النصر يحقّق فوزه الثاني أمام تولوز الفرنسي    أخضر الصالات يتأهل لنصف نهائي بطولة القارات بعد الفوز على زامبيا بخماسية    9 مليارات ريال كفالات تمويلية    وزير الطاقة يجتمع مع نائب رئيس مجلس الوزراء الروسي    الفضلي يؤكد صدارتها عالمياً في المياه.. وزير الإعلام: السعودية تصنع تقنية المستقبل    تعاون سعودي- فلسطيني في المناهج والاتصالات والتنمية «البشرية».. وزير الخارجية ورئيس الوزراء الفلسطيني يستعرضان العلاقات الثنائية    قط يسرق ملابس الجيران    تدخل غينيس ب 711 «وتد غولف» في شعرها    بسبب تجويع سكان غزة.. شخصيات إسرائيلية بارزة تطالب بعقوبات على تل أبيب    نائب أمير مكة يستقبل رعاة حملة توعية ضيوف الرحمن    لتولى مهام مراقبة ساحل البحر الأحمر.. تدشين فريق مفتشات بيئيات بمحمية الأمير محمد بن سلمان    4 أشواطٍ تحضيرية للكؤوس في الأسبوع الثاني من موسم سباقات الطائف    مراسلة تلفزيونية تتعرض للسرقة أثناء بث مباشر    الجاسم يصدر «أربعون عاماً بين الإعلام والرياضة»    المرور: 500 ريال غرامة استخدام الفرامل المفاجئ    ضبط 12 مروجاً ومهرباً و380 كجم من المخدرات    أوفياء كشافة شباب مكة يطمئنون على فضل    عرض مسرحية «طوق» في مهرجان إدنبرة الدولي    وفاة الفنان لطفي لبيب.. الضاحك الباكي    بمشاعر الوفاء.. تناغم الفن تكرم التشكيليين    التجارة تستدعي 96 طقم أكواب زجاجية للأطفال    20 فرصة عقارية بمزاد كندة العلني الهجين في مكة المكرمة    ارتفاع أسعار الغاز في 2025    وزير الخارجية يعتمد الوثيقة الختامية لمؤتمر حل الدولتين ويدعو جميع الدول لتأييدها    توقيع ثلاث مذكرات تفاهم استكمالًا لدور المملكة المتواصل في دعم القضية الفلسطينية    كأس العالم للرياضات الإلكترونية يجمع التقنية بالسياحة والرياضة والثقافة    الكويت: السلام العادل يتحقق بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين    سلمان بن سلطان يطلق فعاليات مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص    إطلاق نسخة مطورة من "إصدار الوثائق"    استعراض مبادرات وأنشطة محمية تركي بن عبدالله أمام أمير حائل    فيصل بن مشعل يكرّم مميزي "مدني القصيم" في الحج    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير مشروعات صبيا وضمد    الكتب المخفضة.. نافذة جديدة على العالم    توثيق أصوات مؤذني مساجد وجوامع الأحساء    التماس العذر    الذهب يرتفع مع تراجع الدولار وتقدم «مفاوضات الرسوم»    فن المملكة يحطّ رحاله في بكين    المملكة تقدم دورة علمية لتأهيل الأئمة والخطباء في جيبوتي    عبور 13 شاحنة إغاثية سعودية إلى غزة خلال يومين    جامايكا تشيد بمبادرة المملكة لنقل التوأم الجامايكي الملتصق «أزاريا وأزورا» إلى الرياض لدراسة حالتهما الطبية    حرس الحدود بمنطقة جازان يضبط شخصا لتهريبه (21) كجم "حشيش"    المدينة المنورة تعتمد مدينة صحية مليونية للمرة الثانية    رحلة في "يباس".. نادي الرواية الأولى يضيء التجربة الروائية لآية السيّابي    نائب أمير جازان يستقبل قائد قوة أمن المنشآت المعيّن حديثًا بالمنطقة    جمعية "كلانا" توقع شراكة مع الصحة لتوفير 50 جهاز غسيل كلوي    حرس الحدود يختتم المعرض التوعوي بالسلامة البحرية بمنطقة جازان    أمير جازان يرعى مراسم توقيع اتفاقية تعاونٍ بين سجون المنطقة وجمعية "مأمن"    نجاح عمليتين لزراعة مضخات قلبية بمدينة الملك عبدالله بمكة ضمن برنامجها المتخصص في قصور القلب    كبار السن في السعودية يتصدرون مؤشر الصحة الذهنية عالميًا    السفارة السعودية في اليابان تهيب بالمواطنين الالتزام بالتعليمات الصادرة بشأن تسونامي    القيادة تهنئ ملك المغرب بذكرى توليه مهام الحكم في بلاده    المنتخب السعودي يشارك في أولمبياد العلوم النووية الدولي 2025    نائب أمير مكة يطلع على أعمال الجهات المعنية بخدمة المعتمرين    أجواء عسير تتزيّن بالأمطار    وزير الداخلية يطلع على "العمليات الأمنية" لشرطة باريس    1.689 طلب منح الأراضي المنفذة    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير المشروعات التنموية بمحافظة صبيا    ثقافة القطيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جوزيه بوفيه وفلسطين ومصادفات متكررة
نشر في الحياة يوم 30 - 06 - 2002

بدأتُ هذه المقدمة مرات عدة:
- المحاولة الأولى:
في مثل هذا اليوم من العام الماضي، كان جوزيه بوفيه ينجز زيارته الأولى إلى فلسطين. وهو ترأس وفداً ضم، من بين من ضم، ممثلي "الحركات الاجتماعية"، والتعبير يشير إلى تلك الاطر الحديثة النشأة التي ليست أحزاباً ولا نقابات ولا جمعيات، وإنما هي أشكال جديدة من العلاقات التنظيمية وأساليب العمل، وشبكات تتكون حول الحاجة الى مجابهة الظواهر التي يفرزها ما يسمى اختصاراً "العولمة"، أي التعديلات الجوهرية الجارية على أسس الانتاج وتداول الثروة في العالم، والنتائج السياسية والفكرية والثقافية التي تتبعها أو تحيط بها.
