المساحة الجيولوجية : الهزة الأرضية المسجلة اليوم بالمنطقة الشرقية لم تحدث خسائر    أمانة الشرقية ومركز البركة يوزعان 300 حقيبة شتوية على عمال النظافة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    نوح ومحمد أكثر الأسماء شعبية في كندا لعام 2024    صعود العقود الآجلة لخام النفط الأمريكي    تدشين مبادرة تشجير مدارس منطقة المدينة المنورة    برنامج «قياديَّة» يُخرِّج الدفعة الثانية بجامعة نورة    مظلات المسجد النبوي.. تُحف وإبداع معماري    معرض للتوعية بالسلامة البحرية    أمانة المدينة ترفع كفاءة «تصريف السيول»    «هلال الباحة» يُفعّل خطة الشتاء    فيصل بن مشعل يطلع على برامج الكلية التطبيقية بجامعة القصيم    شوطا «المنغولية» في أكبر تجمع للصقور بالعالم    مسجد عمر بن الخطاب.. معلم إسلامي تاريخي يروي بدايات العمارة الدينية    «إغاثي سلمان».. ورش عمل ومساعدات تعليمية وتقنية    «هيئة الحرمين» توفّر سوارًا تعريفيًا للأطفال    أمير نجران يُدشِّن مبادرة النقل الإسعافي للمرضى المحتاجين    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالصحافة يفتتح أحدث مركز للطب النووي والتصوير الجزيئي    تعليق الدراسة.. قرار تنظيمي تحكمه إجراءات ومعايير واضحة    توحيد الهوية تحت علامة واحدة تعكس الجودة والموثوقية.. وزير الصناعة: «صنع في السعودية» يرفع تنافسية المنتجات الوطنية عالمياً    السعودية تعزز التعاون الدولي في التحول الرقمي    رصد مخالفات بيع على الخارطة.. هيئة العقار: مباشرة الإجراءات النظامية بحق 25 مطوراً عقارياً    القيادة تعزي ملك المغرب في ضحايا الأمطار والفيضانات    الحياة الفطرية يطور الحوكمة ب« الثقوب الزرقاء»    إطلاق برنامج «خبراء التطوير المهني» التعليمي    بسبب قمع المعارضين.. كندا تفرض عقوبات على مسؤولين إيرانيين    ترفض أي وجود لقوات غربية.. روسيا تسعى لإنهاء الحرب في أوكرانيا    «أمهات المختطفين»: عذبوا المحتجزين.. مطالبة باستبعاد مسؤولين حوثيين من مفاوضات مسقط    فوز المملكة برئاسة اتحاد إذاعات الدول العربية    الإعلام تنظم جلسة «حديث إمباك» بصنع في السعودية    الرياض وجمال المطر    أمينة العنزي: أول رائدة في مجال الصقارة بالحدود الشمالية    أبها يحافظ على الصدارة.. وسباق الهدافين يشتعل بين سيلا سو و نوانكو    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيسة تنزانيا    الأخضر بطلاً لكأس الخليج تحت 23 عاماً    في دور ال 32 لكأس ملك إسبانيا.. قطبا العاصمة أمام تالافيرا وبالياريس    الصحة العالمية: ظهور سلالة فيروسية جديدة للإنفلونزا    5 أشياء في منزلك تزيد من خطر السرطان    غونزاليس مع القادسية.. أحلام حطمها قطبا جدة    28.88 مليار ريال رواتب موظفي القطاع غير الربحي    ساركوزي قد يمثل أمام القضاء مجدداً بشبهة التلاعب بالشهود    ترامب وقع أوامر تنفيذية في أقل من عام أكثر ممّا وقعه في ولايته الأولى    مليار دولار مشتريات الساعات الفاخرة    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة    في الشباك    اكتشافات أثرية    انطلاق التصفيات النهائية لمسابقة جائزة الجميح لحفظ القرآن الكريم في دورتها السابعة عشر    مشكاة يشارك في جناح الطفل بمعرض جدة للكتاب 2025    زيلينسكي: مقترحات إنهاء الحرب في أوكرانيا قد تُعرض على روسيا خلال أيام    الأمان المجتمعي يبدأ من الحوار    أمير جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    أمير حائل يستقبل رئيس كتابة العدل بالمنطقة    نائب أمير المنطقة الشرقية يطلع على برامج وجهود جمعية هداية للدعوة والإرشاد    أمير جازان يستقبل مدير عام حرس الحدود    القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا فيضانات مدينة آسفي    38 مليون عملية إلكترونية عبر «أبشر» خلال شهر    إغلاق موقع مخبوزات مخالف في جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جيلالي خلاص في كتاب جديد . رواية المتاهة الجزائرية الملطخة بالدم والشبهات
نشر في الحياة يوم 24 - 08 - 2001

"في ساحة المعسكر يصطف الرجال يميناً والصبايا يساراً. وفي وسط الساحة كان جسد حكيمة الهش قد ربط وقوفاً الى جذع البطمة الضخمة. الحبل النيلوني الازرق يسحق نهدي حكيمة، ويلصق عنقها بجذعها، وذراعيها بالشجرة، والزعيم يتقدم، وفجأة يمزق بحربة رشاشة فستانها، من موقع السرة حتى اخمص القدمين، وتلجم ضربة اخمص على الرأس هلع من تتفرج، حتى يشد جنديان - بأمر الزعيم - قدمي حكيمة حد الصرخة، على يمين الجذع ويساره، ليوثقا رباط القدمين. ... وانسفح الدم من سرة حكيمة على فخذيها وركبتيها وساقيها حتى تحجر عند قدميها، كعويلها...".
