بحكم العزلة التي يعيشها العراق لم يعرف عدد من شباب البلاد الذين يحملون في اجسادهم انواعاً من الوشم المكونة من رسوم او كلمات او علامات، انهم "تقدموا" في ذلك على شباب الغرب المشغول هذه الأيام برسم أشكال ورسوم ملونة على الأيدي والسيقان والصدور وبحسب صرعات لا تهدأ، ضمن صرعة "تاتو" او الوشم الذي باتت فنونه، تشغل اهتمام طائفة غير قليلة من بنات الغرب ورجاله. و"تفوق" شباب العراق في الوشم، كما تفيد صحيفة "الزمن" الاسبوعية الصادرة في بغداد، "جاء من تراكم الإحساس بالخيبة والعجز عن مواجهة الحياة. اجسادهم تراها وقد تطرزت بعبارات وكلمات وصور غريبة وكأنها رد فعل على هزيمتهم عقب حب فاشل او تجربة اجتماعية اخرى لم يكتب لها النجاح فعبروا عن العجز في مواجهة الحياة وصعوباتها بهذه الاساليب، منكفئين على الذات يجترون احلام البطولة الخارقة، وعادة ما يقضون جزءاً من حياتهم في زنزانات السجن ومن هناك يتعلمون "فنون" الوشم". ومع ازدياد حالات الانكسار عند الشباب ما بين خيبات الحروب والمواجهة اليائسة مع ظروف اجتماعية لا تني تزداد سوءاً. الشاب سعد عزيز الذي كانت يداه مملوءتان بالجمل والاسماء يقول: "توفيت والدتي بعد صراعها مع المرض الذي لم يفارقها سنوات ولشدة الحزن الذي ألمّ بي، كتبت على يدي "اعز الناس أمي"، وبعد فترة قليلة ارتبطت بعلاقة حب بفتاة فنقشت حرف M على كفي كي لا انساها الى الابد. اما بقية العبارات المنقوشة على زندي فهي اشارات الى علاقات صداقة لم تعمر طويلاً، فصديقي الذي كان يمثل لي اكثر من أخ تحول فجأة الى اشد من العدو لذلك كتبت عبارة آخ ماكو وفه ليس هناك وفاء". شاب آخر رسم صورة فتاة بشعر طويل على يده اليمنى ذكر ان ذلك حصل حينما كان موقوفاً في احد السجون ولأن "وقت الفراغ هناك قاتل لجأت الى هذه الطريقة لبعثرة الملل كما كان يفعل الآخرون. وهذه الصورة التي تمثل فتاة مجرد خيال لا اساس له على ارض الواقع وقد ندمت كثيراً على فعلتي هذه اذ كثيراً ما سخر مني الناس ورمقوني بنظرات استهجان بخاصة العبارة التي كتبتها على يدي "ابتعد عن يمنتي يدي اليمنى لأنها قاتلة" وأحاول الآن ايجاد الطريقة لأتخلص من هذه المصائب التي خلدتها على يدي". أحد الاشخاص تجاوز عمره الخمسين عاماً نزع قميصه متطوعاً وعرض ظهره ورسم عليه صوره لفتاة جميلة "تسلطنت" على مساحة الظهر من الكتف الى الكتف. وأشار الى انها الحبيبة التي طعنته من الخلف قبل ثلاثين عاماً خلت حيث كان يراها عالماً من البراءة والحنان لكنها كما يقول: "أفعى سامة لدغته من ظهره فخلد لدغتها كي لا يصاب المؤمن من جحر مرتين". "موشوم" حوّل كتفه وزنده الى دفتر للحكم والامثال، إضافة الى مقتطفات من حياته وكأنه يروم ان يجعل صدره بديلاً من البطاقة الشخصية وبقية الوثائق، اذ كتب اسمه الكامل وتاريخ ولادته واسم امه وعنوانه و"R+N = حياة سعيدة"، وبالطبع فهو لا يجيب عن أي سعادة يمكنه تحقيقها وهو الخارج للتو من سجن طويل. الا ان اغرب ما يقرأ من وشم هو المكتوب على زند شاب كان يرتدي قميصاً خفيفاً بأقل من ربع كم، وكان عبارة كتبت بخط واضح وعريض تتجاوز الثلاثة سنتيمترات "حبيبتي حمدية" وتحتها "حبيبتي مارينا". ويبدو ان حمدية، كانت حبيبته الاولى عندما كان يسكن الريف ولكنه وبعد ان وطأت قدماه المدينة اصبحت لا تناسبه بكل المقاييس فاستبدلها بأخرى اكثر تحضراً وهي مارينا. عدد كبير من "الموشومين" اكدوا انهم يشعرون بندم شديد، وحاول بعضهم استخدام مواد كيماوية لإزالة تلك الآثار فتشوهت اعضاؤه واعتبر سلوكه رد فعل لسني المراهقة وأصدقاء السوء، إضافة الى تأثره بالكبار الذين نقشوا على اجسادهم وهم يشعرون الآن بالحرج. باحثة اجتماعية عراقية هي السيدة مائدة حميد حسين العزاوي مديرة قسم للرعاية الاجتماعية تشير الى ان "المراهقين في شكل خاص يسعون دائماً الى تقليد الافلام وأبطال تلك الافلام الذين وشموا اياديهم، فتراهم يسارعون الى تجسيد ذلك بنقش رسوم الافاعي او العقارب او الآلات الحادة على اجسادهم، وأحياناً يتخذون ذلك من منطلق "خالف تعرف" او يعتبرونها وسيلة للتعويض عن النقص الذي يعانون منه سواء داخل الاسرة أم المجتمع". ويرى استاذ علم النفس في جامعة صلاح الدين محمد سليمان البياتي ان "الوشم من الظواهر المرفوضة في المجتمع وينبغي الابتعاد عنها"، مشيراً الى انها "تفشت في الآونة الاخيرة بين المراهقين والشباب واستخدامهم عبارات غريبة ليوشموا بها جسدهم ومنها "الاقارب عقارب" او اسماء بعض النساء او رسم اشكال وصور، وهي بطبيعة الحال محرمة اصلاً لكونها تشويهاً للجسد وتعذيباً له من دون مبرر مشروع".