على رغم كل المحاولات التي قامت بها السلطة، منذ بدء الأزمة، لتطويق نشاط الجماعات الإسلامية المسلحة في المدن والجبال إلا أن تطور الوضع الداخلي في هذه الجماعات أدى إلى استحداث هيكلة تتكيف ووضعها الجديد الذي تفرضه التطورات الأمنية في البلاد. وكشفت شهادات عدد من الخارجين من السجون الجزائرية خلال الأشهر الماضية عن وجود نظام إمارة خاص بالجماعات المسلحة بدأ منذ 1992 يتم من خلاله إخضاع السجناء إلى إرادة "الجماعة" من خلال أجهزتها الاساسية الموجودة في السجون مثل جهازي عرفا بإسم "الشرابكية" و"الطرباقة"، الذين يستعملان كل طرق الاستنطاق والتعذيب لتوفير المعلومات الكافية لاستعلامات "الجيا" داخل السجن. "الحياة" ورغبة منها في التعرف على جوانب الظل في حياة عناصر الجماعة داخل السجون الجزائرية إلتقت بشاب جزائري كان ينشط ضمن صفوف الجماعة الإسلامية المسلحة بأعالي العاصمة قبل أن يجد نفسه في سجن الحراش بتهمة الإنتماء والتواطئ مع مجموعة مسلحة لدى عودته إلى الجزائر قبل أشهر. الشاب "ع. ح" فضل رواية حياته داخل التنظيم واستكملت "الحياة" بقية الجوانب الأخرى من مسؤولين في السجون الجزائرية وأطراف متابعة للوضع داخل هذه السجون التي كانت تعرف في السابق بضيقها وقلة نظافتها. سجن "الحراش" تعيش السجون الجزائرية، منذ تصاعد أعمال العنف الإرهابية، قبل سنوات، حالة متميزة في ديناميكية الجماعات المسلحة الرافضة لكل أشكال الحوار. فقد تحولت السجون مع مر الوقت إلى إمارة حقيقية لهذه الجماعات يتم من خلالها رصد التطورات والتجهيز لاستئناف أعمال العنف التي تطال الأبرياء خارج السجن. سجن الحراش، الذي يقع على بعد 20 كلم جنوب العاصمة، يعد أحد ابرز السجون التي يوجد بها نشطاء الجماعات الإرهابية بمختلف فصائلها، لم يشذ عن القاعدة، وتؤكد مختلف الشهادات التي جمعتها "الحياة" أن وراء هذه الأسوار عالم خاص بهذه الفئة من السجناء يحفظ تجند هؤلاء للخراب... الزوابري وحطاب في الجناح المخصص للمشتبه في انتمائهم لشبكات إرهابية ثلاث مجموعات: - الأولى تعرف بجماعة الهدنة وليست لديها أي زعامة محددة وتضم عدد معتبر من التنظيمات والعناصر المؤيدة لهدنة جماعة الإنقاذ. - أما المجموعة الثانية فهي ضد مسعى الهدنة الذي تبناه مدني مزراق في الفاتح تشرين الاول اكتوبر 1997 وتتكون أساساً من المساجين التابعين للجماعة الإسلامية المسلحة وكذلك الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي يتزعمها حسان حطاب المدعو أبو حمزة وتعرف في السجن بجماعة "حراقة"، قرب برج الكيفان، 25 كلم جنوب العاصمة وهو الموطن الأصلي لمسؤولها الأول حسن حطاب. - أما المجموعة الثالثة فتضم عدد من المساجين الذين ليست لهم ولاءات تنظيمية لأية جهة من الجهات سواء أصحاب الهدنة أو جماعة "الجيا" أو حطاب وهؤلاء وجدوا أنفسهم في صفوف الجماعات الدموية، قبل سنوات، رغم افتقادهم لأي صلة سياسية أو تنظيمية مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة. كان سجن الحراش في السابق مأوى غالبيته عناصر الجماعة الإسلامية المسلحة، نظراً لسيطرتها على النشاط المسلح في منطقة الوسط وكذلك اغلب مناطق التراب الوطني. وبحكم أنه قبض على غالبيتهم قبل تبني "الجيا" المجازر والتفجيرات في الساحات العمومية ضل هؤلاء متمسكون بهذه القناعات إلى غاية مجازر الرايس وبن طلحة