ما دام الأطفال عماد المستقبل وعدته، فإن أمر الاهتمام بالثقافة المبكرة يأتي في أولويات مهمات الأسرة والمدرسة وبقية المؤسسات ذات العلاقة بموضوع تربية وتأهيل الأطفال... وتأتي صحافة الطفل المتمثلة بالنشرات والمجلات والكراريس التي تصدر هنا وهناك من الوسائل المهمة في أداء هذا الواجب الوطني الكبير. وعلى الرغم من عدم وجود احصاءات دقيقة عن عدد مجلات الأطفال التي تصدر في الوطن العربي، فإن عددها يقدر بنحو خمسين مجلة تساهم في تنمية ثقافة الطفل وتوجيه اهتمامه من خلال الاعلام والشرح والتفسير والتثقيف والتعليم والتنشئة الاجتماعية والتسلية والتسويق والاقناع. وثمة أنماط عدة من مجلات الأطفال، منها المتخصصة تصدرها دور النشر المختلفة، ومنها صحف ومجلات نوعية يحررها الأطفال بأنفسهم، كالصحف التي تصدر في المدارس، أو ما يسمى بصحف الحائط، ومنها التربوية أو الدينية أو الرياضية أو الثقافية المهتمة برعاية الطفل في مجالها، وقد تصنف تبعاً لمراحل الأعمار المختلفة للأطفال... وهناك أيضاً صفحات خاصة بالأطفال تنشر في الصحف اليومية أو الاسبوعية أو في المجلات وصحافة الكبار. وبين زحمة هذه المجلات نقف على سبيل المثال مع أربعة نماذج: مجلة "أسامة" سورية ومجلة "العربي الصغير" الكويت ومجلة "علاء الدين" مصر ومجلة "الجيل الجديد" المملكة العربية السعودية. مجلة "أسامة" تصدر عن وزارة الثقافة السورية منذ نحو ربع قرن، وهي نصف شهرية، صدر منها حتى نيسان ابريل الماضي 578 عدداً. وتتولى رئاسة تحريرها الأديبة دلال حاتم. على صعيد الشكل، هي أضعف مجلات الأطفال العربية من حيث الاخراج والألوان وعدد الصفحات 24، إذ أن شكلها لم يدخل عليه أي تطوير على مدى ربع قرن، كما أنها المجلة الوحيدة التي لا تدخل الألوان إلى جميع صفحاتها. ولعل هذا يعود إلى ضعف ميزانيتها، مع الاشارة إلى أن سعرها مناسب، إذ تباع بخمس ليرات سورية، ما يعادل خُمس ثمن مجلة عربية أخرى من مجلات الأطفال. أما من حيث المضمون، فنجد أنها ذات توجه موضوعي يتناسب مع المبادئ الأساسية لتربية الطفل، ولكنها تقتصر بصورة عامة على القصص ثلاث قصص كحد وسطي وقصيدتين وقصة واحدة مسلسلة وصفحتين غير ملونتين للتسلية وصفحة أخبار من العالم وصفحة أصدقاء "اسامة" غير ملونة، وهي صور صغيرة للأطفال مذيلة باسمائهم... حتى الغلاف الأخير لا يستغل بشكل أفضل أو تنشر عليه لوحة من رسوم الأطفال. ومن استعراض أعداد المجلة نكتشف أنها لم تخضع منذ سنين لأي تجديد أو تطوير حتى تستطيع منافسة بقية المجلات العربية لأن انخفاض السعر وحده لا يكفي. مجلة "العربي الصغير" شهرية تصدر في الكويت عن وزارة الاعلام "لكل فتيان وفتيات الوطن العربي"، ويرأس تحريرها الدكتور محمد الرميحي. وتقع في ست وسبعين صفحة بالألوان على ورق من النوع الفاخر، وتباع بنصف دولار. وقد صدر منها حتى الآن 73 عدداً. إلى جانب الاخراج المبهر، تتميز هذه المجلة بتنوع المواضيع، كما يتبين من خلال استعراض مواد عدد أيلول سبتمبر 1998 على سبيل المثال لا الحصر: - ريبورتاج مصور عن مسرحية عالمية بعنوان "قطار النجوم السريع". - صفحة للأطفال ملونة من جميع البلاد العربية، "بريد" وصفحة للتسلية بعنوان "المفكر العربي". - قصة مسلسلة بعنوان "موسيقى في الشارع"، سيناريو مع الرسوم، وقصة أخرى بعنوان "هذا جزائي". - ريبورتاج عن المملكة المغربية لتعريف الطفل بالبلدان العربية. - صفحة طرائف وابتسامات وجوائز للطرائف الفائزة. - سيناريو قصة مسلسلة مصورة بعنوان "حادي بادي"، وقصة الحكيم أيوب أبو الحكايات. - تحقيقات مصورة عن الطيور، وقصة مسلسلة بالرسوم بعنوان "أماني والألوان". - تعريف بالبحارة ناسكودي والطريق إلى الهند، وصفحة إسلامية توجيهية وصفحات للتلوين. - موضوع عن الخليفة عمر بن الخطاب، وصفحة لغة المستقبل، صفحة علمية مبسطة. مجلة "الجيل الجديد" شهرية تصدر عن الرئاسة العامة لرعاية الشباب في المملكة العربية السعودية ويرأس إدارة تحريرها محمد عبدالله العجلان وتقع في ثلاثين صفحة ملونة. تشتمل على صفحة "روزنامات" الشهر