أين أصبح العراق في الضمير العربي؟ أين الضمير العربي؟ العراق يضرب يوماً بعد يوم، وحدوده مستباحة كشعبه، ومع ذلك فأخبار مأساته المستمرة لا تكاد تجد مكاناً لها في وسائل الاعلام العربية كافة، فهذه تهتم بكل تفاهة رسمية واجتماعية سوى اخبار تدمير العراق. في مقابل الاهمال العربي لشعب العراق، تستمر العقوبات الاميركية الى ما لا نهاية، وتقوم حولها اخبار تبررها للشعوب الغربية، طالما ان العرب لا يحتاجون الى اي تبرير فقد قرروا الا يعرفوا، ولا عين تشوف ولا قلب يحزن. في 12 من هذا الشهر نشرت مؤسسة ابحاث يهودية اميركية قريبة من اسرائيل تحليلاً جاء فيه نقلاً عن لسان مسؤولين اميركيين ان صدام حسين اضاف صواريخ سام مضادة للطائرات الى القطاع الجنوبي حيث يحظر تحليق الطائرات العراقية، وان العسكر الاميركيين يفضلون استمرار حرب الاستنزاف ضد مواقع الصواريخ، بدل توسيع نطاق القتال وتعريض الطيارين الاميركيين للخطر. كان هذا في 12 من هذا الشهر، وفي 16 منه نشرت "واشنطن تايمز" خبراً مشابهاً خلاصته انه بعد اشهر من غارات الطائرات الاميركية والبريطانية على مواقع الدفاع الجوي في العراق، ارسلت بغداد صواريخ سام - 2، وهي من نوع ارض - جو، وذات مدى ابعد من الصواريخ السابقة، الى جنوبالعراق. النظام العراقي مذنب لا خلاص لشعب العراق الا بالخلاص منه، ولكن الغارات على العراق لا تقدم نهاية هذا النظام بوصة واحدة، وانما تزيد معاناة شعب العراق، فيما العرب غافلون متغافلون، لا هم لهم سوى يومهم الذي هم فيه. الغرب يحاول تبرير الحصار وتجويع شعب العراق ونشر المرض والجهل والفقر في صفوف ابنائه بتصوير النظام فيه وكأنه الشيطان الرجيم، وهكذا فقد قرأنا في "الصنداي تايمز" تحقيقاً شغل صفحة ونصف صفحة في ملحق العرض الاخباري الاسبوعي عن كرة القدم العراقية بإدارة عدي صدام حسين، ومعه صورة ملونة ضخمة بعرض الصفحة. اكثر المعلومات كان على لسان شرار حيدر محمد الحديثي، وهو لاعب دفاع في المنتخب العراقي عمره 32 سنة، فرّ الى الخارج. قال شرار انه تعرض للتعذيب في سجن الرضوانية، وانه جرّ على الحصى حتى دمي جسمه، ثم ألقي في المجارير، كي تصيب الجراثيم جروحه. وهو تحدث عن ضرب لاعبين كثيرين آخرين وتعذيبهم. هل حدث هذا؟ لا نستبعد ان يرتكب النظام العراقي مثل هذه الجرائم غير ان تحقيقاً طويلاً في جريدة نافذة يقوم على كلام لاعب فار، لا بد انه في نهاية حياته الرياضية، فقد بدأ اللعب سنة 1986، ولم نسمع منه او عنه شيئاً حتى سنة 1999. والتحقيق لا ينسى "نشاطات" عدي خارج تعذيب الرياضيين مثل قتل ذائق طعام ابيه، واشتراكه شخصياً وهو في الخامسة عشرة في مذبحة اعضاء الحكومة هذا خطأ في التفاصيل، فالمذبحة استهدفت قياديين في حزب البعث. ومثل القول ان مدرسة 30 تموز حملت تاريخ الثورة، مع ان الانقلاب حصل في 14 تموز 1958، كما يعرف كل عربي. التفاصيل ليست مهمة، فالمهم في الأمر محاولة تصوير النظام العراقي كشيطان، وتبرير كل إجراء ضده. غير ان الاجراءات الاميركية من العقوبات الى الضربات الجوية، لم تؤذ يوما النظام العراقي، وانما هي أذلّت شعباً عربياً كان عزيزاً كريماً. ويكفي ذلاً اننا كنا جميعا ننتظر الحماية من العراق، والعون والمساعدة، واصبحنا نساعده على عيش مهين، الموت أرحم منه. اتوقف لأقول ان "الصنداي تلغراف" في اليوم نفسه، اي 16 الجاري، نشرت تحقيقاً طويلاً خلاصته ان ايران زادت دعمها المالي لحماس، وانها في تموز يوليو الماضي اودعت في حسابها في سورية خمسة ملايين دولار. هذه اخبار مخابرات، فلا يمكن ان يعرف رقم حساب منظمة مثل حماس، غير رجال مخابرات. والخبر يصيب ايران أساساً، فهي تدعم "الارهاب"، ويصيب سورية معها لأن الحساب المزعوم عندها. وثمة تشابه واضح بين اهداف الحملة على ايران التي تحاول فتح صفحة جديدة في علاقاتها الخارجية، وسورية التي توشك ان تدخل مفاوضات سلام حاسمة، والعراق الذي ادخله نظام غبي نفقاً مظلماً لا خروج منه. غير ان في ايران وسورية نظامين يستطيعان ان يدافعا عن مصالحهما، فأبقى مع العراق الذي سلم نظامه رأسه على طبق من فضة لكل اعدائه، ولا يزال شعب العراق يدفع الثمن حتى اليوم. اليوم يضرب العراق ويحاصر ويجوع ابناؤه، ويقوم فيه جيل جديد أُمّي سيظل عالة على امته حتى الجيل القادم. أما نحن، فنشارك في مؤامرة الصمت، وقد اعطينا الضمير اجازة.