حجم القارب المتواضع لشرطة نيويورك الذي نقل أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ووفده إلى موقع مركز التجارة العالمية المسمى "نقطة الصفر" كاد لا يتسع سوى ل12 شخصاً. فهذه لم تكن رحلة راحة، بل رحلة مشقة إلى موقع الكارثة، حيث انهار برجا المركز على آلاف الأبرياء، وكانت رحلة مؤلمة. الإدارة الأميركية تمنّت على الحكومة القطرية ألا يحدث تأجيل لزيارة الشيخ حمد واشنطن في هذا المنعطف المهم من صنع التحالف الدولي. وأمير قطر تمنى التوقف في مدينة الكارثة لمؤازرة سكانها، والتبرع بمليوني دولار لإغاثة المدينة وماليون آخر لمستشفى كورنيل، ولتأكيد إدانة العرب والمسلمين الارهاب الذي ضرب نيويورك. ولإبراز العنصر الإنساني اصطحب الشيخ حمد ابنه خليفة 9 سنوات، واقتصر وفده على خمسة أشخاص هم وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، ومدير الديوان الأميري الشيخ عبدالله بن محمد بن سعود آل ثاني، ووكيل مدير التشريفات الشيخ عبدالرحمن بن سعود آل ثاني، ومندوب قطر لدى الأممالمتحدة السفير ناصر عبدالعزيز النصر. بدا أمير قطر، وابنه إلى جانبه، في طريقه إلى الموقع مرتبكاً، كأنه ما زال لا يصدق ما حصل وهو الذي جلس أمام شاشة التلفزيون لمشاهدته ست ساعات من دون انقطاع. تساءل مرات كيف حصل ذلك؟ وكرر مرات "سيبقى الحدث غير قابل للتصديق". لدى وصول الوفد إلى الموقع ذُهل رجال الإغاثة والشرطة لمشهد رجال في ثياب بيض، يعتمر كل منهم عقالاً وتوقف بعضهم عن العمل ليتساءل من هم الزوار، ولما قيل إنهم عرب ومسلمون، تداخل نوع من الارتباك والارتياح في ملامح بعضهم. فهم يمضون أياماً طويلة منذ ثلاثة أسابيع بين الركام، منهم من يبحث عن أشلاء جثث، ومنهم من يرفع الأنقاض، آملاً بالعثور على جثة... متكاملة. الرجل المكلف عمليات "غراوند زيرو" جان اوديرمت الذي رافق أمير قطر أبلغه أن بين أصعب القرارات التي على عمدة نيويورك، رودي جولياني، اتخاذها قريباً قراراً يشكل "معضلة أخلاقية"، إذ عليه أن يقرر هل سترفع أشلاء الجثث جزءاً من الدمار من دون تعريف لها، أو أن البحث المضني عن يد هنا أو ساق هناك، بهدف تعريف الهوية عبر اسلوب DNA سيستمر. في موقع مركز التجارة تناثر رجال ونساء الإغاثة في ما يشبه جبلاً من الحطام، تطل من ذروته هياكل مدمرة لما ميّز يوماً واجهة برجي المركز، من الناحية المعمارية. رائحة الدخان ما زالت تنبعث، وفكرة التسلق على ركام تحت آلاف الجثث لرجال ونساء تثير القشعريرة في الابدان. هؤلاء من 80 جنسية وكل الأديان، مضت ثلاثة أسابيع وكثيرون من أهاليهم ما زالوا يتساءلون كيف تبخر احباؤهم، وهل من سبيل لاغلاق الملف بلا دليل على موتهم. وقف الشيخ حمد ووفده مذهولين، وعند العودة إلى مرفأ 92، حيث انتقلت حكومة نيويورك لمتابعة جهود الاغاثة والتعرف إلى أي أدلة تفيد في التحقيقات، تحدث أمير قطر إلى "الحياة" وقال: "على العالم أن يتكاتف في محاربة الإرهاب، ولكن على الناس أيضاً أن تبدأ ممارسة حرية التعبير وحرية الإعلام، لتكون هناك مشاركة شعبية في صنع القرارات". وأضاف: "المشكلة في تبعات الحدث، وهذا مالا علينا أن نفكر فيه. فبعد حدث كهذا، لا بد أن نفكر جميعاً في الأسباب، ولا بد أن تفكر الإدارة الأميركية، وأن تنشر الديموقراطية في العالم العربي". ورأى أن ما ينبغي أن تفكر فيه الإدارة ضمن أمور أخرى هو اسلوب جديد للتعامل مع القضية الفلسطينية. واستدرك أن "القضية الفلسطينية تخص القضية الفلسطينية فقط، هي مهمة. ما نتكلم عليه هو الارهاب كظاهرة. عدم حل القضية الفلسطينية من أهم المسائل التي ربما تؤثر في عمليات ارهابية مستقبلية. ولكن على العرب والمسلمين ألا يحملوا القضية الفلسطينية أكثر من قضيتها"، بمعنى عدم ربطها بالعمليات الإرهابية كمسبب أو كعلاج. وزاد: "ما حدث من ارهاب في أوكلاهوما أو المترو في اليابان ليس فيه عرب أو مسلمون ولا علاقة له بالقضية الفلسطينية. علينا أولاً أن نكون ضد الإرهاب، وأن ندقق داخلياً في كيفية ازالة أدوات الإرهاب وحججه. في عالمنا العربي كثير من البؤس وكثير من أعمال البوليس السري". ورأى أن "بإمكاننا البدء بمكافحة الإرهاب ليس عبر البوليس السري، بل بتحول الدول العربية إلى دول مؤسسات". وشدد الشيخ حمد على أن المسؤولية والحوار "يتطلبان جهداً مشتركاً من كل أهل الحضارات، ويجب أن يكون الحوار نابعاً من القاعدة التحتية، من الناس، وليس من الأنظمة ومفكريها". ونبه إلى أن "عالم الغد يعتمد على كيفية تعاطي الناس مع هذا الحدث". وأضاف: "حتى الآن لم يبلغنا أحد أي أدلة رسمية ونسمع ان ابن لادن وراءها وحتى الآن لم يطلب منا أحد أن نتعاون عسكرياً أو أمنياً". جاء هذا الكلام قبل توجه أمير قطر إلى واشنطن للقاء الرئيس جورج بوش، ويتوقع أن توضح الإدارة الأميركية ماذا تتوقع في إطار شراكتها القديمة مع دولة قطر.