يقف الحاج مهدي غزالي مكبلاً بالأصفاد في قفص لا تتجاوز مساحته خمسة أمتار مربعة نقله قبل ايام من مدينة اوروبرو السويدية الى العاصمة استوكهولم ليتظاهر تضامناً مع ابنه مهدي - محمد 23سنة المسجون منذ اكثر من ثمانية شهور في قاعدة الجيش الأميركي في غوانتانامو في كوبا مع نحو 600 شخص يعتقد انهم ينتمون الى تنظيم "القاعدة" من دون ان توجه اليهم حتى الان تهم رسمية. يذرف مهدي غزالي دمعة ابوية ويشرح ل"الحياة" التي قابلته في ساحة سرغل في العاصمة استوكهولم حيث سيبقى حتى الرابع عشر من الشهر الجاري ثم سينتقل الى مكان آخر في استوكهولم ليكمل اعتصامه "ان وزيرة خارجية السويد انا ليند اتت ووقفت هنا وقالت لي ان السويد تفعل ما بوسعها من اجل اعادة ولدي الى البلد الذي ولد فيه، ولكن انا لا اقتنع بكل كلام السياسيين ولا الوعود التي يطلقونها الا عندما ارى ابني واقفاً امامي". شغلت قضية الشاب غزالي عالمي الاعلام والسياسة منذ ان تم اعتقاله في الشتاء الماضي في باكستان، كما ان مكان اعتصام والده في العاصمة السويدية اصبح مزاراً لمئات السويديين والاجانب. ويعتقد ان الشاب الجزائري - السويدي كان يقاتل مع تنظيم "القاعدة" في افغانستان الا ان والده ينفي تلك الادعاءات ويشرح "ولدي رفض ان يخدم العسكرية في السويد لأنه لا يؤمن بالحرب فهو شاب مسالم، فهل من المعقول ان يكون مقاتلاً مع "القاعدة". مستحيل... ابني ذهب الى لندن لدراسة الدين الاسلامي ثم انتقل من هناك الى باكستان ليدرس في الجامعة الاسلامية وتم اعتقاله من طريق الخطأ". عندما سافر الابن مهدي - محمد غزالي في صيف 2001 الى لندن ليدرس الفقه كان على اتصال مستمر بوالده، الا ان هذا الاخير اراد ان يستغل الوقت ويغتنم فرصة سفر ابنه ليسافر هو الى الجزائر ليلتقي الاقرباء. يشرح الوالد "بقيت في الجزائر نحو ثلاثة اشهر ولم أتلقى أي اتصال منه. عندما عدت الى السويد انشغل بالي عليه فليس من المعتاد ان ينقطع عنا بهذه الطريقة" في ليلة من ليالي كانون الاول ديسمبر الباردة طرق عنصر من الشرطة السويدية باب غزالي في مدينة اوروبرو وقال "هل انت والد مهدي - محمد غزالي فأجبته نعم انه ابني، لم يقل اي شيء ادار ظهره وغادر. وبعد اقل من نصف ساعة طرق الباب مجدداً وكان الطارق هذه المرة مراسلاً لاحدى الصحف المحلية فسألني السؤال نفسه وعندما اجبته قال لي ان مهدي اعتقل في باكستان". يشرح مهدي غزالي ان ابنه لم يقدم طوال حياته على اي عمل مخالف للقانون في السويد، ولكنه اعرب في الآونة الأخيرة عن رغبته في السفر الى لندن او الى السعودية كي يقيم هناك "فهو شعر ان المجتمع السويدي غير مناسب له كمسلم لذا اراد ان يعيش في مجتمع اسلامي فقال لي ان هناك مجتمعات اسلامية في لندن وفي حال استطاع الانتقال الى السعودية فسيبقى هناك لأنها بلاد اسلامية مناسبة له". ولكن مهدي - محمد غزالي اختار بعد لندن ان يسافر الى باكستان، ومن الواضح في رسالته انه تواجد في افغانستان ولكن الوالد يؤكد ان