رئاسة السعودية للقمة العربية 32.. قرارات حاسمة لحل قضايا الأمة ودعم السلام    ولي العهد يلتقي أمين الأمم المتحدة وملك الأردن ورئيس وزراء الكويت والرئيس السوري    وزير التعليم يشارك طلاب ثانوية الفيصل بالطائف يومهم الدراسي    المملكة والعراق توقعان مذكرة تفاهم في مجال منع الفساد ومكافحته    غوتيريش: هجوم رفح غير مقبول ولا مبرر للعقاب الجماعي    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    الرئيس الصيني يؤكد أن الحل في أوكرانيا سياسي    السعودية للكهرباء تعمل على تصنيع قطع الغيار بالهندسة العكسية وتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد مع نامي    «أبشر» تتيح الإبلاغ عن الاحتيال المالي على بطاقات «مدى».. وتمديد مهلة سداد المخالفات    الشيخ بن حميد في منتدى "كاسيد": الإسلام يدعو للتسامح    "سمو العقارية" و"كاتك العربية" توقعان مذكرة تفاهم بخصوص أنظمة محطات الشحن الكهربائي    " تطبيقية الرياض " تنظم المعرض السعودي للاختراع والابتكار التقني    كيف جاءت نتائج 13 مواجهة بين الاتحاد والخليج؟    "كواي" ابتكارات عالية التقنية تعيد تعريف التفاعل عبر مقاطع الفيديو القصيرة    النفط يرتفع والذهب يلمع    ديربي النصر والهلال.. فوز أصفر غائب في الدوري منذ 3 سنوات    وقاية.. تقصّي الأمراض الخطرة وإعداد خطط الطوارئ    ولي العهد يصل المنامة لرئاسة وفد المملكة في القمة العربية    السعودية: ندين محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا.. نرفض كافة أشكال العنف    أمانة الشرقية تؤكد على المنشآت الغذائية بضرورة منع تحضير الصوصات داخل المنشأة    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    اختتام الاجتماع الوزاري الثاني لمنتدى الحياد الصفري للمنتجين بمشاركة الدول الست الأعضاء بالرياض    الكشافة تُدرب منسوبيها من الجوالة على "مهارات المراسم في العلاقات العامة"    جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تحتفي بالفائزين بجائزة "تاج"    الرياض تستضيف النسخة الثالثة من القمة العالمية للذكاء الاصطناعي    نائب أمير الشرقية يستقبل وزير الاقتصاد والتخطيط    «الأرصاد»: رياح شديدة السرعة على عددٍ من محافظات منطقة مكة المكرمة    أمير المدينة يرعى تخريج البرامج الصحية ويترأس اجتماع المحافظين    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    مدرب الأهلي يخضع فيغا لاختبارات فنية تأهباً ل"أبها"    "الخطيب": السياحة عموداً رئيسيّاً في رؤية 2030    الجيش الأمريكي: تدمير 4 مسيرات في اليمن    سمو محافظ الطائف يرعى حفل افتتاح المجمع القرآني التعليمي النسائي    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    الأهلي يتحدى الهلال والاتحاد يبحث عن «النصر»    صفُّ الواهمين    «عكاظ» تنشر الترتيبات التنظيمية للهيئة السعودية للمياه    «الصحة» تدعو حجاج الداخل لاستكمال جرعات التطعيمات    حل وسط مع الوزراء !    محاولة يائسة لاغتيال الشخصية السعودية !    «هاتريك» غريزمان تقود أتلتيكو مدريد للفوز على خيتافي في الدوري الإسباني    السلطات الفرنسية تطارد «الذبابة»    استمرار الجسر الجوي الإغاثي إلى غزة    «الحر» يقتل 150 ألف شخص سنوياً    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    السفير الإيراني يزور «الرياض»    إنتاج الصقور في الحدود الشمالية    "الدرعية" تُعزز شراكاتها الاقتصادية والسياحية    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    تعزيز التعاون العدلي مع فرنسا وأستراليا    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    سقيا الحاج    عبدالملك الزهراني ينال البكالوريوس    توثيق من نوع آخر    « سعود الطبية»: زراعة PEEK لمريض عانى من كسور الجبهة    لقاح جديد ضد حمى الضنك    مختصون يدعون للحدّ من مخاطر المنصّات وتقوية الثقة في النفس.. المقارنة بمشاهيرالتواصل الاجتماعي معركة خاسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" زارت كردستان العراق... وذاكرة زعيم وشعب 2 . مسعود بارزاني : كركوك ليست للمساومة وسنردها في أول فرصة لسنا بندقية للايجار ودورنا مرهون بالاتفاق على البديل
نشر في الحياة يوم 10 - 11 - 2002

سألت السياسي الذي يعرف الرئيس العراقي منذ ثلاثة عقود عما سيكون شعور، حين يسمع نبأ سقوط صدام حسين. ابتسم وأجاب: "سأشعر بخوف عميق الى ان يثبت ان البديل قادر على قيادة البلاد نحو نظام ديموقراطي تعددي فيديرالي. في اي حال ان عملية اسقاط صدام حسين لن تكون نزهة وهي محفوفة بالمخاطر. اي فراغ في مركز القرار في بغداد قد يكون اخطر من استمرار الوضع الحاضر، وقفز عسكري الى السلطة بحجة ملء الفراغ يعني فتح فصل جديد في المأساة العراقية. وتسليم السلطة الى شخص ضعيف يستمد حمايته من الخارج سيطلق مجموعة من النزاعات الداخلية المدمرة".
واضاف: "سأقول كلاماً يصعب تقبله وهو ان بقاء صدام في وضعه الحاضر أسهل بكثير من انفجار الكيان العراقي. لا يستطيع صدام حالياً تهديد الدول المجاورة بسبب الموقف الاميركي وقرارات مجلس الامن وتراجع قوته العسكرية. ولا يستطيع ايضاً إعادة بسط سلطته على الشمال. الوجه الخطير الوحيد هو قدرته على الاستمرار في قمع العراقيين في المناطق الخاضعة لسلطته. التغيير مطلوب وضروري لكنه غير مضمون. اذا حصل شغور في السلطة يمكنك الحديث عن ثلاث قوى: القوات المسلحة والميليشيات الكردية في الشمال والميليشات الشيعية في الجنوب. وماذا لو انقسمت القوات المسلحة لان جزءاً منها يرفض الاخلال بالصيفة التقليدية للحكم في العراق؟ هل لك ان تتخيل معنى اندلاع حرب اهلية في بلد تراكمت فيه الثارات على مدار ثلاثة عقود؟ وماذا لو ترافقت هذه الحرب مع تدخلات من الدول المجاورة؟
وعن المبالغة في التخوف، قال: "للمرة الاولى منذ عقود يصبح الحديث المذهبي في العراق شبه علني. هناك احتقان كبير وخطير داخل المجتمع. للمرة الاولى نسمع كلاماً مذهبياً عن الحصص والمواقع. يجب عدم توظيف هذا الواقع لتبرير بقاء النظام الحالي، ولكن يجب التنبه الى المخاطر الكامنة. ما جرى في انتفاضة 1991 في الجنوب يثير القلق والمخاوف خصوصاً ان الأجواء الداخلية اليوم اسوأ مما كانت عليه قبل عقد".
هل يمكن ان يوافق صدام على صيغة توفر له مكاناً بعيداً آمنا وبلا محاكمة في مقابل تخليه عن السلطة؟ يبتسم السياسي ويقول: "استغرب هذا النوع من السيناريوات لان من يطلقها او يصدقها لا يعرف مطلقاً قصة صدام حسين وكيف يفكر وكيف ينظر الى نفسه ودوره. يعتبر صدام ان القدر انتدبه لمهمة غير عادية وهي قيادة العراق والأمة. ليس من النوع الذي يفكر في الاستقالة او الابتعاد. ثم انه لا يمكن ان يثق بأي دولة لتوفير ملجأ له خصوصاً في الوضع الدولي الحالي. ثم ان صدام، في احلك الظروف، يعتبر انه قادر على تخطي المأزق والنجاة من المكمن. وهو ليس وحيداً فهناك فريق واسع ارتبط به وتورط معه، وهذا الفريق سيقاتل دفاعاً عنه لانه يدرك ما سيلحق به في غياب صدام".