في خريف 1997 حيث تمكن السجناء، عبر الوافدين الجدد لسجن الحراش، من التعرف عن قرب على الأفكار الجديدة للجماعة الإسلامية المسلحة التي أصبحت تستبيح دم الشعب دون تمييز وتفجر الأماكن العمومية عملاً بفتوى الردة الشاملة بعد انتخاب الرئيس اليمين زروال في 16 تشرين الثاني نوفمبر 1995. "التقية" والولاء الكاذب الرافضون للهدنة وإن كانوا في الظاهر مجموعة واحدة إلا أنهم منقسمون من حيث التوجه والولاء إلى جماعتين الأولى مع القتل العشوائي والواسع للسكان وتتخذ كقيادة رمزية لها عنتر الزوابري ولا يمكن معرفة عناصر هذه الجماعة بسهولة لاستعمالها "التقية" وهي إظهار للناس خلاف ما يعتقدون من أفكار ومواقف إلى غاية أن تصبح لهم "شوكة"أي قوة. فهم يجهرون مثلاً بعقيدة ويطبقون ما يخالفها من خلال التظاهر بالولاء لجماعة حطاب لأنهم مسيطرون حالياً في السجن وخارجه لكن على رغم ذلك فهم يحتفظون بقناعاتهم بجواز قتل الصبية والعجائز للمساس بنفسية "الطاغوت". أما مجموعة حطاب فتدعي أنها ضد القتل الجماعي وقد عرفت هذه الجماعة نمواً مطرداً داخل سجن الحراش لعدة أسباب أبرزها كون جماعة حطاب قريبة من حيث النشأة من الحراش لإضافة إلى عدة أسباب أخرى أبرزها: - رفض عدد من عناصر "الجيا" للتوجه الجديد لهذه الجماعة خاصة الاغتيال الجماعي والعشوائي للمئات من المواطنين. - تقلص نشاط جماعة زوابري سيما من الناحية الاعلامية، خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي دفع بقية المتحمسين للعمل الإرهابي إلى الالتحاق بجماعة حطاب التي عرفت تصاعدا في أنشطتها منذ 1998. "الشرابكية" الحياة داخل السجن تعني تقاسم المعيشة في فضاء محدود الأبعاد مع سجناء آخرين وفق فلسفة الجماعة الأكثر قوة والأكثر دموية وتحت إمارة تعطي الأوامر وتطبق قوانينها الخاصة. والسجناء، في هذه الحالة، يجدون أنفسهم مرغمين على الأخذ بعين الاعتبار التوازنات التي تفرضها الجماعة ذات الأغلبية ممثلة في تنظيم حسان حطاب داخل السجن. وبهدف كسب عدد أكبر من العناصر والأتباع وضعت إمارة السجن أجهزة دعاية وأخرى للقمع تمارس مهمتها بشكل منتظم ودائم مما يجعل السجناء أسيري الجماعة الدموية. ويمكن إيجازا تقسيم هذه الأجهزة إلى قسمين أساسيين: -جماعة "الشرابكية": والهدف الأساسي لعناصر هذه الجماعة التخطيط للمساس بمعنويات المساجين بنشر الإشاعات عليهم رغم أن معظمها تكون كاذبة والهدف منها إضعافهم وإخضاعهم لسيطرتهم حتى تزداد قوتهم داخل السجن وبالتالي ضمهم إلى المجموعات الدموية خارج السجن متى تم الإفراج عنهم. - جماعة "طرباقة": وتطلق على كل من يبدي تحمسه للعمل المسلح والعنيف داخل السجن لإخضاع السجناء إلى طاعة الأمير ويقدسون ذلك بشكل واضح ويشتهرون في العادة بارتدائهم حذاء رياضي من نوع "ترينينق" يتم شراءه داخل السجن من الوافدين الجدد بأسعار جد مخفضة وقد أصدر أمير السجن سنة 1993 يخلف شراطي آنذاك فتوى تقضي بعدم الشراء على الحراس غير أن العمل بهذه الفتوى سرعان ما أبطل من قبل الأمير الذي أعقبه. هذان الجهازان المحوريان للجماعات الدموية تمكنا، منذ اكتساح الجيا السجون الجزائرية، من التأثير على عناصر بقية المجموعات الإرهابية الأخرى التي تقيم معها في نفس الجهة وهكذا وجد عناصر جماعة الهدنة أنفسهم أمام جهاز دموي قادر على إحداث الضرر حتى داخل السجن. وللتأثير