بعد استضافتها "زمن المغرب" عام 1999، والتي لاقت نجاحاً هائلاً، تستعد فرنسا السنة المقبلة لاحتضان الجزائر ضيفاً ثقافياً لمدة عام كامل ابتداء من تشرين الأول أكتوبر المقبل. ويخيم على إقامة هذا النشاط، وكذلك على موعد عقده الكثير من الغموض، إذ يذهب البعض إلى القول أنه لن يقام بحكم ارتباطه وتبعيته للوضع الأمني غير المستقر في الجزائر، وبحكم نتيجة الاستحقاق الانتخابي للرئاسة الفرنسية. ويعول الطرف المناوئ لهذا النشاط على دينامية اللوبي السياسي الفرنسي المناهض للجنرالات لإحداث هرج إعلامي كبير، والتشويش على فاعليات النشاطات المبرمجة أو التي هي قيد البرمجة، فيما يشير البعض الآخر إلى أن التظاهرة ستتم في وقتها المقرر وبمعزل عن الاعتبارات السياسية ونوعية العلاقات بين البلدين، وهي علاقات يميزها في الآونة الأخيرة نوع من الدفء. وشرعت بعض شركات الطيران الفرنسية في ترحيل الركاب إلى الجزائر، بعد ثماني سنوات من الغياب، وبدأت المعاهد الفرنسية وفي شكل خجول في برمجة أنشطة ثقافية في مجال السينما والمسرح والعروض الموسيقية، من دون الحديث عن زيارة الصحافيين الفرنسيين للجزائر. ويضاف إلى هذه الأمور الوضع الثقافي في الداخل والذي بدأ يسترجع على مهل بعضاً من عافيته مع إحياء أو إعادة تنظيم المعرض الدولي للكتاب، وعودة الفنانين المغتربين لتنشيط حفلات موسيقية في مدن الجزائر ووهران، مثل الشاب مامي الذي أحيا أخيراً سهرة موسيقية في الجزائر العاصمة، واسترجاع بعض الصحافيين والمعلمين مواقعهم في السلك الصحافي أو في سلك التعليم. وآخر حدث يستحق الاهتمام هو استئناف المسرح الوطني في الجزائر أنشطته تحت إشراف زياني شريف عياد الذي عين مطلع 2001 مديراً لهذه المؤسسة التي تعد معلماً هندسياً وشُيّد سنة 1853، لكنها أغلقت أبوابها عام 1995، السنة التي قوي فيها بطش العنف بين الجيش والجماعات المسلحة. على درج هذا المسرح اغتيل في شهر شباط فبراير من ذلك العام الممثل عز الدين مجدوب مدير المسرح. وبطلب من المسؤولين الجزائريين التحق زياني شريف عياد بالجزائر لإدارة المسرح وإعداد البرنامج المسرحي لسنة الجزائر في فرنسا. على مستوى النشر، عقدت الوكالة الوطنية للنشر لقاء في مناسبة نشر 16 مؤلفاً بمبادرة من دور نشر جزائرية أو بالتعاون مع دور نشر فرنسية. على أن ثمة مشاريع قيد الدراسة مع مؤسسة الأهرام ودار الشروق لإصدار وتوزيع مؤلفات مشتركة. ولعل الورشات الثقافية التي تنظر الجزائر، إن قررنا أن الوضع قد يعرف وتيرة في اتجاه التحسن ستكون كثيرة، وخصوصاً ترميم البنيات والمعنويات في اتجاه إشعار المبدعين والمثقفين بأنهم ليسوا لعبة في يد النظام ولا قنصاً مستساغاً للمتطرفين. إنها إذاً أحد شروط الانخراط في مسلسل إحياء أو تنظيم الفاعليات الثقافية. وما زال الجمهور الذي يتردد على قاعات السينما أو المسرح على حذر من المفاجآت السيئة. والعروض لا تقام إلا إلى غاية السابعة أو الثامنة مساء. ولا تزال عملية ترميم الذاكرة الثقافية، ونسج التطبيع بين مكونات الشرائح المتصارعة تحتاج إلى وقت وإلى إمكانات معنوية ومادية هائلة. إن تحولت فرنسا منذ 1991، على إثر إلغاء المسلسل الانتخابي واندلاع العنف المسلح، إلى مجال بديل للفعل الثقافي في الجزائر، سواء على مستوى التعبير أو الكتابة أو العمل للإشارة لا تزال الجزائر تحظى باهتمام دور النشر الفرنسية إذ صدر على سبيل المثال قبل أسبوعين، قرابة عشرين مؤلفاً عن الجزائر فإن المبدعين والمثقفين الجزائريين على وعي بأن إقامتهم ظرفية وعابرة، ولن يؤسسوا ثقافة قوية إلا بانخراطهم في الأرض الأم، مع انفتاح أسئلتهم وهواجسهم على العالم. لا يزال لفرنسا دين رمزي في حق الجزائر. وربما سعت الأم الكولونيالية سابقاً بتنظيمها سنة الجزائر إلى طي صفحة الماضي والتكفير عن ذنوبها وشنائعها الكثيرة في حق الجزائر.