بدت تجارة "السفاري" في الآونة الاخيرة في مصر كما لو انها همّ الشباب الاول، واستقرت في عرف العامة على أنها تجارة الشباب الأثرياء من دون آخرين لديهم الرغبة والقدرة على ممارستها لكن لا يملكون رأس المال. وفي حين بدأ الكثير من الشباب أصحاب رأس المال المتوسط يروجون للسفاري في صحراء مصر الشرقية وواحات سيوة والخارجة والداخلة في الصحراء الغربية، على أساس أن هذه المناطق هي الأقل كلفة، في حين ظلت صحراء سيناء أغلى مناطق رحلات السفاري على الاطلاق، وظل سماسرة هذه التجارة من الشباب هم أصحاب العائد الأكبر بعد توظيف امكاناتهم لجذب اكبر عدد من الراغبين في ممارسة "سفاري" صحراء سيناء من العرب والأجانب. لكن بعض هؤلاء الشباب قرر اخيراً وقف النشاط موقتاً، بينما فكر الآخرون في الانتقال بتجارته الى مكان آخر رفضاً للتعامل مع الإسرائيليين الذين يسعون لممارسة هذه الرياضة على الاراضي المصرية وبالأخص في صحراء سيناء. ويذكر انه قبل العام 1985 اقتصر تنظيم رحلات السفاري الصحراوية على الواحات، وصحراء مصر الشرقية وخصوصاً في مدينة "إسنا" في صعيد مصر وحتى جبال البحر الأحمر مروراً بمدقات ووديان معروفة في هذه المنطقة. لم تكن كلفة الرحلة تزيد في حينه على ثلاثمئة جنيه مصري شاملة المأكل والمشرب، اضافة الى الاقامة ثلاث ليالٍ في الصحراء، فيما كان معظم المقبلين على هذه الرحلات أجانب مع عدد قليل من المصريين، وفي ذلك الوقت لم تكن الشركات السياحية توجه نشاطها بقوة للسفاري، لذلك امتلك البدو زمام هذه التجارة لفترة طويلة، واستطاعوا تحقيق ايرادات هائلة، لكن منذ أواخر الثمانينات دخلت مجموعة من الشباب المصري ذلك المجال بعدما اكتشفوا ان بلادهم تصلح لتحقيق ارباح مرتفعة، اضافة الى تحقيق سمعة عالمية لرحلات سفاري صحراوية اسطورية في صحراء سيناء. وظل الوضع المالي لهؤلاء الشباب في تحسن مستمر، حتى بدأ المنحنى يهبط، خصوصاً مع تطور الاوضاع المأسوية في الاراضي المحتلة، ليس لأن السياح الاسرائيليين لم يقبلوا على رحلات السفاري ولكن لرفض المصريين التعاون مع الافواج السياحية الاسرائيلية حتى لو كانت ارباحها مجزية. واستطلعت "الحياة" آراء منظمي تلك التجارة فقال باسل عبدالوهاب 32 سنة: "معظمنا يرفض عروضاً من شركات سياحية اسرائيلية لرحلات الصحراء في مصر لأننا لا نتصور أن يقتل احدهم الفلسطينيين هناك ثم يأتي ليقضي معنا عطلة نهاية الاسبوع في مقابل حفنة من الدولارات. وافقنا على اصطحابهم الى الرحلات الصحراوية ونؤجر سياراتنا لهم عندما كانت الاتفاقات بيننا وبينهم في تقدم مستمر لمصلحة الشعبين العربي والاسرائيلي، وقال: هناك مجال للحديث عن الحقوق العربية في الاراضي المحتلة اثناء الرحلات، ولكن حالياً يقتلون العشرات من الفلسطينيين". ويضيف: "ومع انني خسرت كثيراً لأنني رفضت رحلات كثيرة لأفواج اسرائيلية فإنني افضل هذه الخسارة على "حرق الدم" الذي يصيبني وأنا أرافق الاسرائيليين في رحلة صحراوية على الاراضي المصرية في عطلة نهاية الاسبوع". فيما قال محمد عبدالخالق "قبلنا ان نرى الاسرائيليين في سيناء على مضض وأملاً في أن نكون نحن المبادرين بالسلام وحسن الجوار، واعتقد بعضنا ان المستقبل افضل، وأن التفاهم بيننا وبينهم سوف يظهر قريباً جداً، حتى أن منا من عقد صداقات قوية ببعضهم خلال رحلات "السفاري" لكننا الآن نرفض التعامل معهم، وهناك جرائم تجرى على الارض المحتلة كل يوم، لذا لا نستطيع التعامل معهم مهما كان حجم الخسائر المادية التي نتعرض لها كتجار سفاري. وعن كلفة رحلات السفاري في الاراضي المصرية قال وسيم عبدالهادي 34 سنة إن الرحلة الواحدة للمصري تبلغ نحو 500 جنيه لأربع ليالٍ داخل المدقات الصحراوية والطرق الجبلية، بينما يدفع الاجنبي الضعفين، اذ ان متطلباته مختلفة، ابتداء من انواع السيارات وانتهاء بأحجام الخيام والمواد المصنوعة منها. وأضاف عبدالهادي أن الربح الحقيقي هو من رحلات الاجانب لأنهم ينفقون ببذخ للمتعة وهناك أثرياء عرب يدخلون الصحراء في سيناء لمدة تزيد على العشرين يوماً، لكن هؤلاء بدأوا ينقطعون في الفترة الاخيرة لعدم رغبتهم في الاختلاط بقوافل الاسرائيليين داخل الصحراء. ورفض المصريون الشيء نفسه، وكان طبيعياً ان نرفض نحن التعامل مع الاسرائيليين حتى لو كانوا مصدر مكسبنا الوحيد. أما جورج السايط 30 سنة فقال: أفكر جيداً في نقل كل نشاطي الى الصحراء الغربية وأترك ترتيب السفاري في سيناء حتى تتحسن الظروف، وربما يزيدني البدو هناك خبرات تفوق خبراتي ويعود دخلي المادي للتحسن بعد ان فقدت نسبة مرتفعة من رأس مالي خلال الفترة الماضية. ويرى السايط ان دخول مجموعة كبيرة من الشباب مجال السفاري هو المسؤول عن رفع اسعارها، اذ ان البدو كانوا يسيطرون تقريباً على مقاليد الرحلات الصحراوية في البداية ولم يبالغوا في اسعار الرحلات، وفي الوقت نفسه كانوا يقدمون هذه الرحلات بصورة بدائية، فيما استطاع الشباب المتعلمون تطويرها في سيناء حتى اقبل عليها السياح من مختلف انحاء العالم.