على السجناء يقوم جهاز "الشرابكية" بإطلاق الإشاعات على السجين المراد إخضاعه للجماعة والسخرية منه حتى تهتز نفسيته بشكل معتبر تمهيداً لإخضاعه إلى نفوذ هذه المجموعة. ومن بين التسميات التي أطلقتها جماعة "الشرابكية" على بقية الجماعات داخل السجن نجد مثلاً بعض التسميات التي لها تأثير نفسي واضح على السجناء والذين يكونون في العادة من جماعة الهدنة: - جماعة "الزرودية": وهي كلمة مبتذلة لكلمة "جزر" ويشار بها إلى عناصر جماعة الجزأرة وهي تسمية يطلقها الشرابكية على كل من له مستوى جامعي أو يقرأ رواية ورش في القرءان أو يتبع المذهب المالكي أو يمدح الشيخ سحنون أو يمدح محمد السعيد مسؤول الجزأرة سابقاً. - جماعة الباردة "القلاصون": وهي تسمية يشيعها جماعة "الشرابكية" على عناصر السلفية العلمية التي يتزعمها عدد من الشيوخ مثل عبد المالك رمضاني، أو بعبدالباري العيد شريفي ويتم توجيه مثل هذه التسميات على جماعة السلفية العلمية لأنمه لم يتفاعلوا إيجابياً لنداءات مختلف المجموعات الدموية إلى حمل السلاح بل خلافاً لذلك قرر شيوخ هذه الطريقة، قبل سنوات، العمل لدى عناصر الجماعة خارج السجون لإقناعهم بأهمية التخلي عن العمل المسلح . المتحاكمون: وهي صفة تشمل كل من يتعامل مع السلطة أو أحد ممثليها مثل مدير السجن أو حارس القاعة وفي حالة ثبوت مثل هذا التعامل يمكن لأمير القاعة أو السجن الحكم على صاحبه بالموت متى كان ذلك ممكنا داخل أو خارج السجن. لكل قاعة أمير كانت الجماعة الإسلامية المسلحة "الجيا" أول تنظيم مسلح يبرز في السجن منذ بدء الأزمة مما جعله يسيطر، خلال السنوات الماضية، على السجن، حيث عمدت إلى سن نظام خاص بها لتمتين عملها داخل السجون الجزائرية من خلال وضع مسؤوليها المتعاقبين نظام الإمارة داخل السجون. ويقتضي هذا التنظيم من الجماعة تعيين مسؤول داخل كل قاعة تابعة لها يسمى ب"أمير القاعة" ويشتغل مع مجلس شورى مصغر ويأخذ الأمير الأوامر من "أمير الجناح" الذي يتلقى بدوره التعليمات من أمير السجن وهو حالياً من بوفاريك ويساعده المدعو إلياس "باربات" لأن المعني حكم عليه بالمؤبد. وبقي هذا النظام معمولاً به إلى غاية حدوث الانقسامات بين المجموعات المسلحة التي تركت آثارها واضحة في السجن مما اثر على النظام القديم الذي اصبح مضطرباً ولا يخضع لنفس المقاييس السابقة. ومع مر الوقت استقلت الكثير من القاعات عن إمارة السجن فأصبح أمير القاعة لا يخضع بالضرورة لإمارة السجن مثلما هو حال القاعات التي يوجد بها سجناء جماعة الهدنة الأمر الذي دفع جماعة "الطرباقة" إلى اللجوء إلى إستعمال العنف لاسترجاع بعض القاعات التي خسرتها وفي بعض الاحيان يبعثون عناصراً تتظاهر بأنها مع الهدنة لتتسلل إلى قاعات "الإنقاذ" بهدف خلط الأوراق وتغذية الصراعات داخل القاعة كخطوة أولى لاسترجاع القاعات. غير أن مثل هذه العمليات لم تعد مجدية في الوقت الراهن نظراً لمعرفة المساجين بعضهم معرفة جيدة حيث يعمد السجناء المقيمين في القاعات التي يغلب عليها عناصر الهدنة، كلما تسلل فرد من جماعة الجيا أو حطاب، إلى توجيه شكوى لإدارة السجن للمحافظة على عدد القاعات التي يقيمون بها. وبالموازاة مع مهمته العادية يقوم "أمير القاعة" بتحديد العقوبات وسن وسائل وكيفيات التعزير وهذا بهدف التحكم في الأتباع فضلاً عن مهمته المتمثلة في الفصل بين المتنازعين