الذي تصدر فيه ومجموعة كبيرة من القصص المسلية المزودة بالرسوم، بالإضافة إلى صفحات لرسائل الأصدقاء الصغار وحدهم وصفحات للمسابقات والتسلية والظواهر الكونية البراكين مثلاً، وتقدم للقراء الأطفال جوائز مزودة بالرسوم، بالاضافة إلى صفحات للتسالي وصفحة بعنوان "قصص الأنبياء" وصفحات للعلوم المبسطة وصفحة بعنوان "لعبة الكلمات"... مجلة "علاء الدين" تصدر عن "دار الأهرام" في مصر ويتولى رئاسة تحريرها عزت السعدني. وهي أسبوعية تقع في 74 صفحة بالألوان وسعرها نصف دولار. تتميز هذه المجلة بأنها مدروسة من حيث اختيار المواضيع وتنوعها واستكتاب الأقلام المتخصصة، ففيها الأخبار المصورة التي تهم الطفل والقصص المسلسلة المزينة بالرسوم والمسابقات المجزية لأصحاب المواهب من الأطفال في الرسم والقصة والشعر والمقال، وفيها تحقيقات عالمية مصورة، وقصص من التراث العربي ومسلسل عن شخصية طرزان، وآخر عن الأشعة الكونية والنجوم والفضاء، وأكثر من عشر قصص مصورة مسلسلة، بالإضافة إلى توجيهات دينية وصفحتين بعنوان "بنك الأفكار المدهشة" وتدريبات على الكومبيوتر وصفحات عن الحيوانات والطيور والطبيعة وثلاث مسابقات أسبوعية. من خلال استعراض المجلات الأربع هذه، نلاحظ أنها ليست مجرد صفحات ملونة للتسلية فقط... إذ لا بد من ان تكون مجلة "الطفل العربي" ملونة بكاملها، كما يجب مراعاة الشكل من حيث الاخراج وحجم المجلة ونوعية الورق، وأن تكون أسعارها متهاودة حتى يستطيع أن يشتريها كل الأطفال، أي يحب أن تكون خارج دائرة المتاجرة والسعي لتحقيق الربح من إصدارها. ونلاحظ ان هناك صفحات وزوايا متشابهة في هذه المجلات، ولهذا يجب على القائمين على إصدارها السعي إلى تطويرها وتجديدها وابتكار زوايا وصفحات جديدة غير معروفة سابقاً. أما المسابقات والجوائز والحوافز، فيجب ان تكون مدروسة بحيث لا تصبح بالنسبة للطفل نوعاً من الكسب المادي فقط، فيستعين بالكبار ليضعوا له حلول المسابقات من دون ان يتعب نفسه وعقله كثيراً في حلها. وهناك قصص غربية مترجمة تنشر كما هي، من دون مراعاة فرق البيئة بين الشرق والغرب، فيما لا تزال القصص المأخوذة عن التراث العربي قليلة نسبياً، بحيث ان أكثر ما يؤخذ هي القصص الخرافية أو الملفقة أو المؤلفة استيحاء من نماذج معينة مثل قصص جحا وعلي بابا والسندباء والبعيدة عن القصص الأصلية. أما نقاط ضعف مجلات الأطفال في الوطن العربي، فتكمن في كون أكثرها يقتصر على التوجيه من الكبار للصغار، أي أنها مكتوبة بأقلام كتّاب كبار يكتبون للأطفال، ولا تفكر أية مجلة تخصيص مساحة يكتب فيها الصغار للصغار. لذا يبقى الطفل بالنسبة لهذه المجلات في حالة المتلقي وليس في وضع المبادر أو المساهم. أي أن الكبار يمارسون هذه المجلة نوعاً من الوصاية المفروضة على الصغار. ولا يزال موضوع "الأنسنة" في غالبية المجلات العربية مقتصراً على الاستخدام التقليدي والساذج وغير المدروس لمفهوم "أنسنة الحيوان". وكل ما يكتب هو نوع من الحوارات التي يكتبها كتّاب محترفون على لسان الحيوانات. والمعروف ان اعتماد اسلوب الأنسنة الصحيح لا يتلاءم مع مجرد ان يتحاور حيوان أو أكثر، فعلاقة الطفل بالحيوان لا تعني تحويله إلى كائن انسان، ومسح حقيقة وجوده مشاركاً للإنسان. هذا الحوار مع الحيوان بلغة الإنسان المفترضة يجب أن لا يكسر الحاجز الذي يميز جميع أنواع الكائنات الحية. ولا تزال القصة العلمية، أو قصة الخيال العلمي شبه غائبة عن مجلات الأطفال إلا فيما ندر، وإذا وجدت، فبأسلوب يكون أكبر من وعي الطفل وإدراكه. في حين ان المعلومات العلمية يجب أن تصل إلى التبسيط المدروس حتى يستطيع الطفل أن يستوعبها وتضعه في واقع العصر. من خلال هذه الملاحظات، نستطيع القول إن هذه المجلات التي تصدر في الوطن العربي متشابهة بالطرح والرؤية لعدم وجود تمايز كبير بينها، بحيث يبدو التباين في ما بينها بالشكل أكثر من الموضوع. وبسبب تفاوت الموازنة المرصودة لكل مجلة، تبدو واحدة مترفة وأخرى فقيرة. ولكن محاولات التجديد والتطوير والتنافس وتحقيق السبق لا تزال محدودة.