ثمة مقولة شائعة باتت اليوم كالمعادلة لا تقبل الجدل ولا تستدعي البحث: "التاريخ لا يعيد نفسه"، وهي مقولة ثبتت صحتها على مدار التاريخ، خصوصاً لدى المشتغلين في السياسة. على رغم ثبات ووضوح هذه المعادلة أو المقولة، يصر البعض على إثبات العكس، وهي ممارسة لا تعدو كونها معالجة ذاتية من هؤلاء البعض لتبرير وتفسير الأخطاء، فهم ببساطة لا يرغبون في الاعتراف بأنهم ارتكبوا الخطأ وكرروا الخطأ نفسه أيضاً، مما يعني بأنهم لم يتعظوا ولم يتعلموا أي شيء من أخطاء الماضي. تكرار الأخطاء ليس بالأمر المحبذ، كما أنه غير مبرر، إلا أنه يمكن التغاضي أحياناً أمام بعض الحالات البشرية لأسباب وظروف مختلفة وربما لأن حجم الضرر والمتضررين محدود، ولكن حين تتكرر الكوارث من قبل نفر من البشر فذلك يعني أن الأمر خرج عن حدود الضرر إلى حدود الخطر والمصائب! فعلاً انها من سخريات القدر أن يتمتع هؤلاء النفر بتكرار الكوارث ويقتاتوا على التخيلات والهواجس وكأنهم موقنون بأنهم على صواب والعالم أجمع على خطأ. عشرة أعوام مضت على الغزو العراقي الآثم لدولة الكويت، وعلى ما صاحب هذا العمل البربري من ممارسات وادعاءات جعلت شعوب العالم تتضاحك حيناً وتضجر حيناً آخر على مدار سبعة شهور الاحتلال وكذلك خلال العشرة أعوام الأخيرة. يتعاظم الألم وحجم الفجيعة اليوم حين يجد الإنسان نفسه أمام نفر يحاول الإمساك بعجلة التاريخ وإعادتها القهقري... نفر يتعلق بلحظة مأسوية حدثت في غفلة من الزمان على أنها طوق النجاة ومبعث الخلاص! عقد من الزمن مضى على الغزو العراقي الآثم تخلله الكثير من العمل الدؤوب من قبل الكويت، وهي ضحية ذاك العمل البربري للنظام العراقي، من أجل أهداف عدة من بينها دعم التضامن العربي ومساعي وخطط السلام وترسيخ مفاهيم ومبادئ حضارية، إضافة إلى تجاوز عدد من الدول الخليجية للعمل العدواني الذي ارتكبه نظام بغداد واستئناف علاقاتها الديبلوماسية مع العراق. عشرة أعوام ودول عدة، بما فيها الكويت الضحية، تعمل من أجل مناخ جديد، بينما يأتي النظام العراقي وكذلك بعض المؤيدين له بمخاطبة العالم بنفس اللغة التي تحدث بها نظام بغداد قبل وبعد 2 آب اغسطس عام 1990، بل يؤكد على أن الغزو كان ضرورياً لمواجهة مؤامرة صهيونية أميركية!! وان الاجتياح كان نقطة الانطلاقة نحو تحرير فلسطين!! وان ما حصل في الثاني من آب قبل عشرة أعوام كان انتصاراً!! وان النظام العراقي قادر اليوم على تلقين الكويت درساً إضافياً!! هكذا يخاطب النظام العراقي المجتمع الدولي بعد مضي عشرة أعوام على عدوانه على الكويت، هكذا يرد نظام بغداد ومؤيدوه على الدول والمؤسسات التي تسعى إلى "تجميل" صورة النظام العراقي وتدعو إلى عودة هذا النظام إلى صفوف المجتمع الدولي وتجاوز الماضي! كنا نعتقد أن عدوان الثاني من آب عام 1990 كارثة كبرى، ولكن اليوم وبعد مرور عشرة أعوام، يتأكد لنا أن الكارثة الأكبر تكمن في استمرار وبقاء نظام صدام حسين الذي من الواضح لم يتعلم شيئاً خلال الأعوام العشرة الماضية، ولم يتعظ من عدوانه على الكويت الجارة العربية المسلمة، ولم يدرك أيضاً حجم معاناة الشعب العراقي، وهذا كله يجعلنا أمام أولى دروس السنوات العشر الماضية بأن العالم أمام كارثة وخطر يهددان الحاضر والمستقبل طالما هناك نظام يقتات على العدوان وسفك الدماء وتجويع شعبه ويتلذذ بإهدار حقوق الإنسان ويتشدق باهتزاز منظومة القيم الإنسانية ويتمتع أيضاً بانشقاق الصف العربي. ولعل الدرس الثاني بعد ذلك هو أن تتعظ الأطراف التي تنادي بالحوار والتفاهم مع نظام بغداد لكي تعيد حساباتها والنظر في ظل هذه المعطيات. * كاتب كويتي