وزاد قائلاً: "ربما كانت في المعارضة في الخارج وجوه جيدة لكنها تفتقر الى الجذور في الداخل العراقي ومن الصعب ان يسلم العراقيون بقيادة ستولد من حرب اميركية مدمرة".
استوقفني كلام السياسي ووجدتني احمل هذه التساؤلات الى جلسة الحوار الثانية مع مسعود بارزاني رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي بدا هو الآخر متخوفاً مما قد تحمله الشهور المقبلة في حال قرر الاميركيون ان يترجموا ميدانياً قرارهم باقتلاع النظام العراقي الحالي. وهنا نص الحلقة الثانية:
الاحداث تتسارع، هل لديك شعور بأننا نتجه نحو عراق جديد؟
- كل المؤشرات توحي بذلك.
عراق ديموقراطي ام ضابط كبير يقود انقلاباً فتبدأ دورة جديدة من التجارب؟
- نحن نتمنى، اذا حصل تغيير، ان يكون النظام الجديد ديموقراطياً. سيكون الانقلاب العسكري كارثة.
ماذا تفعلون لو لم يكن البديل ديموقراطياً؟
- سيكون الأمر كارثة للعراقيين من عرب واكراد. لا اريد اخفاء خشيتي من اندلاع حرب اذا حصل ما تشير اليه.
حرب داخل العراق؟
- طبعاً. بعد كل هذه التضحيات لا يمكن القبول بنظام عسكري ديكتاتوري.
هل هناك خطر اندلاع نزاع مذهبي اذا تآكلت السلطة ولم تقم سلطة بديلة؟
- للاسف هذا الخطر وارد. وحصل في انتفاضة آذار مارس 1991 وقعت احداث سيئة جداً نتمنى الا تتكرر. ونرجح الا يحصل ذلك لكن هذا الاحتمال يبقى وارداً. علينا بذل كل جهد ممكن لحصر أي احداث من هذا النوع ومنع أي مشاكل فردية من التحول نهجاً والتسبب في اضرام حريق كبير.
هل اتفقت مع الاستاذ جلال طالباني على ضبط الوضع في المنطقة الكردية؟
- عقد البرلمان بكامل اعضائه يرمي الى ترتيب البيت الكردي والاستعداد لمواجهة أي طارئ في المستقبل.
هل تعتقد بأن شمال العراق سيكون ممراً للحملة العسكرية الاميركية؟
- لا اعتقد، واتمنى الا يكون كذلك. واقع المنطقة لا يساعد. الوعورة وغياب القواعد الجوية او الموانئ البحرية. المنطقة غير صالحة حتى لاستخدام الآليات العسكرية.
هل بحث الاميركيون معكم في سبل مساهمة المعارضة العراقية في اسقاط نظام الرئيس صدام حسين؟
- لم يدخلوا، حتى الان، في هذه التفاصيل على الاقل معناً.
اذا اقتضى اسقاط النظام مشاركة القوات الكردية فهل انتم على استعداد؟
- الحقيقة انه قبل طرح سؤال من هذا النوع نريد طرح السؤال عن البديل. نحن لسنا بندقية للايجار. في غياب الاتفاق على البديل لا يمكن ان نساهم او ان نلعب دوراً.
هل يمكننا القول بوضوح ان الاتفاق على البديل شرط للمشاركة في اي عملية عسكرية لاسقاط النظام الحالي؟
- طبعاً. المطلوب الاتفاق على البديل في العراق كله وعلى حقوق الشعب الكردي أيضاً.
مع من تريدون الاتفاق؟
- أولاً مع المعارضة العراقية ثم مع اميركا واوروبا والجهات التي تطالب باسقاط النظام.
