مع ما حدث يوم 11 ايلول سبتمبر 2001 يمكن القول بثقة أن انقلاباً ضد النظام الاميركي القائم منذ أكثر من قرنين قامت به المؤسستان العسكرية والمالية داخل الولاياتالمتحدة، وهما المؤسستان اللتان توحي الآن الدلائل كافة بأنهما دبرتا وقائع ارتطام طائرتين ببرجيْ مركز التجارة العالمية في نيوورك وارتطام ثالث بمبنى البنتاغون في واشنطن، من أجل أن تبرر إدارة الرئيس بوش بعد ذلك أمام الرأي العام في الداخل والخارج العمليات التي أسمتها بالحرب ضد الارهاب، وهي حرب قالت إنها ستستمر لسنوات طوال لا يدري عددها غير الراسخين في العلم، ولن تقتصر على تصفية نظام "طالبان" في افغانستان أو القضاء على تنظيم "القاعدة" وعلى زعيمه اسامة بن لادن. سبق للرئيس ايزنهاور في الخطاب الذي وجهه الى الأمة يوم 17 كانون الثاني يناير 1961 بمناسبة انتهاء مدة رئاسته، أن حذر الشعب الاميركي من احتمالات هيمنة دائمة على الدولة من جانب العسكريين وكبار رجال الصناعة والمال" وهو ما يشكل خطراً على الحريات وعلى النظام الديموقراطي في بلادنا"، وفي تموز يوليو 1971، بعد ستة شهور من تولي جون كيندي السلطة، بعث السيناتور الديموقراطي ويليام فولبرايت الى كيندي بمذكرة لمح فيها الى خطر وقوع انقلاب عسكري تقوم به العناصر اليمينية في المؤسسة العسكرية الاميركية، على غرار التمرد الذي نظمه الجنرالات الفرنسيون والذي كان ضمن أهدافه اغتيال الرئيس ديغول. بعد أشهر قلائل من تقديم فولبرايت لمذكرته بدأت وزارة الدفاع الاميركية البنتاغون بالإعداد لما يُعرف بعملية" نورث وودز" التي تستهدف اغتيال الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، أو إطاحة نظامه، عن طريق تنظيم عمليات ارهابية تجر ادارة كيندي الى حرب مع كوبا، ورفض كيندي التصديق على هذه الخطة التي كشف النقاب عنها أخيراً، فكان أن اغتيل في تشرين الثاني نوفمبر 1963. تقترح تلك الخطة الواردة في مذكرة بعنوان "تبرير تدخل عسكري في كوبا" تدبير عمليات ارهابية ضد الولاياتالمتحدة نفسها، ثم تلقى المسؤولية على عاتق كوبا ورئيسها. و"سيكون من المناسب إعداد الرأي العام العالمي وفي الولاياتالمتحدة لهذا الأمر بتصويرنا الحكومة الكوبية على انها متهورة غير مسؤولة، وأنها تمثل خطراً ارهابياً على السلام في العالم الغربي" وتلت ذلك سلسلة من الاقتراحات الخاصة بأحداث يمكن تدبيرها من أجل تبرير التدخل العسكري: الاقتراح الاول: تنسيق أحداث عدة تقع عند القاعدة البحرية الاميركية في خليج غوانتاناما في كوبا، وتشمل اشعال الحرائق، وتفجير مستودعات للذخيرة داخل القاعدة، ونسف طائرات في مطارها، وتخريب سفينة في الميناء، وإغراق اخرى قرب مدخله، ثم إلقاء تبعة ذلك كله على عاتق النظام الكوبي. وتضيف المذكرة الآتي: "وستسهم قوائم اسماء القتلى والجرحى عند نشرها في إثارة موجة من الغضب الشعبي". الثاني: تدبير حملة من الهجمات الارهابية في منطقة ميامي وغيرها من مدن ولاية فلوريدا، بل حتى في واشنطن تنسب الى النظام الشيوعي في كوبا، وكذلك اغتيالات