لم يتغير شيء في السيناريو. تفتيش أو لا تفتيش. مرور بمجلس الأمن أو لا مرور. قرار دولي أو لا قرار. الخطة الاميركية تسير كما لو أن العالم تجنّد للدوران في فلكها، يتساوى في ذلك مؤيدو الحرب ومجندوها والباحثون عن مصالح فيها، كما المتظاهرون ضدها. وضع الجميع في قطار واحد، وحتى لو لم تكن الأمور محسوبة الى هذا الحد، فإن أنصار الحرب واعداءها أمكن استخدامهم سواء بسواء ليخدموا الغرض نفسه. فمن الأفضل بالنسبة الى الأميركيين ان تكون هناك أصوات معارضة، وبالأخص أن تكون هناك تظاهرات وتحركات شعبية، لأن هذا سيوحي لرئيس النظام العراقي، بل سيشعره كأن له مريدين متعاطفين، مما يمكن أن يشجعه على المعاندة، وبالتالي على أن يرتكب خطأ ما قد يصلح للاستخدام ضده. من الواضح أن ليس هناك من ينصح الرئيس العراقي، اذا كان يسمح لأحد بأن يقدم مشورة. ففي هذه الأيام، باتت خطبه منتظرة، والعالم يرغب في سماع ما عنده. لكنه في كل مرة يقول ما قاله دائماً، وما ردده منذ "أم المعارك" التي لا يزال يقدمها ك"انتصار"، وكأنه لم يعرف ماذا حدث وماذا تغيّر. وها هو بدأ يجاري السكة التي شقها له الأميركيون ليسير عليها. ها هو يتحدث، كما فعل في خطابه الأخير، ليقول انه مستعد للحرب، ومتأهب ل"انتصار" آخر، أخير. لعله اعتقد أن حركة مناهضة الحرب معجبة بصموده وعناده. لم يسمعه أحد يقول، خصوصاً ان اللحظة بالغة الدقة والحرج، انه ضحية عدوان تتهيأ الولاياتالمتحدة لشنه على العراق. على العكس. قدم نفسه نداً للمعتدي، وكأن الأمر مجرد مبارزة، وب"السيف" وفقاً لتعبيره. للأسف، كان عليه ان يبرهن انه مدرك لما حصل ويحصل، ومدرك لصعوبة الموقف الذي يدفع معارضي الحرب اليه. كان عليه أن يبرهن، ولو لمرة، انه معني بالعراق، لا بشخصه فقط. مثل هذا النوع من الغطرسة المجوفة لا يوازي سوى غطرسة القوة التي واجهت الولاياتالمتحدة المجتمع الدولي بها. وها هي قد جددت التعبير عنها بالقول انها مستعدة للتحرك وحدها، أي بلا حلفاء، وبلا شرعية دولية. الولاياتالمتحدة باتت اليوم أكثر ثقة بأن حربها ستقع، لأنها راهنت منذ البداية على أن النظام العراقي نفسه سيساعدها في سعيها. فكلاهما يعرف الآن أين تدور اللعبة وكيف. يستطيع الآخرون ان يخوضوا نقاشات في المبدئي والقانوني والشرعي، أما طرفا اللعبة فباتا متأكدين ان المواجهة حاصلة. كما في حرب الخليج الثانية كان في إمكان العراق أن يجهض الحرب بالانسحاب من الكويت، ولو كلفه ذلك أن يسجل على نفسه تراجعاً وخذلاناً، لكنه لم يفعل. كذلك في الحرب المزمعة، فتح مجال التنحي والمنفى، وقبل ذلك فتح مجال التفتيش، وفي الحالين ثمة هدية مسمومة. صحيح ان سيناريو التنحي كان يعني احتمال الفوضى التي لا بد أن تنجم عن فراغ في قمة السلطة، لكنه سيناريو قدم بالطريقة التي تضمن أن يكون مرفوضاً. أما التفتيش فيبدو أنه الطُعم الذي سيكفل إيقاع المترددين في فخ الحرب. ومن الواضح أن مرحلة جديدة بوشرت في التفتيش، وهي ستختلف شكلاً واسلوباً عن المرحلة السابقة، مستندة الى "معلومات" وتوجيهات اميركية، وستتكرر فيها صيحات العثور على ما يتيح بناء الشكوك في صدقية المعلومات التي قدمها العراق عن أسلحته وبرامجه. بدأت "دوخة" الحرب تدور بالرؤوس، من دون أن يعني ذلك أن الأميركيين سيبدلون شيئاً في الروزنامة التي وضعوها مسبقاً. الأكيد أنهم بدأوا يقلبون نظام التفتيش لمصلحتهم، ولو من دون أن يثبتوا أي جديد بعد. ثم ان العالم يتهيأ ليقول لهم إذا كان الهدف هو نزع الأسلحة، فاعثروا عليها ودمروها، اما أن تفتعلوا حرباً وتهزوا استقرار المنطقة فليس هناك أي مبرر لذلك. لا يريد الاميركيون الوصول الى مثل هذا المنطق، واعتمادهم الأول والأخير على النظام العراقي ليجعل رعونتهم سهلة ومقبولة.