اذا اقتضت المعركة وجوداً اميركياً طويلاً في العراق هل ترى الامر خطراً؟
- كل وجود عسكري اجنبي في بلد مستقل يعتبر أمراً غير مرغوب فيه وغير مستساغ.
العراق والمنطقة
هل يراودك شعور بأن اطاحة نظام الرئيس صدام حسين ستكون، في حال حصولها، مقدمة لتغييرات اوسع في المنطقة؟
- انا اعتقد بأن حدوث تغيير في العراق سيؤدي في النهاية الى تغييرات اخرى في المنطقة.
في اي اتجاه؟
- اعتقد باتجاه تعزيز الديموقراطية. على الاقل هذا ما نتمناه.
هل لمستم هذا الشيء خلال اللقاء مع الاميركيين الذي تقولون انه عقد في المانيا؟
- لم يتطرق الاميركيون الى موضوع تغيير انظمة في المنطقة. ركزوا على ان لا هوادة في "الحرب على الارهاب" سواء كان الضالع في الارهاب فرداً ام منظمة ام دولة. اما إذا كانت لديهم نيات اخرى فهذا سيتضح لاحقاً.
هل دخلتم مرحلة الاعداد لمواجهة استحقاق الحرب، تموين، اجراءات أمنية او غير ذلك؟
- حتى الآن لم ندخل هذه المرحلة. الاستعدادات التموينية يجب ان تقوم بها أصلا الامم المتحدة لأنها المسؤولة عن تأمين المواد الغذائية لسكان المنطقة.
إذا أدت الضربة العسكرية الاميركية الى فوضى في بغداد أين سترابط القوات الكردية؟ وهل يمكن ان تغتنم هذه القوات الفرصة لاستعادة كركوك بهدف إعادة رسم المنطقة الكردية في حدودها التاريخية التي تتحدثون عنها؟
- أي تدخل للقوات الكردية لن يكون هدفه تغيير الواقع القائم. طبعاً هناك مسائل يعرفها الجميع. جرت محاولات تعريب قسرية واسعة النطاق منذ عقود. بالتأكيد ان آثار هذه المحاولات يجب ان تزال وان تعود الاوضاع الى طبيعتها، اي الى ما قبل الاجراءات التعسفية. اي تدخل للقوات الكردية، في حال حصوله، لن يكون بغرض الانتقام وانما بهدف حفظ النظام والتقليل من معاناة الشعب العراقي. لن نسمح أبداً بعمليات انتقام أو بأي اجراءات تعسفية ثأرية، ولكن بالتأكيد سنحاول اعادة الاوضاع الى طبيعتها.
هل بحثت في هذه المسألة مع جلال طالباني؟
- نعم تم التطرق مرات عدة الى هذه النقاط. وهناك تفاهم على ان يمارس الاكراد دورهم بمسؤولية تخفف المعاناة عن الاكراد والعرب معاً.
هل تؤيد حلاً يقوم على اقناع صدام حسين بالتخلي عن السلطة، على رغم كونه مستبعداً، ام انك تصر على محاكمته؟
- لنتحدث بصراحة: الى ما قبل 1991 بذلنا كل ما لدينا من جهود للقضاء على هذا النظام، لاسقاطه وتقديم رموزه الى المحاكمة اذا امكن. ولكن اجرينا لاحقاً جولات من المفاوضات فرضتها المصلحة العليا. لا أريد تناول هذا الموضوع من الزاوية الشخصية. ما أريد قوله هو ان وجود شخص يجب ألا يكون مبرراً لتدمير بلد بكامله. اقول صادقاً: لو كنت مكان صدام وشعرت بأن خروجي من العراق يجنبه الكارثة لفعلت بلا تردد. النزاعات في العراق طويلة ومريرة ولو ركزنا على مسألة المحاكمات لدخلنا في سلسلة لا تنتهي، ففصول المأساة كثيرة والاسماء المشاركة فيها كثيرة.