ومعاقبة المخالفين لقوانين القاعة، التي حددتها الجماعة، وتختلف العقوبة من جماعة إلى أخرى فمثلاً نظام العقوبات عند جماعة الهدنة يتميز عن نظام جماعة حطاب كونه متساهل نوعا ما حيث تصل العقوبة إلى حد هجرة السجين لمدة ثلاثة أيام أو غسل الأواني أما نظام العقوبات عند جماعة حطاب فيمكن أن تصل إلى حد استباحة دم السجين، عند القدرة، إذا ألصقت به تهمة "التحاكم إلى الطاغوت" والتي تعني في قاموس جماعة حطاب العمالة للنظام والخيانة للجماعة تنفيذ أحكام "الجماعة" داخل السجن في الجناح المخصص للمسجونين بتهم إرهابية قاعتان خصصتا للمدخنين تسمى"قاعة الشيوخ" وهي تابعة لجماعة الهدنة وعانى هؤلاء المساجين كثيراً من جماعة "الطرباقة" و"الشرابكية" فينهالوا عليهم بالسب والشتم في كل مرة عندما يكتشفون بأن السجين يدخن، اذ يؤخذ في جلسة قضاء أو محاكمة، قد تكون في قاعة أخرى، وفي هذه الحالة يتم الاتفاق مع سجين آخر من "الجماعة" على تبادل القاعة عبر عملية تسلل منظمة. وعقب جلسة المحاكمة يصدر الحكم في حق المعني سواء بالجلد باستعمال الحزام وقد يصل عدد الجلدات بين أربعين إلى خمسين في بعض الأحيان. وفي العادة يخفي السجين، أمام حراس السجن، تعرضه للضرب لأن ذلك معناه الحكم عليه بالخيانة التي قد تفضي إلى الحكم عليه بالقتل ويتم تنفيذ ذلك مباشرة بعد خروجه المعني من السجن. الدعوة إلى الجهاد حتى بالنسبة للشعائر الدينية فإن الاختلاف الموجود بين مختلف هذه الفصائل يبقى ميزة أساسية بين جماعة الهدنة وفصائل الجيا وجماعة حطاب اذ يركز الإنقاذيون، في كل قاعة يؤدون فيها صلاة الجمعة، على المسائل الأخلاقية والتربوية مثل الالتزام بأحكام الدين من دون إغفال الانتقاد لبقية الجماعات الأخرى. أما خطباء جماعة حسان حطاب فيستغلون صلاة الجمعة للتحريض على مواصلة القتال مع الدعوة إلى محاربة "الطاغوت". ويذكر محدثنا أنه خلال صلاة عيد الفطر الماضي قام أحد خطباء جماعة حطاب، في القاعات التي يسيطرون عليها، بإلقاء خطبة نارية تدعوا إلى التصعيد والدعاء ل"المقاتلين" بالنصر وتحريض المساجين على تبني العمل الإرهابي والالتحاق بالجماعة متى خرجوا من السجن. وإذا لم يلتحق السجين بصفوف الجماعة التي بايعها في السجن، في حال الإفراج عنه لأي سبب من الأسباب، يتم الحكم عليه بالردة والتي تعني القتل عند القدرة سواء داخل السجن أو خارجه. والطريف في الشعائر الدينية "للجماعة" أنهم لا يصومون شهر رمضان على غرار بقية السجناء والمبرر الذي يقدمونه هو "إننا في جهاد لذلك يتوجب علينا الاستعداد في كل لحظة للهروب من السجن ومواصلة القتال". ضيوف غير مرغوب فيهم دخول سجناء جدد يثير مخاوف "الجماعة" وحتى تحركات السجناء من قاعة إلى أخرى تثير بدورها قلق كل مجموعة. فعناصر حطاب يعمدون في كل مرة إلى استعمال مختلف الوسائل لتحديد هوية الضيف الجديد وإن لم يرتاحوا إليه خوفاً من أن يكون من الأمن يتم إبلاغ إمارة السجن التي تصدر بياناً تشدد فيه على ضرورة رفض استقبال هذا السجين في القاعة التي يقيمون فيها. ويقوم أمير القاعة، عبر عدد من السجناء، إبلاغ مسؤولي السجن بضرورة رفض هذا السجين داخل قاعتهم وإلا يتم رفض استقبال الطعام والدخول في إضراب. أما جماعة الهدنة فإنهم يتعاملون بنوع من التسهال مع الوافدين الجدد غير أنهم يشددون على رفض كل عنصر قادم من قاعة "الشرابكية" وتتم العملية عبر إبلاغ مسؤولي السجن بضرورة تجنيب القاعة دخول العنصر الذي تثار بشأنه مخاوف. نظام الاتصالات الاتصالات داخل السجن تتم بصفة منتظمة وعادية عبر البيانات المكتوبة أو اللقاءات الشورية التي تجمع عناصر التنظيم. وفي المسائل الكبرى يفوض الأمر إلى المجلس الشورى لإمارة السجن "يتشكل من مجموعة من المساجين إضافة إلى الأمير" الذين يتفقون حول موضوع ويصدرون بياناً له علاقة بالمساجين. وتتم المشاورة بعد ذلك عبر تبديل القاعات بين العناصر التي تريد أن تحضر الجلسة مع عناصر أخرى لمعرفة خلفيات الموضوع وتفاصيله كما يتم ضمان الاتصال عبر بيان يقوم بتحريره أحد السجناء باسم إمارة السجن ويتم نقل البيان حرفياً وبخطه الأصلي من قاعة لأخرى عبر خيط رفيع يربط به البيان وتنزل من القاعات العليا، حيث يوجد المساجين الذين لم يمثلوا أمام القضاء، إلى القاعات السفلى حيث يوجد السجناء الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية. ويتم التخلص من البيان في النهاية بطريقة محكمة وفي حالة عثور مسؤولي السجن على البيان لدى أحد عناصر الجماعة يتم تحريك دعوى قضائية ضده بتهمة أخرى لا تقل عن الأولى. الحراسة داخل السجن تقسم المجموعات الدموية أعمالها داخل السجن بشكل دقيق. فهناك مسؤول الرباط الذي يحدد الجدول الزمني لعملية الرباط والتي تعني الحراسة لمدة ساعتين يقوم بها كل سجين حسب جدول توقيت أسبوعي يحدده مسؤول الرباط. لكن لماذا الرباط؟ حسب الشهادات التي جمعتها "الحياة" فإن الرباط لا يكتسي غاية حربية مثلما هو متعارف عليه في الشريعة وإنما يهدف إلى مراقبة النائمين في نومهم للتدخل في حال مرض أحد المساجين أو إصابته بأزمة قلبية، غير أن الهدف الأساسي، مثلما يعلن عنه مسؤول الرباط يومياً لتبرير هذا الواجب، يبقى السهر على بقاء سترة النائمين حتى لا يثير ذلك شهوة بقية السجناء في القاعة التي تضم من 30 إلى 40 سجيناً. كما يسهر المرابط على ضمان التباعد بين السجناء عند النوم حتى لا تقع ممارسات مشبوهة بين عناصر "الجماعة" التي قد تصل إلى أقصى العقوبة في حال رؤية المرابط أحد السجناء متكئاً على سجين آخر حيث يأخذ معنى التقارب بين المساجين، عند الجماعة، بعداً جنسياً. تنورة لكل سجين بهدف تجنب كل النظرات الشهوانية بين السجناء قررت مختلف المجموعات الإرهابية، منذ سنوات، إلزام كل سجين وضع إزار في شكل تنورة نسوية "jupe" تغطي أساسا الدبر والفخذين ولا ينزع الإزار الذي يأخذ شكل تنورة إلا عند النوم أو عند دخول أحد حراس السجن أو الخروج من القاعة وكل مخالفة لذلك تؤدي بصاحبها المثول أمام جلسة علنية بتهمة إفشاء الرذيلة. وفي إحدى المرات دخل أحد السجناء الجدد، الذي انتسب لإحدى الجماعات الإرهابية خطأ، إلى قاعة تضم عناصر مجموعة حطاب ولما أمر بالتستر رفض ذلك وقال بأنه يرتدي ملابساً عادية فألزم على ارتداء الإزار في شكل تنورة وبعد رفض متكرر من هذا السجين الذي اعتبر العملية خدعة تهدف إلى السخرية منه تم معاقبته بالهجر لمدة 3 أيام قبل أن يضطر خوفاً على نفسه من الالتحاق بقاعة تضم عناصر جماعة الهدنة الذين أقنعوه بضرورة ارتداء الستار. "القوربي" أو تنظيم أفواج الخدمة من بين المسائل التنظيمية التي وضعتها مختلف المجموعات المسلحة داخل السجن نجد نظام الأفواج أو "القوربي خدمات" حيث يتم تقسيم العناصر