الكتاب: الإسماعيليون في العصر الوسيط تحرير: فرهاد دفتري ترجمة: سيف الدين قصير الناشر: دار المدى - دمشق 1999 الإسماعيلية أكثر الفرق والمذاهب الإسلامية تفرعاً، وأقربها، بعد المعتزلة، إلى العقل والعلوم الدنيوية. فجناحها الفكري والعلمي المتمثل بإخوان الصفا وخلان الوفا البصريين أفصح مبكراً عن نظريات مهمة في الوجود والمجتمع. وما زال تاريخ تلك الرسائل محط البحث والتقصي، فعلى رغم اعتراف معاصرهم ابي حيان التوحيدي في كتابه "الامتاع والمؤانسة" بوجودهم السري، فإن هناك من يعزيها إلى إمام مستور كتبها لتكون دستوراً لتنظيمه ودولته المزمع قيامها، والتي ستتحقق، حسب اعتقاده، بدورة فلكية محسوبة. أما جناحها السياسي المتمثل بالحركة القرمطية فقد شغل عقوداً طويلة من تاريخ الدولة العباسية، ووصلت طلائعه إلى البحرين بقيادة أبي سعيد الجنابي، وإلى اليمن بقيادة علي بن فضل. وكانت الكوفة في العراق نقطة الانطلاق على يد رجل ما زال غامضاً يدعى الحسين الاهوازي، وآخر انقطعت أخباره بعد عام من انطلاق الحركة يدعى حمدان بن أشعث القرمطي، ونسبة إلى الأخير عُرفت الاسماعيلية بالحركة القرمطية. واختلف المؤرخون المسلمون، كل حسب انتمائه المذهبي، في أمر هذه الحركة، بعد أن روى الطبري أخبارها في العام 267ه وما بعدها. وتظل شهادة الرحالة ناصر خسرو فيها الكثير من الموضوعية في وصف دولة القرامطة التي استمرت حوالى التسعين عاماً من دون أن يتمكنوا من إقامة المجتمع القرمطي كما وضع أسسه مفكرو مذهبهم من الاسماعيليين كاملاً، أو أن يعيشوا يوماً بلا حرب مع الدولة العباسية، والدولة الفاطمية ثم الحركة الإسماعيلية نفسها، حيث الانشقاق عن مركز الدعوة في شمال افريقيا. والقرامطة لم يستسيغوا هذه التسمية، لذا عرفوا مذهبهم في البحرين ب"الأبي سعيديين" نسبة إلى مؤسسه أبي سعيد الجنابي. وقال خسرو في كتابه "سفر نامة"، وكان زارهم بعد وفاة مؤسسهم المذكور، واصفاً نظامهم السياسي بداية من قصر حكمهم وحتى السوق: "وبه تخت يجلسون هم الستة ابناء ابي سعيد عليه، ويصدرون أوامرهم بالاتفاق، وكذلك يحكمون، فيجلس الملوك على التخت والوزراء على تخت آخر، ويتداولون في كل أمر. وكان لهم في ذلك الوقت ثلاثون ألف عبد زنجي وحبشي، يشتغلون في زراعة وفلاحة البساتين. وهم لا يأخذون عشوراً من الرعية، وإذا افتقر إنسان أو استدان يتعهدونه حتى يتيسر عمله، وإذا كان لأحدهم دين على آخر لا يطالبه بأكثر من رأس المال الذي به". كذلك تحدث خسرو عن اصلاحاتهم الاقتصادية، وذكر تعاونهم بأمر العبادة وما قاموا به من حملات عسكرية في المناطق المجاورة، وتعرضهم لحجاج بيت الله الحرام. بمعنى أنه ذكر، كشاهد عيان، ما لهم وما عليهم. لكن كتابه المذكور ظل حبيس اللغة الفارسية حتى فترة متأخرة. ارتبط اسم الاسماعيلية، التي انبثقت بالدعوة للإمام السابع إسماعيل بن جعفر الصادق، بالرقم سبعة، فهناك سبع سماوات، وسبعة أفلاك، وسبعة أئمة، وسبع قوى ممتدة من العقل الأول، وهي: الدهر، الحق، السرور، البرهان، الحياة، الكمال والغنية من الاستغناء أو الغيبة. كما ورد ذلك في الفصل الرابع من الكتاب الذي نحن بصدده. وما يخص القول بسبعة أفلاك، وما يجاريه من القول في السبعات الباقيات، هناك من يشير إلى تأثيرات صابئية مندائية أو مانوية، والصلة بين الديانتين الاخيرتين معروفة... وهناك كذلك تأثيرات رافدينية. يبدو للمتهم في تاريخ وفكر الملل والنحل ان الإسماعيلية