لن يصدق المرء - على رغم كل ما قرأ عن الجحيم الجزائري - هذا الكاتب جيلالي خلاص، ولن يصدق هذه الرواية "الحب في المناطق المحرمة" الصادر عن دار الجديد، الجزائر 2000. لكن الكتابة التخييلية لن تأبه بتصديق امرئ او تكذيبه، بل ستمعن في ترويع القراءة بالمشهد الذي تفتتح به رواية خلاص هذه. ولعل ذلك - لنعجل الى القول - هو ما يجعل كل ما سيلي في الرواية، يقصر عن فعل حركة واحدة من حركات المشهد الافتتاحي، فكيف به كله!
أثناء هربها من معسكر لاحدى الجماعات المسلحة، تستعيد سلوى ذلك المشهد، ثم توالي جريها نحو مقام الشيخ عبدالباقي مولى الكرامات تاركة للراوي ان يبدأ الرواية بداية اخرى، فيعلق على البداية الاولى - ذلك المشهد: "هذه كاتبة جيدة. لقد استطاعت ان تكتب هنا فصلاً من رواية لا بأس بها". وسنعلم من حواره مع حبيبته وسيلة - التي كان اسمها فتيحة قبل هجرتها - ان سلوى الهاربة التي روت كتبت المشهد - الفصل الاول من الرواية، هي طالبة في السنة الثانية من دراستها الجامعية، خطفها وليد - وجماعته - التائب الذي سلم وسيلة مذكرات سلوى، وبعض مذكراته.
قبل المتابعة علينا ان نشير الى ان "الحب في المناطق المحرمة" هي الجزء الثاني من رواية - ثنائية جيلالي خلاص "المطر والجراد". وقد صدر جزؤها الاول "عواصف جزيرة الطيور" عام 1998، واشتبك في جزءيها السيري بالروائي، ونتأت في الجزء الاول بخاصة المتناصات التاريخية، كما ستنتأ في الجزء الثاني وفرة الحكايات وتقطيعها وتشبيكها، من حكاية سلوى ووليد، الى حكاية الراوي الكاتب جيلالي خلاص نفسه والراوية وسيلة فتيحة في الجزء الاول الى حكاية الشيخ عبدالباقي وحكاية الصحافي سالم خلف الله والكاتب جمال... وكل ذلك يأتي في وقت قصير يقضيه الكاتب ووسيلة غالباً في البيت، بين الحوار والقراءة وشرب القهوة وتحضير الأكل... فأحدهما يسرد او يقرأ طوال هذا اللقاء - الرواية - الذي جمعهما بعدما فرقتهما سنوات غياب الشمس واسترجاعها، كما يجري الترميز الى سنوات الجحيم الجزائري.
ابتدأ الفراق باعتقال الأع - أي الاجهزة الامنية - للكاتب عام 1988، وهو ما سبق للجزء الاول من الرواية ان قدمه. وقد سافرت فتيحة التي ستصير وسيلة قبل زلزال 1992، وعادت عام 1999 لتلتقي الكاتب الذي هجر اسرته، وأثقل علينا بسيرته طوال اثنتي عشرة صفحة منقولة حرفياً من روايته الاولى "رائحة الكلب - 1985"، وهو ما يعادل عشر روايته "الحب في المناطق المحرمة" ليؤكد هنا، كما في الجزء الاول، وفي روايات جيلالي خلاص عموماً، وطأة المبالغة في لعبة التناص، وبخاصة في ما بين روايات الكاتب نفسه.