الموجودين داخل القاعة، حوالي 40 عنصر، إلى نحو ثمانية أفواج تهتم بالتدوال على أعباء القاعة. ويبدأ الفوج أشغاله من الصباح إلى غاية المساء حيث يتولى عمليات توزيع الأكل وغسل الأواني ومسح القاعة أما الفوج الموالي ويسمى "قربي ريح" فيتولى غسل القاعة ليلاً بالماء والصابون ويسمى بهذه التسمية لأنه يستعمل فراش النوم للترويح بهدف تجفيف أرضية القاعة ويقوم في اليوم الموالي بالأشغال اليومية المعتادة ويستفيد السجين الذي ليست له "قفة" في المساء من توزيع حصة أعضاء "القوربي". وحتى كرة القدم لا تتضمن نفس المعنى والهدف، وان كان بقية السجناء يمارسون هذه الرياضة للتسلية فإن عناصر الجماعات الدموية يمارسونها قناعة منهم بأن الرياضة مفيدة لتقوية العضلات ولمواصلة "الجهاد" بعد خروجهم من السجن. حكاية "الشيفون" القاعدة تقول انه كلما دخل عنصر جديد إلى القاعة التي يوجد بها عناصر "الجماعة" يتم تحريك أجهزة الاستخبار لمعرفة هوية الضيف الجديد وكذلك التهمة التي حول بموجبها إلى القاعة وهو عمل وقائي يقوم به عناصر هذه المجموعات لتفادي الوقوع في فخ أجهزة الأمن داخل السجن. وفي إحدى المرات دخل السجن أحد العناصر المشبوهة فتم تسليط مختلف السجناء داخل القاعة للتقرب منه ومسائلته في عدة قضايا للتعرف على هويته وبعد ساعات من البحث تأكد لأمير القاعة أن المعني عنصر من عناصر "الجبهة الإسلامية للجهاد المسلح" المعروفة باسم "الفيدا". وبعد مشاورات مع أمير السجن قرر أمير القاعة إخضاع الضيف الجديد إلى الاستنطاق لمعرفة جملة من المعطيات تخص عناصر هذا التنظيم ولتحقيق هذا الهدف تم توجيه عنصر "الفيدا" إلى حوض القاعة "الباسان" حيث يدخل رأسه في الماء ويضعون عليه "الشيفون" ويضعون فوق ذلك بعض مواد التنظيف مثل "القريزيل" حتى أعطى لهم كامل المعلومات بعد أن كاد يفقد حياته من شدة الغطس والتهوية الخانقة التي خضع لها. تصفيات جسدية خلال السنوات الماضية قتل أحد السجناء الوافدين إلى إحدى قاعات "الجماعة" ويعود سبب القتل إلى كون الضيف الجديد، شاب يبلغ 18 سنة، عضواً نشطاً في جماعة "الهجرة والتكفير". وبعد تداول المجلس الشورى للسجن في القضية أصدر أمير السجن آنذاك المدعو الشيخ شهاب فتوى تقضى بضرب المعني ضرباً مبرحاً. وعند تنفيذ الحكم من قبل عناصر الجماعة الموجودين بالقاعة التي يقيم بها الشاب تم تهشيم القفص الصدري للضحية وعرفت هذه القضية لدى المحاكم بقضية "جماعة الهجرة" حين حكمت المحكمة خلال فصلها في القضية بصفة نهائية، في تشرين الاول 99، على كل من شارك في القتل، وعددهم 50 فرداً، ب400 سنة سجن قسمت عليهم بصفة متساوية أي 8 سنوات سجن لكل واحد. وقد أقرت المحكمة بحكمها على أساس أن القتل كان بناءً على الضرب المفضي إلى الموت ولا تزال القضية متداولة على مستوى مجلس قضاء العاصمة حيث ينتظر أن يصدر الحكم النهائي بعد أسابيع. "الطرباقة" يعتبرون الإعلام من "الطاغوت" والتلفزة شيطان لذلك فهم يرفضون وضع جهاز تلفاز أمامهم داخل القاعات التابعة لهم، أما جماعة الهدنة فالبعض منهم يتابع الاخبار على تلفزة في القاعة التي يقيمون بها غير أنهم يتفادون النظر إلى النساء من خلال وضع ورقة كرتون كبيرة أمام الشاشة حتى لا تتحرك غرائز السجناء ضد بعضهم وإن حدث وتناسى أحدهم وضع "الكرتون" يوبخونه على رغم تمسكهم خلالها بمشاهدة مقدمة الأخبار.