أمير الشرقية يهنئ رئيس المؤسسة العامة للري بمنصبه الجديد    اليوم.. طرح 1.545 مليار سهم من «أرامكو».. السعر بين26.7 و29 ريالاً للسهم الواحد    الراجحي يبحث عن الصدارة في بلاد «ميسي»    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية الإيطالية بمناسبة ذكرى يوم الجمهورية لبلاده    انتصارات الهلال.. هل تهدد مستقبل رونالدو مع النصر؟    إدانة مواطن بجريمة تزوير شيكات تقدر ب أكثر من 34 مليون ريال منسوبة لجمعية خيرية    "فعيل"يفتي الحجاج ب 30 لغة في ميقات المدينة    3109 قرضا تنمويا قدمته البر بالشرقية وحصلت على أفضل وسيط تمويل بالمملكة    «الداخلية»: القتل تعزيراً لنيجيري هرّب الكوكائين إلى السعودية    الصناعة والثروة المعدنية تعلن تخصيص مجمعين لخام الرمل والحصى في بيشة    الأهلي يلاقي الأهلي المصري في اعتزال خالد مسعد    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    470 ألف مستفيد من فعالية الإعلانات الرقمية    "مسبار" صيني يهبط على سطح "القمر"    تواصل تسهيل دخول الحجاج إلى المملكة من مطار أبيدجان الدولي    "الصحة العالمية " تمدد مفاوضات التوصل إلى اتفاقية بشأن الأوبئة    إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة    كارفخال يشدد على صعوبة تتويج الريال بدوري الأبطال    «الصهيونية المسيحية» و«الصهيونية اليهودية».. !    البرلمان العربي يستنكر محاولة كيان الاحتلال تصنيف الأونروا "منظمة إرهابية"    ارتفاع ملموس في درجات الحرارة ب3 مناطق مع استمرار فرصة تكون السحب الممطرة على الجنوب ومرتفعات مكة    جنون غاغا لا يتوقف.. بعد أزياء من اللحم والمعادن.. فستان ب «صدّام» !    عدا مدارس مكة والمدينة.. اختبارات نهاية الفصل الثالث اليوم    توجيه الدمام ينفذ ورشة تدريبية في الإسعافات الأولية    جامعة بيشة تحتفل بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها    غرامات وسجن وترحيل.. بدء تطبيق عقوبة «الحج بلا تصريح»    الإسباني" هييرو" مديراً رياضياً للنصر    فرنسا تستعد لاحتفالات إنزال النورماندي    التصميم وتجربة المستخدم    مقاطع ريلز التجريبية أحدث ميزات «إنستغرام»    لهو الحيتان يهدد السفن في المحيط الأطلسي أرجعت دراسة ل "اللجنة الدولية لصيد الحيتان"، سبب    تحت شعار «أرضنا مستقبلنا».. وحشد دولي.. السعودية تحتفي ب«اليوم العالمي للبيئة»    الدفاع المدني يواصل الإشراف الوقائي في المسجد النبوي    إحباط تهريب 6,5 ملايين حبة كبتاغون في إرسالية "إطارات كبيرة"    «المدينة المنورة» صديقة للتوحد    «تراث معماري»    تكريم «السعودي الأول» بجائزة «الممارسات البيئية والحوكمة»    تعزيز العلاقات الاقتصادية مع ايطاليا    بعضها أغلق أبوابه.. وأخرى تقاوم.. تكاليف التشغيل تشل حركة الصوالين الفنية    اطلاق النسخة الثالثة من برنامج "أيام الفيلم الوثائقي"    البرامج    قصة القرن 21 بلغات العالم    قيصرية الكتاب: قلب الرياض ينبض بالثقافة    روبوتات تلعب كرة القدم!    المملكة تدعم جهود الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار    "أسبلة المؤسس" شهود عصر على إطفاء ظمأ قوافل الحجيج منذ 83 عاماً    توزيع 31 ألف كتيب لإرشاد الحجاج بمنفذ البطحاء    آرسنال يقطع الطريق على أندية روشن    تركيا: تكاثر ضحايا هجمات الكلاب الشاردة    إصدار 99 مليون وصفة طبية إلكترونية    ورشة عن سلامة المختبرات الطبية في الحج    توصيات شوريَّة للإعلان عن مجالات بحوث تعزيز الصحة النفسية    ثروتنا الحيوانية والنباتية    بلد آمن ورب كريم    مشروع الطاقة الشمسية في المركز الميداني التوعوي بالأبواء    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرية الابداع في سورية وموقف "غريب" من مؤسسة العمل السينمائي
نشر في الحياة يوم 02 - 10 - 1999

أنطوانيت عازرية مونتيرة أسامة محمد مخرج عبداللطيف عبدالحميد مخرج عمر أميرالاي مخرج عبده حمزة مدير تصوير جورج بدرية مخرج محمد قارصلي مخرج ريمون بطرس مخرج محمد سالم مدير انتاج فاضل الكواكبي مخرج وناقد موفق قات مخرج نضال الدبس مخرج سمير ذكرى مخرج حسني البرم مدير انتاج بيان طربيه مدير انتاج باسل الخطيب مخرج وليد حريب مخرج ومونتير محمد مرعي الفروخ كاتب سيناريو علي ليلان مونتير هشام المالح مدير تصوير نبيل المالح مخرج بلال الصابوني مخرج نضال دوه جي مخرج محمد شاهين مخرج رياض شيا مخرج غسان شميط مخرج ثائر موسى مخرج عبدالغني بلاط مخرج صلاح دهني مخرج وناقد هند ميداني مخرجة محمود عبدالواحد كاتب سيناريو هيثم قوتلي مونتير. *
- لن ننشر البيان. قال الصوت الناشف على الهاتف آتياً من صحيفة ….