ابنه لا دخل له ب"القاعدة" ويقول: "انا اعرف ما قضية ابني. قام الباكستانيون ببيعه للجيش الاميركي. فأنا حصلت على معلومات من الخارجية السويدية التي قابل مندوب منها ابني في معتقل غوانتانامو ان الاميركيين قالوا للسويديين ان ابني بريء من تهم الانتماء الى تنظيم "القاعدة" وارادوا ابعاده الى باكستان حيث اعتقل الا ان باكستان رفضت استلامه". حصل مهدي غزالي على رسالتين من ابنه منذ ان اعتقل، الاولى وصلته عندما كان في سجن باكستاني والثانية من سجن غوانتانامو. الرسالة التي وصلت من السجن الباكستاني كتبت بالسويدية ويشرح فيها انه اعتقل عندما كان في طريقه من افغانستان الى باكستان على ايدي الجيش الباكستاني وهو بخير وينتظر ان يبت بقضيته. ويضيف الابن غزالي في رسالته انه ينتظر اثبات براءته من الانتماء الى جماعة "القاعدة" وانه عندما يعود الى السويد "لن اغادركم ابداً". انقطعت الاخبار عنه لفترة شهور ثم وصلت رسالة اخرى الى الوالد مهدي. هذه المرة اتت من معسكر غوانتانامو. كتبت بالعربية وكانت مختصرة جداً اذ انه "ممنوع على السجناء هناك ان يكتبوا اي تفاصيل عن حياتهم ولكن الصور تؤكد انهم يمرون في مرحلة صعبة جداً" ويذهب الوالد في تحليله الى الصور التي اتت من المعتقل ويشير الى احداها التي يظهر فيها معتقل بثوبه البنفسجي مكبل اليدين ويجره عنصران من حراس المعقتل وامامه نحو سبعة آخرين من رجال المارينز ويقول "انظر الى رجلي المعتقل فهو لا يمكنه ان يدوس على الارض لأنها تتكون من بحص حاد وصغير لتعذيب المعتقل الذي يمشي عليها وهو عاري القدمين. كما ان نظرات هؤلاء الجنود المصطفين امامه تحمل الكثير من الاستعلاء. هذه هي اميركا وهذا هو الجيش الاميركي. من قال ان فرعون قد زال. اميركا هي فرعون هذا العصر" ويمسح دمعات الحزن عنه ويشير الى انه حصل على تعاطف كبير من السويديين والاجانب الذين مروا بالقرب من "سجنه" اذ هناك "من اعطاني الواح من الشوكولا واتت فتاة وقدمت لي 40 كروناً تضامناً معي، كما ان هناك اشخاصاً كتبوا على اللوحات المعلقة حول القفص جمل تضامن معي. الشعب السويدي شعب مسالم ويتضامن مع حالات كهذه". لم توجه تهمة رسمية من قبل الولاياتالمتحدة ضد الشاب المعتقل، ولكن الحاج مهدي الذي هاجر من موطنه الاصلي الجزائر سنة 1977 وتزوج من والدة ابنه المعتقل وهي فنلندية الاصل ولكنهما انفصلا بعد فترة بسيطة، لن يوقف اعتصامه السلمي الذي اصبح مزاراً يحج اليه المواطنون العاديون والساسة والصحافيون الا بعد ان تتحرك الحكومة السويدية للافراج عن ابنه. ولكن قبل ان ترد الحكومة على مطالب الوالد مهدي قام المحامي السويدي بيتر التين الموكل بالدفاع عن مهدي غزالي، بخطوة غير عادية اذ انه طالب باسم الحزب الذي ينتمي اليه الحزب الديمقراطي المسيحي بسحب السفير السويدي من واشنطن احتجاجاً على عدم اعطاء اميركا اثباتاً يدين موكله. ولكن السويد الرسمية لم تلب دعوة المحامي الذي يشجع الوالد غزالي على الاستمرار في اعتصامه.