أكثر حظاً من غيرها في كثرة الكتب المنشورة لها وعليها، والمخطوطات المحققة من تاريخها. والأمر لا يتعلق بحضور وغزارة الفكر الإسماعيلي فقط، بل يتعلق أيضاً بالامكانات التي هيأتها المؤسسات الإسماعيلية، ومراكز بحوثها المنتشرة في العالم، وأهمها مؤسسة "الاغا خان" المعروفة، إضافة إلى وجود باحثين ومؤرخين إسماعيليين متفرغين لهذه المهام، ومنهم المحرر والمشارك في تأليف الكتاب الذي بين أيدينا، والمحقق عارف تامر الذي حقق عشرات المخطوطات، أقدمها على حد علمي "شجرة اليقين" للداعي القرمطي عبدان. اشترك في تأليف كتاب "الإسماعيليون في العصر الوسيط" أربعة عشر باحثاً متخصصاً في الدراسات الإسلامية والإسماعيلية في العصور الوسطى، وهم من أساتذة الجامعات الأميركية والبريطانية. والمؤسسات الاسماعيلية، ومنهم: ماد لونغ في اطروحتيه "الفاطميون وقرامطة البحرين" و"الداعي أبو يعقوب السجستاني وقوى العقل السبع"، تعرض في الأولى إلى تاريخ الصراع الإسماعيلي - الإسماعيلي، ففي فترة من الفترات طغت الحروب بين أقطاب المذهب على الحروب مع الدولة العباسية.وفي أطروحته الفلسفية "كوزمولوجية الإسماعيليين من العهد ما قبل الفاطمي"، أشار هاينز هالم إلى تاريخ "رسائل اخوان الصفا" ومدى حضورها في الفكر الاسماعيلي في مرحلته الفاطمية، والتأثيرات العرفانية والفلسفية في فكرة الكون عند الإسماعيليين. وفي فصل آخر بحث هالم في العهد الاسماعيلي، وكيفية القبول والتدرج في المذهب، ويتم ذلك عبر تسع مراحل، ويسمى تلقي ذلك العهد أو الميثاق ب"مجالس الحكمة". ومن فصول الكتاب الأخرى: "القاضي النعمان والفقه الاسماعيلي" و"دراسة نقدية لتاريخ بول كازانوفا لرسائل اخوان الصفا"، و"منظور إسماعيلي لتاريخ الأديان" و"رواية إسماعيلية من أدب الفرق الغالية" و"صراع السلطة بين السلاجقة وإسماعيلية الموت"، و"اسماعيلية قوهستان وملوك نيمروز أو سيستان" و"دور الإسماعيليين في العلاقات المغولية المملوكية" و"الجنان الإسماعيلي" قصائد شعرية تأميلية، هامش ص273، و"الحركة النقطوية" و"الوزير الفليسوف خواجة نصير الدين الطوسي". ومن الغرابة أن يجعل حميد دبشي، في هذا الفصل، من الطوسي قائداً عسكرياً لكتيبة من كتائب هولاكو عند الهجوم على بغداد، بينما يشير إلى اهتمامه العلمي، وقيام علاقته مع السياسيين على أساس هذا الاهتمام، فقبلها، على حد قول دبشي، طلب القرب من الخليفة العباسي المستعصم، وان ارتباطه بالإسماعيليين انتج مؤلفات ومراصد فلكية، وكذلك ارتباطه بالتتار نتجت عنه حماية العلماء والمراصد الفلكية والمكتبات في بغداد، وفي ذلك يدافع دبشي بنفس إسماعيلي عن انتماء الطوسي للمذهب الإسماعيلي عن قناعة، محاولاً في ذلك تفنيد ما ذهب إليه بعض الشيعة الإمامية في قوله بمكوث الطوسي بقلعة الموت بالقوة. تتلخص أهمية كتاب "الإسماعيليون في العصر الوسيط" في شموليته لتاريخ فترة من أشد فترات التاريخ الإسماعيلي غموضاً وتشابكاً. فأحداث هذه الفترة كثيرة وسريعة، وخلالها جرت تغيرات مهمة على العقيدة الإسماعيلية، تمثلت في تفتتها إلى شيع مختلفة، كل منها تدعي بإمام مستور، يصعب بمكان التعبير عنها بالعقيدة الأم. لكن الدافع العلمي والمعرفي الذي امتازت به الحركات الإسماعيلية، وحصولها على مناطق امان واستقرار، ساعدا في حفظ تراثها الفكري والوثائقي، وظلت سلمية الشام وآلموت فارس ومناطق أخرى خزائن للتراث المخطوط، مثلها مثل اليمن في حفظ تراث المعتزلة.