سواء سميناه صراعاً أو حوار حضارات، لم تبدأ التأزمات في العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي مع تفجيرات برجي التجارة الدولية أو المدمرة كول أو السفارات الأميركية. ربما كان البدء في المد الحضاري الذي وصل بين الصين والأندلس فحقق أنجح تجربة عولمية وأصبحت اللغة العربية وعاء التعامل الأدبي والعلمي، والحضارة الإسلامية وتعاملاتها السائدة في الممارسة هي المثال الأرقى، والعدالة الاجتماعية والمساواة في المواطنة حقيقة مطبقة، والدينار الإسلامي مرتكز الثقة اقتصادياً، وشبكة البريد والاتصالات المتقدمة تختصر التواصل بين أصقاع الخلافة الشاسعة. في حينه كانت مقولة الخليفة الذي تأمل في السحابة قائلاً "امطري حيث شئت فخراجك عندي" مجرد تقرير لحقيقة واقعة. ومردود ذلك الخراج المزيد من الخدمات للداخلين في دين الله أفواجاً. لم تعد تلك الحضارة وتفاصيل تعاملاتها واقعنا اليوم. راحت الريادة الاقتصادية والعلمية وانحرفت التعاملات الاجتماعية عن مثاليتها... وأمسى الفخر بالمجد ذاكرة ببغائية بعيدة من الواقع. أما واقع اليوم فهو عولمة مواجهة مركزها الغرب وليس الشرق. هيمنة اقتصادية غربية وتبعية شرقية، حضارياً وسياسياً، نعيشها تصدعات في بناء الانتماء والوجدان الإسلامي وارتباكاً في الهوية. هذا هو واقع سجل التاريخ الذي نصر على ان نبقي صفحاته مفتوحة على الماضي مهمشين السؤال عن مسؤوليات التعامل مع الحاضر بتوجه واقعي يتطلع الى المستقبل. وسجل التاريخ يؤكد ان الحضارات لا تدوم الا في مقدار محافظتها على الريادة العلمية والتقنية والاقتصادية ووشائج المجتمع. والمتأمل في ما يحدث في الغرب يدرك انه وان كان الغرب ما زال في حال حضارة متقدمة الا انه لم يعد في حال طلوع بل ربما ابتدأ مشوار النزول. وهكذا فإن التاريخ يعيد نفسه. كشفت أحداث أيلول سبتمبر هشاشتنا وهشاشة أميركا معاً. بعد الأحداث، ما هي مسؤوليتنا تجاه أنفسنا حاضراً ومستقبلاً؟ ان مسؤوليتنا تجاه الحاضر والمستقبل تفرض ان نتجاوز البكاء على أطلال المجد الحضاري الماضي الى اعادة بناء ريادتنا علمياً وتقدمنا تقنياً كي نعبر الى موقع ريادة مستقبلية. ومسؤوليتنا تجاه أنفسنا الاّ نتقبل الهيمنة كواقع لا مفر منه، بل كمرحلة زمنية زاد طولها بسبب استسلامنا وتقبلنا لها، ولكن ايصالها الى نهاية لا تأتي بالتفجيرات والاستعداء بل ببناء الذات والتحرر من أغلال التبعية العلمية والاقتصادية. أما مسؤوليتنا عن الغير فهي جزء لا يتجزأ من قيمنا الدينية التي تجعل من الإسلام ديناً عالمياً مفتوحاً للجميع برضاهم، لا دين ارهاب وقسر، ولا دين نخبة مستثناة تكفر كل الآخرين. ولن نكون كعرب، أول من أدرك هذه الحقيقة وخرج عن وهم الغضب والانعزال، فقد سبقتنا الى ذلك شعوب شرقية أخرى عرفت في ماضيها البعيد عصور حضارات مزدهرة وخرجت من تخلف ماضيها القريب الى ريادة جديدة تضمن لها التعايش مع العالم الغربي في صورة ندية حضارية وتفاعل اقتصادي سليم. فهل نستطيع ان نغير وجهة حوارنا مع الذات لكي نستطيع ان نغير من حوارنا مع واقعنا الحضاري وواقع الآخرين فيه؟