انقضى شهر العسل السياسي في سورية - مدة الدعاية والحملة الانتخابية للمرشحين - وجرى انتخاب أعضاء مجلس الشعب ال250 لدورته الثامنة، في أجواء ومناخات سياسية لم تتغير كثيراً منذ الدورات السابقة. وجرت الانتخابات بحسب الأنظمة السياسية والحزبية التقليدية القديمة، على رغم التطورات الفكرية والتحولات الثقافية والاجتماعية الكبيرة التي شهدها المجتمع السوري في العقود الماضية. فوصل غالبية المرشحين الى مجلس الشعب بطريقة بعيدة من الانتخاب. فلم تثر الانتخابات حماسة كثير من المواطنين السوريين الذين باتوا يشعرون أنفسهم بمنأى من انتخابات تفتقر الى التنافس الانتخابي، والتكافؤ بين المرشحين، ويغيب عنها صوت الناخب. فبدلاً من خطو هذه الانتخابات خطوة متقدمة نحو رفع مستوى المشاركة الفعلية، ونهج الإصلاح والانفتاح الذي بدأه السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد، كرست هذه حكم الحزب الواحد، حزب البعث العربي الاشتراكي. وكشفت الانتخابات التشريعية لهذه الدورة، والثغرات في مسيرة الحياة السياسية في سورية ومن أهمها: 1 - ثماني دورات انتخابية تشريعية لم تشهد الساحة السياسية السورية تأسيس أو ولادة أحزاب سياسية جديدة. ولا شك في أن السبب أمور كثيرة، وعوامل متداخلة ومتشابكة، منها ما يتعلق بالثقافة السياسية، والحال الاجتماعية العامة السائدة في المجتمع السوري، وما يتعلق بنظام الانتخابات ذاته، وهو قاصر، ولم يعد يلبي متطلبات اجراء انتخابات تشريعية صحيحة. وبعض السبب يتعلق بطبيعة وشكل العلاقات السياسية، المتكافئة وغير المتوازنة، بين الحزب الحاكم وبقية الأحزاب السياسية. 2 - افتقار المجتمع السوري، كغيره من المجتمعات العربية، الى الثقافة السياسية والتقاليد الديموقراطية. فقد أظهرت الانتخابات ان الموروث السياسي والثقافي الاجتماعي لا يزال متخلفاً، ومهيمناً على جميع القوى والأحزاب السياسية. فليست الديموقراطية قضية أساسية. فهي في طور التمني والرغبات. وحتى الشعارات التي ترفعها بعض الأحزاب المطالبة بالديموقراطية هي من أجل تثمين مواقفها السياسية، ليس إلا. 3 - تجاهل مسألة التعدد القومي والإثني والثقافي في المجتمع السوري، وعدم تمثيل الأقليات القومية في مؤسسات وسلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية تمثيلاً صحيحاً وصريحاً، من خلال تخصيص مقاعد نيابية أو بلدية لها. وذلك بذريعة ان ظاهرة التعدد القومي هي حال سلبية وخطيرة تضر بالوحدة الوطنية. ومجرد الإقرار بالتعددية القومية والإثنية هو تكريس الانقسام والتجزئة، وتفكك المجتمع الوطني. لم يكن متوقعاً أو منتظراً أن تشكل هذه الانتخابات منعطفاً كبيراً وتاريخياً في الحياة السياسية، خصوصاً بعد أن قاطعت الانتخابات معظم الأحزاب المحظورة احتجاجاً على عدم صدور القوانين والأنظمة الانتخابية العادلة. ومن غير المتوقع أن يترك قرار المقاطعة أثراً ايجابياً على الحياة السياسية، أو يؤثر على موقف الحكم من أحزاب المعارضة والمحظورة عامة. فهو يعرف الحجم الحقيقي لهذه الأحزاب التي شاخت سياسياً، وبقيت من غير روافد. وأطراف المعارضة السورية التجمع الوطني الديموقراطي، مجموعة من الأحزاب أفرزتها عوامل اجتماعية وانشقاقات حزبية، إما بسبب خلافات في التوجهات السياسية والفكرية، أو نتيجة طموحات شخصية. وربما اكتفت السلطة السياسية، في المرحلة الحالية، بتجميد التعامل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية، والسماح للمعارضة بالخروج من قوقعتها السياسية ومخابئ العمل السري، والظهور العلني على السطح السياسي. وربما كان الأفضل للمعارضة الاستفادة من هذا الهامش المحدود، وخوض الانتخابات التشريعية، لتختبر قوتها، وتعرف وزنها السياسي، وثقلها الاجتماعي، وحضورها الفعلي في الشارع السوري. ولتكتشف حجم المسافة التي تفصل الحكم من الرأي الآخر، ومن قضية الديموقراطية، ولتختبر سقف "الإصلاحات السياسية". والآن انقضت انتخابات الدور التشريعي الثامن، فماذا ستفعل المعارضة؟ وما هي الخطوة المقبلة؟ هل ستكتفي بالانزواء والتقوقع السياسي من جديد لأربع سنوات مقبلة، أو إلى حين صدور قانون الأحزاب، ونظام جديد للانتخابات؟ ان العودة الى الوراء باتت غير ممكنة أو مقبولة، بعد الخطوات التي خطتها المعارضة. المجتمع السوري أحوج ما يكون، اليوم، الى الإقرار بالتعددية السياسية والقومية، وتوسيع هامش الحريات الفكرية والثقافية ليشمل حقوق الأقليات في تشكيل أحزابها، وإقامة مؤسساتها القومية الخاصة على أسس ديموقراطية تصون الوحدة الوطنية، وتعزز الجبهة الداخلية وتفسح المجال أمام مشاركة جميع القوى السياسية، والفعاليات الاجتماعية، ومختلف ألوان الطيف الثقافي والفكري في المجتمع. وخوض انتخابات ديموقراطية حرة، ومتحررة من ضغوطات وتداخلات حكومية، يساعد على انتخاب مجلس شعب يأخذ دوره وصلاحياته في مراقبة أداء الحكومة، ومحاسبتها على كل تقصير أو خلل. سورية - سليمان يوسف يوسف [email protected]