عدة لشخصيات كوبية مقيمة في الولاياتالمتحدة من المعارضين لنظام كاسترو. الثالث: تفجير قنابل بلاستيكية عدة في أماكن نختارها بعناية، ثم يتم القبض على مَن سنصفُهم بعملاء لكوبا، مع نشر وثائق معدة سلفاً توحي بمسؤوليتهم. الرابع: تدبير محاولات عدة لاختطاف طائرات مدنية اميركية، واسقاط طائرة أميركية مستأجرة في المجال الجوي الكوبي. ما انتقيته من اقتراحات مذكرة البنتاغون قد يكفي، متى استبدل القارئ باسم كوبا او كاسترو اسم افغانستان او تنظيم "القاعدة" أو اسامة بن لادن، لأن يكشف له عن هوية مرتكبي أحداث 11 ايلول سبتمبر 2001 في نيويوركوواشنطن، ويوضح اغراضهم، ألا وهو إثارة فزع الاميركيين وغضبهم، وإثارة مخاوف الدول الاوروبية، وتبرير مسلك السادة في دولة الأمن القومي وما في نيتهم الإقدام عليهم من حروب وانقلابات ضد الانظمة التي لا يرضون عنها، بذريعة الحاجة الماسة الى تعزيز وسائل الدفاع والأمن. والواقع ان هذه الوسائل التي بدأ بالفعل تطبيقها بعد الحادي عشر من ايلول سبتمبر 2001، تشير على نحو جلي الى أن ما حدث في ذلك اليوم هو انقلاب قامت به المؤسسات العسكرية والمالية والصناعية في الولاياتالمتحدة ضد الديموقراطية والحريات العامة. ومن بين الاجراءات التي اقرتها الادارة الاميركية منذ ذلك الحين بالاضافة الى ما ذكره جميل مطر في مقال نشرته له "الحياة" أخيراً بعنوان "اميركا وما دهاها: - إصدار قانون خاص بمكافحة الارهاب، يعطي صلاحيات واسعة للأجهزة الأمنية للتنصت على الاتصالات الهاتفية والمراقبة الالكترونية لها، وتفتيش المساكن سراً والاطلاع على سجلات الهواتف وكذلك على الاتصالات عبر الانترنت. - تشكيل محكمة عسكرية تقوم بدلا من المحاكم المدنية العادية بمحاكمة المتهمين بارتكاب أعمال ارهابية او التخطيط لارتكابها، بحيث يشمل اختصاص تلك المحكمة داخل الولاياتالمتحدة وخارجها. - إصدار قانون يجيز إلقاء القبض على أي إنسان يشتبه فيه واحتجازه لمدة غير محددة، من دون توجيه اتهام إليه أو مواجهته بأسباب احتجازه، مع اجازة ترحيله عند الضرورة. - الاستهداف العرقي الصريح لأصحاب البشرة السمراء والسحنات الشرق أوسطية والمسلمين. - استخدام التعذيب ضد المتهمين الذين يرفضون الاعتراف بالتهم التي وجهتها اليهم أجهزة الأمن. - إلاذن للجهات الأمنية بالتنصت على مكالمات المحامين مع موكليهم المعتقلين. - التصريح لوكالة الاستخبارات المركزية بالقيام بعمليات اغتيال سرية لمن ترى فيهم خطراً على مصالح الولاياتالمتحدة. - التضييق على وسائل الاعلام وتوجيهها الى ضرورة عدم التورط في بث انباء او تحليلات تخدم وجهة نظر الاعداء، أو تثير شفقة الرأي العام الاميركي على ضحايا الغارات الاميركية في الخارج من أطفال ونساء وشيوخ. هذا التحوّل من جانب النظام السياسي الاميركي في اتجاه الفاشية يُنذر في رأينا بتفريغ ديموقراطية أمثال جيفرسون من الاوكسجين اللازم لبقائها على قيد الحياة، كما ينذر سائر انحاء العالم - في ظل الهيمنة الاميركية بشرور مستطيرة متعاقبة. * كاتب مصري.