أنهى قرار البرلمان الهولندي تشريع "الموت الرحيم" ربع قرن من الجدل الديني والفلسفي والاجتماعي في بلد يعد ذا رفاهية نادرة. لكن القرار لم يوقف حملة المعارضين لهذا التشريع، الذين يقودهم الحزب الديموقراطي - المسيحي الى جانب أحزاب كاثوليكية صغيرة. "الموت الرحيم" Euthanesia أصبح متاحاً في هولندا، ولكن بشروط عسيرة جداً، خصوصاً لأن القانون في هذا البلد ما زال يعتبر "مساعدة الانسان على الموت" جريمة، عقوبتها السجن فترات تتراوح بين ثلاث سنوات واثنتي عشرة سنة. وحددت شروط السماح باللجوء الى التدخل الطبي لانهاء الحياة البشرية بست حالات هي: ان يطلب المريض طوعاً، في شهادة خطية يصادق عليها الكاتب العدل، أو شفهياً بحضور شهود، وأن يؤيد طبيب ثان قرار "الموت الرحيم"، وأن يناقش الطبيب مع المريض أو عائلته والمعنيين، البدائل المتاحة للمساعدة في تفادي ذلك الخيار، وأن تكون المعاناة والألم، جسدياً أو روحياً خارج أي احتمال للسيطرة عليهما، أو خفضهما، ويصعب على المريض تحملهما. أما الشرط الخامس فيفرض على الطبيب المعالج أن يبلغ الطب الشرعي استخدام "الموت الرحيم" قبل اجراء التشريح، والسادس ان يبلغ لجنة متخصصة تفاصيل عن حال المريض وتاريخها، كي تقرر هل كان خياره سليماً أم لا. وتضم اللجنة ثلاثة خبراء في الأخلاق والمجتمع والطب والقانون. المحكمة الأوروبية تعد هولندا أول دولة في العالم تشرع "الموت الرحيم" لحالات مرضية محددة، وتواجه احتمال نقل خصوم هذا القانون النزاع الى المحكمة الأوروبية، خصوصاً ان المادة الثانية من ميثاق حقوق الانسان الأوروبي الذي تلتزمه الدول الأعضاء في الاتحاد، تشدد على تحريم "الموت الرحيم"، لكن أنصار القرار يربطونه بالتقدم الطبي والعلمي الذي يساعد ايضاً في "اطالة عمر المريض" من دون أن يكون هناك بصيص أمل بشفائه، أو عندما يتعلق الأمر بجنين مشوّه قبل ولادته أو بعدها. ثمة تناقض آخر يرتبط بالقَسَم الذي يؤديه المتخرج، وهو مأخوذ من نص اغريقي قديم، يلتزم فيه الطبيب انقاذ الروح البشرية و"اطالتها" أياً تكن الظروف. والتشريع الجديد هو ثالث قرار يتعلق بالروح البشرية تبنته هولندا الحديثة بعد الغاء عقوبة الاعدام، وقرار السماح للمرأة بالاجهاض في ظروف محددة. وهو يفسح في المجال لارباكات يتوقع ان تواجه الجماعات الدينية والقانونية. فالكنيسة الرومانية - الكاثوليكية لا تسمح مثلاً بدفن المنتحرين أو من هم في "منزلتهم"، بمن فيهم ضحايا "الموت الرحيم". ومن شأن القانون الجديد أن يضع الدولة في تعارض مع التزاماتها تجاه المواطن، بسماحها للأفراد بتقرير مصائر الأفراد. ويرى خبراء قانونيون أخطار تعارض عميق بين حق الانسان في تقرير مصيره والممارسة العملية للتشريع الجديد.