- المحاولة الثانية:
في مثل هذا اليوم من العام الماضي، انطلقت أول بعثة شكلتها "الحملة المدنية العالمية لحماية الشعب الفسلطيني"، وهي مبادرة تدعو إلى التدخل المباشر للمواطنين من كل العالم في الصراع، متجاوزة بذلك فكرة أن أحزاباً أو هيئات بعينها هي من ينظم ويقنن العلاقة مع الالتزام السياسي أو النضالي، في كل الساحات ومنها فلسطين. وتتلاقى هذه الدينامية مع الأسس نفسها التي تحكم الاطر الجديدة للعمل السياسي التي تقود حركة مناهضة للعولمة الليبرالية، وتعبر عن مصالح الفئات المتزايدة الاتساع التي يهمّشها نمط العلاقات الانتاجية وتداول الثروة والقيم العامة السائدة الجديدة. لذلك، فإن ترؤس جوزيه بوفيه هذه البعثة الأولى لم يكن مصادفة بأي حال من الأحوال، بل كان فعلاً رمزياً مُنبئاً بهذا الطابع.
- المحاولة الثالثة:
هناك مصادفة لا يمكن إلا التوقف أمامها، وقد يجدها البعض مسلية فحسب، بينما تذهب طباع البعض الآخر بهم إلى رؤية علامات قدرية في معانيها. ففي يوم السابع عشر من حزيران يونيو الجاري، تسلم جوزيه بوفيه أمر الالتحاق بالسجن في حكم صدر عليه لأنه هجم ورفاقه من الكونفيدرالية الفلاحية على ورشة بناء أحد مطاعم ماكدونالدز الجديدة، وقام بتفكيك المنشآت كشكل رمزي من أشكال الاعتراض على الهيمنة الأميركية على العالم.
وذلك اليوم، السابع عشر من حزيران، هو التاريخ ذاته، بعد عام كامل، يوماً بيوم، الذي وصل فيه بوفيه إلى فلسطين، وكانت تلك زيارته الأولى إليها، كما هي المرة الأولى التي يزور فيها بلداً عربياً أصلاً. وهناك مصادفة ثانية في هذا التاريخ، إذ أنه يختتم العام الأول لانطلاق أول بعثة مدنية فرنسية تطالب بتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني. وقاد جوزيه بوفيه تلك البعثة الأولى التي تشكلت وقتها من ممثلين لما يسمى "الحركات الاجتماعية"، عادت إلى باريس في الثلاثين من حزيران الفائت لتطلق حركة لم تتوقف مذاك عن الاتساع.
لم أثبت المحاولات الثلاث هذه هنا لأنني ضنينة بإلقاء بعضها إلى المزبلة كما أفعل بيسر ومن دون تردد عادة، وإنما لأنني وقفت فعلاً حائرة أمام أفضل المداخل لما سيلي، فقررت التخفف من عبء الاختيار وإلقاءه على من سيقرأ هذه المقالة، فيختار ما يلائم هواه. وإذ تتقاطع المقدمات الثلاث في نقاط معينة فيحدث تكرار، فهي في نقاط أخرى تتكامل. ولا شك أن شيئاً من الرغبة في اللعب قد خامرني ودفعني إلى قراري هذا. وها أنا اعترف، قبل ان اكمل بجدية أكبر ما يصلح كتتمة على أية حال، أو كمقدمة رابعة...
