تسود حال من الاحباط الشارع التونسي بعد الفشل الذريع الذي أصاب الرياضيين المحليين في ألعاب سيدني وخروجهم من "المولد" العالمي بلا "حمص" ولا ميدالية او ارقام قياسية جديدة على الصعيد القاري على اقل تقدير. وامتزج هذا الشعور بالاحباط بمرارة الخيبة وهم يرون بأم اعينهم تبخر ملايين الدينارات التي اقتطعت من عرق دافعي الضرائب وصرفت على تحضيرات 49 رياضياً عادوا الى بلادهم فرحين بتحقيق شعار مؤسس الألعاب الفرنسي بيار دي كوبرتان "يكفي شرف المشاركة". وقد ترجم هذه المشاعر عدم الارتياح الذي عبر عنه الرئىس بن علي في اجتماعه الاسبوعي برئيس الوزراء، وبالدعوة التي اطلقها الجمهور التونسي لمحاسبة المتسببين في هذه المهزلة التي ترتفع الى درجة "الخيانة" من ابناء مدللين خذلوهم. لكن السؤال الى دفع التوانسة الى حافة الاكتئاب هو: لماذا توج البقية بالذهب؟ هل هم قادمون من كواكب اخرى غير الارض؟ ثم وبلغة واقعية لماذا صعد ابناء السعودية وقطر والكويت إضافة الى الجيران المغاربة والجزائريين الى منصة التتويج وغاب نشيدنا الوطني عنها؟ فشل المشروع الرياضي لقد مثلت سيدني فشلاً ذريعاً للمشروع المحلي الرياضي، وشكلت خيبة امة حلمت في غياب الالقاب بأحد ابنائها يبكي وتسيل الدمعة على خديه عند الفشل وتلتقط تلك اللحظة الصورة لعلها تبرز للعالم طموح شباب يحب بلاده ويفديها بالغالي والنفيس. وبعيداً من المشاعر الفياضة والانفعالات الحديثة فإن هذه النتائج الهزيلة دقت اجراس الخطر امام سلطة الاشراف، خصوصاً ان تونس امام استحقاقات قريبة حيث ستحتضن عام 2001 ألعاب البحر الابيض المتوسط، وتفادياً لاعادة السيناريو الكابوس حيث نظمت تونس كأس افريقيا عام 1994 ونجحت في التنظيم وغادرت الملعب من الدور الاول لا بد من ايجاد حل لما حدث. وفي الحقيقة ان التوانسة يقدرون المسافة الكبرى بينهم وبين الاخرين، ويعتقد الكثير منهم ان تركيز الاهتمام الرياضي على كرة القدم وتجربة الاحتراف التي تخوضها وتخلي الاندية الكبرى عن رياضات السباحة والملاكمة وألعاب القوى جعل المهمة صعبة. فالأندية كانت تغذي الاتحادات بالشبان وتسهم في تكوينهم، واليوم امام استقلال الاندية لم تبق سوى اتحادات تشققها الصراعات والاولوية فيها للولاءات وليس الكفاءة. بين الدراسة والرياضة ولما سئل السبّاح اسامة السلامي 16 عاماً عن اسباب تراجعه في سيدني، قال: "ان الألقاب لن تمطرها السماء وللحصول عليها يتطلب معادلة بين الدراسة والرياضة". ويبدو ان السلطات تفطنت لأهم اشكالية تعترض الشبان لتحقيق نتائج جيدة وهي تمزقهم بين مستقبلهم الاكاديمي والرياضي فأقرت منهجاً دراسياً في الثانويات يعتمد الرياضة وبما ان البكالوريا تنال في سن ال18 عاماً فيبدو ان على التوانسة انتظار عقدين لمعانقة التتويج الاولمبي. وبين الامم ذات التقاليد العريقة رياضياً والامكانات العريضة مالياً، فان الرياضي التونسي في عقد التسعينات يحظى بامكانات مادية وحوافز وتشجيعات تجعله ضمن طبقة الاغنياء الجدد. كما ان صوره وتفاصيل حياته هي محل متابعة يومية في الصحافة المحلية مما اصاب اخلاقه بالغرور الذي يعد الباب الرئىسي للفشل، ويبدو ان غياب مدرسة الجيش التونسي في ألعاب القوى والتي تخرج منها البطل الاولمبي محمد القمودي وكذلك فتحي البكوش ساهم في خلخلة الاسس النفسية في تربية الرياضيين وفي تدني نتائجهم. فضلاً عن غياب روح المغالبة والاصرار على الفوز والتضحية من اجل النجاح. تونس شهدت في العقد الاخير ثورة حقيقية على مستوى البنية الرياضية والتجهيزات والمنشآت لم تعرفها منذ 40 عاماً، وهذا التوجه نحو بناء الاسس المادية ربما شغل سلطة الاشراف على بناء الانسان من خلال التكوين المتكامل مما جعل البناء اعرج والنتائج دون التضحيات الوطنية.