المؤتمر في منصب الأمانة العامة. ها هو ينقلب ويصير رئيس الانقلابيين بالنيابة لأن الرئيس الفعلي لهم ومحاولة الانقلاب هو الرئيس المرشح عبدالعزيز بوتفليقة. لما يتكلم بلخادم عن مؤتمر جامع فما هو إلا بمكلف بمهمة ومنفّذ لأمر سيد له. شخصياً أتمتع بثقة المؤتمر الثامن وكنت أميناً عاماً منتخباً بالاجماع من طرف اللجنة المركزية في 20 أيلول سبتمبر 2001 وكنت أميناً عاماً قبل المؤتمر الثامن. فالوحيد المخول الدعوة الى أي مؤتمر هو الأمين العام للحزب او ثلثا اعضاء اللجنة المركزية. بلخادم ليس عضواً في اللجنة المركزية وليس أميناً عاماً وهو يمثل التمثيل الحقيقي للتآمر والانقلاب نيابة عن الرئيس المرشح بوتفليقة. فالمناضلات والمناضلون عن كل التراب الجزائري وجميع المواطنين أدركوا الآن حقيقة الأمر وأصبحت المسائل مفضوحة. هناك من يؤمن بالتعددية الحقيقية وسيادة الأحزاب وتسييرها ويؤمن بالديموقراطية والتعددية والتداول على السلطة، وهناك من يريد احتكارها والبقاء فيها بكل المسائل ولو كلفه ذلك مثل هذه التصرفات المفضوحة وغير المقبولة التي يرفضها وينبذها الشعب الجزائري. أنا مناضل من أجل حقوق الإنسان. مناضل من أجل الحرية. مرتاح لأنني أحب الاحرار والذين يريدون بناء الدول التي تعتز بها شعوبها. الشعب لا يعتز بدولته إلا اذا كانت تمثّله حقيقة ويكون المسؤولون في الدولة يشرفون بتمثيل الدولة حقيقة ولا يتعاملون بثقافة الولاءات وثقافة الانقلابات. يقول منتقدوك ان معظم مؤيديك من التيار الاستئصالي. فكيف توفق بين انتمائك الى التيار الوطني وتأييد ما يُعرف ب"الصحافة الاستئصالية" لك ومشاركة "الاستئصاليين" الى جانب مؤيديك في التظاهرات؟ - هذا كلام باطل لا أساس له من الصحة، ولا اعرف حتى معناه. أنا وطني ديموقراطي اؤمن بسيادة الشعب والمؤسسات الشرعية. الجزائريون يحتاجون الى شيء أساسي وسريع وهو ان يتصالحوا مع دولتهم ويكونوا مؤمنين بها. الدولة التي يريدونها هم أنفسهم. هذه الدول التي يحلم بها الجزائريون. اما تصنيف الناس بهذه التصنيفات فهذه سهلة ولا أساس لها ولا معنى لها. أنا ضد الاجرام ومع مصالحة الشعب الجزائري مع دولته ومصالحة الشباب مع دولتهم حتى ينطلق الاقتصاد حقيقة ولا يبقى مجمداً وتعطى فرص العمل والتشغيل وتقع اصلاحات حقيقية في المرافق الاساسية التي تدير المجتمع وحتى اصلاح العدالة والقضاء ويكون سيداً ولا يكون مأموراً تابعاً، حتى يكون البرلمان سيداً ويكون فيه ممثلو الشعب اسياداً يسألون الحكومة ويستجوبونها ويراقبون أعمالها ويسألون حكامهم، حتى يكون الإعلام حراً حقيقة يعبر عن الرأي والرأي المخالف. اما الادلاء بمثل هذه الاقاويل التي ليس لها أي صحة فلا يهمني ما يقولون. ما يهمني ما أؤمن به وما يؤمن به الشعب الجزائري. الحرية للشعب والسيادة للمؤسسات الحقيقة وليست المفبركة. نحن نعرف ان الاحزاب تخدم الديموقراطية. فلماذا تبنّي ثقافة تكسير المؤسسات وتقسيم الشعب وزرع بذور الفتنة والادلاء بالاباطيل كالاشياء التي ذكرتموها قبل حين؟ الشعب يعرف مسار كل واحد من السياسيين الجزائريين. عشت طوال حياتي كقاض ومحام وسياسي دائماً في الحوار التناقضي. كنت أطالب أثناء توليه منصب وكيل الجمهورية أو النائب العام بتطبيق القانون. لكن الكلمة النهائية لم تكن للنائب العام الذي كنته آنذاك. الكلمة الأخيرة لم تكن لي بل كانت دائماً للدفاع. إذن الرأي والرأي المخالف جزء من حياتي عندما كنت وكيلاً للجمهورية، ثم عندما أصبحت محامياً. قضيت 25 سنة من عمري في الحوار التناقضي. فهل تعتقدون ان من المعقول أنني في السن الذي أبلغه الآن قد عدلت عن قناعاتي وأصبحت لا اؤمن بالحوار؟ بالعكس. أؤمن بأن لكل رأي الحق في ان يدلى بصوت صاحبه. إذن القول بتصنيفي في خانة كذا وكذا فهذا لا يزيد او ينفع بشيء. الرجال قناعات. لم أكن في الماضي ولا أقبل أن أكون تابعاً ولا مجروراً بالتعبير النحوي وانما حملت دائماً قناعاتي. في 1991 لما كنت وزيراً للعدل تركت الوزارة عن طريق الاستقالة لأنني لم اقبل ان تقيّد الحرية خارج سلطة القضاء. كنت أرى في ذلك مناسبة قد يحصل فيها تجاوز لحرية الافراد فاستقلت من وزارة العدل لسبب مبدئي. إذن من يريد ان يصنفني في أي خانة له الحرية في تصنيف الناس. لكن هناك فرقاً بين من عنده قناعات يطبقها او يسعى الى تطبيقها وبين من هم يطبقون قناعات الآخرين ويريدون لحزب جبهة التحرير ان يكون تحت وصاية وغطاء. انا مع 1400 مناضل ومناضلة في المؤتمر الثامن أخذنا على عاتقنا جميعاً ان نقول ان لا وصاية على الحزب إلا وصاية صوت مناضليه. هل ستترشح للرئاسة وهل تعتقد فعلاً انك قادر ان تكون الرئيس المقبل؟ - سأترشح للرئاسة والكلمة للشعب. وكل ما يحصل الآن المقصود به عرقلتي في الذهاب الى حكم الشعب. أنا مؤمن إيماناً كبيراً بحكم الشعب الذي له الكلمة الأولى والأخيرة. لا أخاف حكمه بل اقبله مهما كان. * غداً الحلقة الاخيرة: بن حجر وتطرف "الجماعة المسلحة"