هل هناك تفكير في توفير ضمانات للعسكريين لتسهيل تخليهم عن صدام؟
- اذا أردنا قيام وضع طبيعي ومستقر يجب عدم فتح دفاتر الحسابات القديمة لا مع العسكريين ولا مع الحزبيين. هناك اولويات يجب ان تحترم وأولها اخراج البلد من المأساة التي يعيشها. يجب فتح صفحة جديدة تماماً وان يوفر الوضع الجديد ضمانات لعدم الوقوع مجدداً في مسلسلات القمع والبطش والاعتداء على الحقوق والحريات للمجموعات والافراد.
هل تعتقد بأن تضعضع السلطة المركزية سيمكن بعض الدول الاقليمية من امتلاك اوراق داخل العراق... واشير تحديداً الى ايران؟
- اذا حدث ما تشير اليه سيكون الامر كارثة. ان اي تدخل اقليمي سيستخدم ذريعة لتدخلات اخرى. اننا ضد ان تتحارب القوى الاقليمية على ارض العراق مباشرة او بالواسطة. ليس من حق العراق تهديد جيرانه ويجب ألا يكون من حقهم تهديده. ان لعبة التدخلات خطيرة في هذه المنطقة الحساسة من العالم. اذا لجأ الخارج الى تحريك اوراق داخلية لاعتبارات فئوية او مذهبية، فإن النتيجة ستكون اندلاع حرب اهلية. واقصد كل الدول الاقليمية وان كنت أرى ان سؤالك يشير الى ايران وتركيا اللتين تمتلكان الوسائل والمجال. لقد عانى العراقيون كثيراً وطويلاً. دفعوا ثمناً باهظاً في العقود الماضية وحان الوقت ليعيش العراقيون، عرباً واكراداً، في ظل نظام ديموقراطي تعددي وفيديرالي وان ينصرفوا ليس فقط الى بناء ما تهدم بل ايضاً الى بناء المستقبل في ظل السلام في الداخل وعلى الحدود ايضاً.
قلت انك لو كنت مكان صدام لغادرت؟
- نعم اذا كان ذلك يجنب العراق كارثة.
هل التخلي عن السلطة سهل؟
- هذا يختلف من انسان الى آخر. خطير ان تصبح السلطة غاية في حد ذاتها. وخطير أن يعتقد المرء بأن بقاءه في السلطة يستحق التضحية بكل شيء.
ألا تحب السلطة؟
- وهل تصدق ان اجبتك انني لم أبحث عنها؟ يضحك. السلطة بحثت عني. واقول صادقاً انني اتمنى ان تأتي اللحظة التي اتخلى فيها عن السلطة. طبعاً هنا يجب ان نفرق بين المشاركة في مواجهة الظلم او قيادة هذه المواجهة، وبين الاقامة في السلطة بغرض التمتع بمكاسبها وتسهيلاتها وتوظيف أدوات القهر لادامة السلطة والمكاسب.
لماذا تحلم بمغادرة اي موقع يتضمن سلطة؟
- شاءت الظروف ان اندفع في الدفاع عن حقوق شعبنا منذ السادسة عشرة. ومذذاك وعلى مدى أربعين سنة اعطيت كل ما عندي. لا حياة الاكراد كانت سهلة ولا حياتي كانت سهلة. هل يجب ان يقيم المرء في موقعه الى ان يموت او يطرد منه؟ او ليس من الاجدى ان يقدم المرء ما عنده ثم يفسح المجال لجيل آخر وفرصة اخرى؟ اعرف ان قرار صاحب السلطة بالتقاعد ليس سهلا وبعضهم يمسك بالسلطة بأسنانه. شخصياً لا أرى غضاضة في ان يتقاعد السياسي او صاحب الموقع والقرار ليتفرغ لحياته الشخصية وربما للنظر الى التجربة من موقع آخر وتقويمها واستخلاص الدروس. القيادة في ظروف الحرب والمأساة تحرم المسؤول من حقوقه البديهية في العيش العادي. جربت هذا الشعور خلال وجودي في المنفى. ولاحظت انشغال والدي ثم كان عليّ أن أسير على خطاه.