بين المقهى والبيت يروي الكاتب لحبيبته ما عاشه في سنوات الفراق. فبعد الانتخابات التي فازت بها الجبهة الاسلامية للانقاذ، امر بطرده من عمله كمدير لمركز ثقافي، الشيخ كزي، احد مؤسسي الجبهة، ورئيس المجلس الشعبي للعاصمة، منع انشطة الرسم والتصوير والرقص، وجاء بمدير سرعان ما باعه سيارة المركز، فأضرب العمال، فأوقف اجورهم حتى تدبر الكاتب الامر، وبدأت مضايقاته، ووقعت محاولة اغتياله. وفي استذكاره لسنوات اعتقاله يتلو عليها ما كان يتوهمه من رسائل اليها: "ها هو ما كتبته في روايتي عواصف جزيرة الطيور"، وبهذا تنتقل حرفياً صفحات من الجزء الاول الى الجزء الثاني، فهل هي النرجسية، ام السذاجة، ام المبالغة، ام ماذا؟
في نهاية الرواية يسأل الكاتب حبيبته ان تحكي حكاية سنوات هجرتها، واذ تجيب: "تلك القصة تستأهل رواية اخرى"، يقول: "تعبت حتى جمعت لك كل هذا، وتريدين ان اكتب رواية اخرى؟" فتقول: "ربما كانت حياتي لا تستأهل رواية. الرواية الحقيقية نعيشها اليوم بعد لقائنا". وهكذا تبقى حكاية وسيلة في الخارج وحدها مجهولة، فيما يتابع الكاتب حكاية سلوى، فإذا بنا مع حكاية مولى الكرامات: سي عبدالباقي الذي لجأت اليه الهاربة رافقها حتى القرية وأعمى مطارديها. قتلت احدى الجماعات المسلحة والد سلوى، وسبتها، ثم قتلت الشيخ، فتسلح الشباب للدفاع عن قريتهم، وأسطرت القرية الشيخ، فرأسه المجزوزة تمشي، وقد وقفت بين السماء والارض، ولم تنزل الا مع الصبح...". ويعقب الكاتب بلغة الصحافة السياسية الفاقعة ان صدمة الناس بمقتل الشيخ اكدت لهم دموية الجماعات المسلحة "وبرهنت ان خلافها مع السلطة في قضية استرجاع الشمس لم يكن الا خدعة استعملتها تلك الجماعات لنهب خير السكان العزل وتقتيل كل من يقف في وجهها".
ثالثة، لا تكتمل قصة سلوى الا بقصة وليد، كما تقدمها مذكراته بضمير المتكلم. فهذا الشاب الذي احب سلوى، وحرمه منها ذووها كما حرموها من متابعة دراستها الجامعية بسببه، يستجيب لدعوة السفر الى افغانستان، حيث يقوم على تدريب المسلحين الاميركي الأشقر شارلي الذي تسمى بعلي: "كانت اشعة الشمس الغائبة هي السبب الذي ارتكز عليه افراد جماعة افغانستان لتحريض بعضهم على الالتحاق بالأفواج العالمية ؟ المسافرة لمحاربة الزحف الاحمر كما قيل لهم، وللاتيان بالشمس". وبالنسبة الى وليد كانت خطبة الشيخ الاكبر - كما تكني الرواية رئيس الجمهورية السابق الشاذلي بن جديد، الدافع الاساس الى السفر الذي ستنضج ادلوجته: "بكسر شوكة الشيوعية في افغانستان تنكسر هنا، وجماعة افغانستان سترد الشمس الى كل البلدان.
اضافة الى هذه القصص الاساسية يتناثر سواها، فالكاتب يحدث وسيلة عن المؤرخ عبدالقادر الذي اغتيل، ويشير الى ما جاء من ذلك في الجزء الاول من الرواية، مكرراً ما سبقت الاشارة اليه بصدد رسائله المتوهمة الى حبيبته اثناء سجنه. والكاتب يقرأ وسيلة قصة كتبها قبل عام ولم ينشرها، عن اغتيال صديقهما الكاتب جمال، والتي تتوافر على التوتر والاثارة البوليسية، بدءاً من قطعة الكفن البيضاء واستمارة الوفاة الشاغرة اللتين يُرمى بهما جمال حتى تنفيذ هذا الانذار بالاغتيال. والكاتب اخيراً يحكي حكاية الصديق الصحافي الذي اختطفته على حاجز مزيف احدى الجماعات المسلحة، وهرب من خاطفيه لاجئاً الى الدرك.
تلك السلسلة من القصص الاساسية والثانوية، تتدافع الى التجربة الجزائرية الدامية المتطاولة، وبخاصة منها ما يتصل بالمثقفين. بيد ان كتابة تلك السلسلة تظل ادنى مما افتتحت به الرواية من مشهد قتل الزعيم لحكيمة. ولعل سر ذلك هو في فرط ما تأسلبت به سلسلة القصص من تلخيص او توسل المذكرات او المبالغة في التناص او اصطناع المحاورة بين الراويين: الكاتب ووسيلة، واشتباه المحاورة احياناً بالثرثرة او التزجية، فضلاً عن نتوء الموقف وخطابيته. واذا كان الجزء الاول من الرواية نجا من بعض ذلك او كله، فناء هو الآخر تحت وطأة التاريخي والوثائقي. والرواية تنادي بجزءيها اللعبة السيرية الجريئة والنادرة، والتي تزج بالكاتب بين الشخصيات الروائية - لنتذكر روايات غالب هلسا - وفي ذلك كله يتأكد النزوع التجريبي لكتابة جيلالي خلاص منذ روايته الاولى "رائحة الكلب" حتى "المطر والجراد"، وهو النزوع الذي يرصف كتابة جيلالي خلاص الروائية في صميم الحداثي من المشهد الروائي العربي، وبخاصة الجزائري منه، حيث تشخب الرواية دماً كما يشخب الكاتب والمواطن والوطن الى... الى متى؟
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.