سيبقى الاقتصاد العراقي مرهوناً بالتطورات المتصلة بالعقوبات الاقتصادية التي تفرضها الأممالمتحدة على العراق منذ عام 1990. ولن تكون التطورات في القطاع النفطي عاملاً حاسماً في نمو اجمالي الناتج المحلي، بآثارها المباشرة وغير المباشرة، إلا إذا تم رفع العقوبات الاقتصادية واطلاق الحرية لينتج ما يتناسب مع حاجته الماسة إلى ايراداته النفطية. وهذا ما يصطدم بالمشكلة السياسية وملابساتها وتعقيداتها. وعلى رغم ما أحدثه خفض انتاج "أوبك" من ارتفاع في أسعار النفط، وبالتالي في عائدات العراق منه، فإن التحسن لا يذكر إذا احتسبت الأسعار على أساس المتوسط السنوي لسنة 1999، إذ أنه لن يتجاوز في هذه الحال 5.13 دولار للبرميل الواحد، وهذا في حال محافظة أسعار النفط على مستواها خلال الأشهر المقبلة، وبهذا ستتفاقم البطالة، وستبقى مطبقة، تلقائياً، سياسة الاستعاضة قدر الامكان عن العمال العرب بالمواطنين، كما يتوقع أن ترتفع معدلات التضخم نتيجة تحسن أسعار الواردات وانخفاض معونات الحكومة. ولا بد أن يزداد العجز في اجمالي الناتج المحلي في غياب الايرادات غير النفطية على رغم توقف التحويلات الخارجية، كما ان الاقتصاد العراقي لن يكون قادراً على الاستفادة من قيمة الواردات مع ارتفاع أسعار السلع على النطاق العالمي. وينتظر بذلك أن يبقى تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية الدولية دون الحاجة إليها بكثير، مما سيدفع العراق إلى فتح اقتصاداته للمستثمرين من القطاع الخاص، وستحاول الدولة أن تزيد من دخولها في مشاريع مشتركة مع الشركات الدولية، ويتوقع لذلك ان تكون الأشهر المقبلة مناسبة لتوقيع عقود ضخمة في مجالات الغاز الطبيعي والبتروكيماويات والنفط والغاز والالومنيوم، بسبب الحاجة الماسة إلى التمويل الأجنبي، والتقنية والقدرة الأجنبية في مجال التسويق لاحقاً. ومع بقاء العراق معانياً في كل الأحوال من العقوبات المفروضة عليه منذ عام 1990، ظل اقتصاده، وسيظل متأثراً بالتطورات التي تحصل في سوق النفط والتي لها آثار خطيرة عليه، بصفتها مصدر ايراداته الرئيسي، إذا لم نقل الأوحد، خصوصاً في ظل الحصار، لأن هذه الايرادات وبمتغيراتها السريعة ذات تأثير على النفقات الحكومية، وعجز الموازنة، والصادرات، والنمو الاقتصادي، وفرص العمل، والتمويل الخارجي، وبهذا يمكن تصور ما حدث في عام 1998 عندما هبطت أسعار النفط وعائداته ذلك الهبوط الشديد الذي تم تداركه بأسعار النفط المعدلة. وإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتردي بسبب الحظر المعروف، انعكست التطورات التي حصلت في الأسواق الدولية سلباً على العراق، إذ انخفضت أسعار الصادرات الرئيسية إلى سوقه الداخلية وانخفضت أسعار المنسوجات المستوردة من بلدان شرق وجنوب شرقي آسيا، ما سمح للقطاع الخاص العراقي ان يغرق السوق الداخلية بالملبوسات الأجنبية، فتأثرت صناعته الداخلية تأثراً سلبياً بلغ حد ايقاف العشرات من مصانع الألبسة والأحذية ومواد التجميل، وكذلك مصانع المواد الغذائية التي استعيض عنها بالمستورد. كما يمكن التأكيد ان التوقعات الاقتصادية في العراق على المدى القريب لسنة 1999 ستبقى مرهونة بتغيرات الأسعار النفطية، وتطورات عملية السلام في الشرق الأوسط، وما سيرافقها من تطورات اقتصادية في المنطقة والدول المحيطة، وكذلك التطورات المتصلة بالعقوبات الاقتصادية. وقد يغالي بعض الاقتصاديين في توقعاتهم المتفائلة بأسعار النفط في الأشهر الستة المقبلة، لأن أي تحسن مهم في أسعار النفط لا يمكن توقعه مع ارتفاع المستويات الحالية للمخزونات النفطية، والزيادات المتوقعة لانتاج النفط العراقي والآسيوي، ولأن مشاريع انتاج عملاقة في آسيا الوسطى ستبدأ بإضافة امدادات كبيرة إلى السوق. وسيظل القسم الأكبر من الطلب على النفط منخفضاً ومرتبطاً بمستويات النمو المطلوبة في اليابان وبعض الدول المستهلكة الأخرى، والتوقع أن أسعار النفط في الأشهر الستة المقبلة قد تهبط من جديد إلى 10 دولارات للبرميل الواحد، أو ربما أعلى بقليل.