لكننا من منطق القاعدة الذهبية فيها ان صاحب القرار لا يتخلى عن القصر إلا لحظة الذهاب الى القبر؟
- حتى ولو هددوا بإعدامي لن اتحمل اي مسؤولية في السلطة. غدا اذا حصل تغيير وفوتحت بالامر لن اقبل بأي منصب رسمي من موظف صغير الى رئيس للجمهورية. وحتى في الاقليم الكردي ليست لدي اي صفة رسمية. رفضت دخول البرلمان او مجلس الوزراء او غيره. انا اكرة السلطة. والسلطة التي تحدثت عنها سابقاً هي موقع المسؤولية السياسية والشعبية.
السلطة والثمن
من أين جاء هذا الكره للسلطة؟
- انا ولدت في خضم المأساة الكردية، فتحت عيني على فصولها وسمعت الاحاديث والروايات وشاهدت بأم العين ما يعيشه شعبنا. ظروف الشعب بأسره وظروفي العائلية والنشأة وسط الناس كلها عوامل اشعرتني بوجوب عمل شيء لرفع الظلم والقهر. باكرا اخترت طريق النضال. وكان هدفي ان يتحرر الشعب لا ان اتسلم السلطة. الآن اقول ان الهدف الذي عملنا من اجله تحقق الى حد ما مسألة السلطة معقدة وخطيرة. حين يراك الناس تبذل في الايام الصعبة والقاسية يلتفون حولك كمناضل من اجل الحرية. بعد الوصول الى السلطة تصبح العلاقة مختلفة. لدى الناس حاجات كثيرة ومطالب كثيرة وهي محقة. فهم ناضلوا ليس فقط من اجل التحرر بل ايضاً من اجل تأمين حياه افضل: مدارس وخدمات وطرق وفرص عمل وتقدم. وهذا طبيعي لكن صاحب السلطة يكتشف ان القدرات محدودة وانه لا يستطيع تلبية كل مطالب الناس مهما كانت محقة. لهذا يضطر الحاكم الى ارجاء تلبية بعض المطالب او كثير منها. هنا ينفد صبر الناس فيشعرون بالعتب او الخيبة. تراكم المشاكل يهدد علاقة الثقة والمحبة التي كانت قائمة ايام النضال. انا لا أتهرب من المسؤولية لكنني احب ان تبقى علاقتي بالناس علاقة محبة وثقة وأمل. اعرف ان هذا الجواب غريب. انا معتاد على قول ما افكر فيه. لم اسقط في حب السلطة.
هل افهم انك تفضل موقع القائد او الزعيم على الالقاب الرسمية التي تستنزف وهج حامليها وبينها الرئيس؟
- افضل صفة المواطن لا القائد ولا الزعيم. يضحك. أعز صفة بالنسبة اليّ هي بيشماركه. بدأت حياتي بهذه الصفة، واريد ان انتهي بها. البيشماركه هو الفدائي. ولهذه الصفة رمزية عالية، فهي تشير الى شخص حمل السلاح واشترك في الثورة وضحى من اجل الحلم.
الوضع العراقي حساس، هل اتخذت اجراءات امن استثنائية لضمان سلامتك؟ وهل لديك مخاوف امنية؟
- المخاوف الامنية كانت موجودة دائماً. انا لست كثير الاهتمام بهذه المخاوف. اذا بالغ الشخص في التركيز على هذه المسائل تحول اسيراً لها وتعطلت حركته. في الدرجة الاولى انا مؤمن واعتقد بأن الأعمار بيد الله. وفي الدرجة الثانية هناك احتياطات كافية لا مبرر للمبالغة فيها. انا من الذين يعتقدون بأن المبالغة في الاجراءات الامنية تعطي نتائج عكسية. هناك حلقات معينة اعتقد بأن ضبطها يوفر اجراءات كافية. لست من مؤيدي المظاهر العلنية المفرطة. يضاف الى ذلك انني اثق بالناس الذين يتعاملون معي.