اليوم، وفي ختام العام الأول على انطلاق "الحملة المدنية العالمية لحماية الشعب الفلسطيني"، فإن البعثة الفرنسية الثامنة عشرة تتابع ما بدأته تلك المجموعة الأولى. وما بين اليومين، سافر مع البعثات المدنية إلى فلسطين ما تجاوز مجموعه خمسمئة مواطن، من كل المناطق والاصول والأديان والفئات الاجتماعية والعمرية، ومن أحزاب ونقابات وحساسيات فكرية شديدة التنوع، كما هم المواطنون عادة. وامتدت المبادرة إلى بلدان أوروبية أخرى وهي ما تزال تتوسع. وتعتمد المبادرة على شكل أفقي من التنظيم، أو العمل وفق شبكة من العلاقات، وهو ما يوفر في آن واحد الحفاظ على فردية الإنسان أو خصوصية المجموعات الصغيرة، أي احترام التنوع ودرجة عالية من الحرية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، توظيف الطاقة الجماعية، اي الصلة القائمة فعلياً بين أعداد هائلة من الناس والتي تسمح لهم بالمبادرة المشتركة كلما دعت الحاجة الى ذلك، كما حدث في تظاهرات سياتل أو جنوى وما هو على شاكلتهما.
وبخصوص البعثات الى فلسطين، فإن أفرادها، حين يعودون من زيارتهم القصيرة تلك، فإن كل واحد منهم يبادر الى اختيار أو انشاء الاطار الملائم له من أجل الانخراط في الشبكة العامة لحركة نصرة نضال الشعب الفلسطيني. وهو - أو هي - يصبح نوعاً من سفير لهذا النضال، يدعى للادلاء بشهادته في مناسبات متنوعة، بحيث ندر ان قام اجتماع عام سياسي خلال هذه السنة ولم يتدخل في برنامجه واحد أو اكثر من أفراد البعثات، يروون ما شاهدوه ويقولون ما التزموا به أمام الناس في فلسطين، ويتناولون الأسباب التي دفعتهم الى المبادرة للالتحاق بالبعثة.
واليوم، وفي ختام العام الأول، فإن اكثر من خمسة أفلام تسجيلية نتجت عن هذه الحركة، كما نتج عنها كتاب أول ومساهمة في كتاب ثان قيد الاعداد ووثيقة مشتركة مع "الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان" حول وقائع ما جرى في مخيم جنين، تجد طريقها لتعتمد كوثيقة لدى لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة في جنيف، وعشرات المقالات والمقابلات الصحافية والاذاعية والتلفزيونية، اشهرها البرنامج الذي أعده الاذاعي المعروف دانيال مرميه واستحق عليه ملاحقة قضائية شرسة من هيئات صهيونية فرنسية متطرفة. كذلك مسلسل الوقائع اليومية التي نشرتها جريدة "الموند" على امتداد نيسان ابريل الماضي، معتمدة مقابلات كانت الصحيفة تجريها كل يوم مع واحد من "العالميين"، أي هؤلاء المواطنين من كل أنحاء العالم الذين اعتصموا في مقر القيادة الفلسطينية طوال مدة حصارها خلال عملية "الجدار الواقي" الاسرائيلية، وتولوا من مقر "المقاطعة" مهام الاتصال بالإعلام العالمي بنجاح خاص.
وعلى صعيد آخر، تمكنت هذه الحركة، بسبب طبيعتها ذاتها، وايضاً بفعل توجه خاص اعتمدته، من مَفْصَلة القضية الفلسطينية ضمن بنية واهتمام حركة مناهضة العولمة الليبرالية. فهناك عدد من ممثلي "المنتدى الاجتماعي العالمي" الذين باتوا - يعتبرون ان ادراج المسألة الفلسطينية في اهتماماتهم ونشاطاتهم أمر لا بد منه. كذلك اتخذت حركة "أتاك" قراراً بالمشاركة في الحملة العالمية وذلك بعدما تكاثر عدد الأفراد والكوادر من كل الانحاء، الذين بادروا هم الى ذلك، وبعد نقاشات مع قيادة هذه الحركة أثمرت ارسال بعض أبرز ممثليها في الايام الأولى من هجوم نيسان ابريل الماضي الى فلسطين. كذلك قررت المنظمة الفلاحية العالمية "الطريق الريفي" ادراج المسألة الفلسطينية ضمن برامجها، وهي أرسلت وفداً للاحتفال بيوم الأرض، كان جوزيه بوفيه من ضمن أفراده وكانت تلك زيارته الثانية الى فلسطين. وقد صادف ان الهجوم الاسرائيلي الواسع، أي عملية "الجدار الواقي"، فشل في اليوم نفسه، فقرر الوفد الدخول الى مقر الرئيس عرفات ولعب أفراده دوراً اساسياً داخل مجموعة "العالميين" تلك.
وبين الزيارتين، كان بوفيه قد ساهم في أعمال اجتماع بيروت لمناهضة قمة الدوحة التي دعت اليها منظمة التجارة العالمية، ثم توجه الى الدوحة نفسها.
ها قد عدنا الى بوفيه الذي يقبع في سجن في جنوب فرنسا اليوم، بينما اصدقاؤه أقاموا مركزاً دائماً للتضامن معه أمام بوابة السجن. وهو مركز سيستمر طالما بقي هو هناك. وفي برنامج المركز عدة أوقات مخصصة لفلسطين.
وتلك ليست الا محطات مسيرة الرجل، كما ان المشاركة في احدى البعثات ليست سوى لحظة من لحظات دينامية عامة متجددة للتضامن مع نضال الشعب الفلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.