ماذا تفعل لو تقاعدت؟
- اتفرغ للحياة الشخصية ذلك انني لم اتعلم مهنة اخرى. احاول ان انسجم مع الحياة الجديدة. اهتم بأبنائي واحفادي.
لنفترض ان صدام حسين بقي في السلطة بعد الأزمة الحالية؟
- هذا سؤال وجيه تماماً كل ما نتمناه اذا حدث ذلك، هو الا يستؤنف القتال. من جهتنا سنسعى جهدنا لئلا تكون هناك عودة الى القتال مع السلطة المركزية. في النهاية يعتمد الامر على الطرفين اذا لجأت الحكومة المركزية الى القتال لن يكون أمامنا سوى الدفاع عن انفسنا.
لماذا لم يستطع الاكراد التفاهم مع اي عهد في بغداد بعد ثورة 1958، على انني سمعتك تشيد بعبدالكريم قاسم. يظهر انهم قاتلوا كل العهود وقاتلتهم كل العهود.
- هذا صحيح. عندما تأسست الدولة العراقية تأسست على ان العراق يضم قوميتين وان العرب والاكراد شركاء في هذا الوطن. لم تلتزم الحكومات هذا الاساس. راح الاكراد يطالبون بحقوقهم وترد الحكومة بالقتال. وكانت النتيجة ان الحكومات لم تستقر ونحن لم نحصل على حقوقنا ودفع البلد الثمن الى ان وصل الى ما وصل اليه. لو حلت القضية الكردية باكراً لما حدثت حرب مع ايران ولما وقعت حرب الخليج الثانية. الجزء الاكبر من المسؤولية يقع على عاتق السلطة المركزية، ولا انفي هنا اننا ككرد نتحمل جزءاً من المسؤولية.
عقدة كركوك
هل ستبقى كركوك عقدة في ضمير الاكراد؟
- لا يمكن احداً ان يساوم على الهوية الكردستانية لكركوك. لكن شأنها كشأن اي مدينة اخرى فهي مدينة عراقية ويمكن ان تصبح رمزاً للتآخي القومي في العراق. ان نقر بأن كركوك ليست مدينة كردستانية مستحيل تماماً. مستحيل ان نقبل ومستحيل حتى ان نناقش هذا الموضوع مع احد.
هل قلتم ذلك للمعارضة العراقية؟
- تحدثنا مع الجميع.
وماذا قالوا؟
- هذه قصة مبدئية. من يقبلها اهلاً وسهلاً من لا يقبل عليه ألا يتوقع ان نغير رأينا، سنسترد كركوك في أي لحظة نستطيع استردادها. ان لم نستطع سنعتبرها مغتصبة وسنطالب بها الى الأبد. اذا استردت فهذا لا يعني عزلها او فصلها عن العراق. تبقى مدينة عراقية كالموصل واربيل وبغداد والبصرة لكنها رمز لمعاناة الشعب الكردي وما تعرض له من اضطهاد في حملات التعريب وتغيير الهوية. اذا استطعنا الدفاع عن حقوقنا في كركوك هذا جيد. ان لم نستطع لن نعترف بأنها ليست مدينة كردية.
هل تعتقد بأن تفهم العرب للقضية الكردية افضل اليوم من السابق؟
- مع الاسف الشديد كنت اتوقع من العالم العربي ان يفهم القضية الكردية اكثر. هناك جماعات واحزاب وشخصيات كانت متعاطفة مع حقوق الاكراد، لكن هناك اوساطاً واسعة وبينها اوساط حاكمة لديها جهل بحقيقة القضية الكردية ولا تريد ان تعرف او تفهم. حاولنا مراراً شرح قضيتنا وسنحاول مجدداً. انا مؤمن بأن مستقبل الامة الكردية هو مع الامة العربية. كما انني مؤمن بأن مستقبل كردستان هو في العراق.
غداً حلقة ثالثة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.