- لماذا؟
- لأن البيان ضدّ الجريدة.
- لكننا الطرف الأساس في قضية السينما، ومن حقنا ان نردّ. اجاب احد السينمائيين الموقعين على البيان.
- على كل حال البيان وصل مشوهاً على الفاكس.
وأرسل البيان ثانية، لكن الصحيفة لم تنشره، ولا الصحف السورية الاخرى.
وهنا يبرز السؤال المرّ: كيف تفتح صحافتنا نار الفساد على احد، ثم تحجب عنه حقه في الدفاع عن نفسه؟ ان في ذلك تبنياً سافراً للاتهام، وهذا فساد أشدّ!
لكن، وللحقيقة، يكفي ان نصغي عميقاً الى صوت الأزمة، ازمة السينما، كي نكتشف ان السينمائيين السوريين ليسوا وحدهم الذين نقشوه على جدران حناجرهم لسنين، فالعديد من زملائهم الصحافيين ردّدوه ايضاً بالغيرة والألم عينهما.
جميعنا يدرك ان السينما شاهد عميق على المجتمع، على محيّاه وصفحته، وعلى كمونه العميق. فحضورها وغيابها سؤالان حضاريان خطيران حول مدى الرقي او الصدأ الذي يطال مفاصل الدولة والمجتمع معاً.
والحالة الراهنة سؤال كبير، فهي غياب السينمائيين عن الصالة، وغياب الصالة عن الصالة، وغياب حوار عميق في المجتمع. كما ان غيابها "سينمانا" عن العالم سؤال خطير، فهو غياب عن الحوار الثقافي مع الآخر، حيث كما تعلمون لا تستطيع الجريدة ولا غيرها ان تلج خضم هذا الحوار، الحوار الحضاري الثقافي الندّي والذي يجعل لوحة، ذاتية جداً وتجريدية حتى، تضيء السؤال حول وطن بأكمله.
المؤسسة العامة للسينما في سورية صرح وطني ثقافي مهم، بات من اللازم تغيير الأسس والقوانين الناظمة له، فقد اصبحت هذه الأسس فارغة المحتوى ودائمة النص، لا تلبي متطلبات استمرارية السينما عندنا وتطورها.
انها سراب الاستمرارية وملح النصوص. الملح الذي يقطر في حلوق المبدعين فيقبلونه حلواً لإطلاق فقاعة الفيلم الواحد في العام.
فقاعة ذهبية احياناً، من هنا وفي مهرجانات العالم البعيدة.
وفقاعة كونها نذير الغرق والاختناق، والنفس الاخير. تأتي من كلية الآلية الناظمة لمكنة الدولة التي لا ترى للسينما والثقافة - الحاجة العليا للبشرية - نصيباً في بحثها وتأملها وميزانيتها الى الفقاعة.
ان الاتهامات الاخيرة، او رصاصات اللعنة التي اطلقتها الصحيفة على السينمائيين ومؤسستهم العامة تباعاً، تجاهل خطير للواقع وللحقيقة في شموليتهما، واهتمام تحر صغير بترهاتهما. انه تجاهل خطير ايضا لسجل حافل بشهادات السينمائيين السوريين حول معضلتهم الأم، ومحاولة سهلة من قبل الصحيفة ذاتها لتقزيم المعضلة في روايات اشخاص عن اشخاص عن اشخاص، من الحماقة طبعاً ان يُحمّل اي منهم وزر تداعي البنيان العام على رؤوس قوانينه، فهؤلاء ليسوا في النهاية سوى ابناء هذه التركيبة الشرعيين والمبدعون لقطاؤها.
وحيث لا نرضى ان تعتصر تجربتنا ورأينا في اتهامات احادية الجانب، محدودة الرؤية، اميّة في فهم خصوصية الفني والثقافي واشكالياتهما. اتهامات تطالب بما يشبه الاعتقال المالي والمسلكي والسياسي لما خلفه سراب المؤسسات وملح القوانين من طرق عمل وعاملين، كل منهم يتحمل مسؤولياته تجاهها تقصيراً او تجاوزاً او اهمالاً، وحيث يصبح التفتيش اكثر فعاليات السينما نشاطاً، فإننا لا نقبل ان تزر وازرة وزر اخرى!
وعلى أوصياء الصحافة عندنا ان يعوا، ان ازمة السينما في سورية هي ليست ازمة اليوم، ولا ازمة السنوات العشر الماضية، ولا التي سبقتها. انها ازمة السنوات العشر القادمة، او ما تبقى من عمر السينمائيين، الذين يراد لسينماهم ان تتحول الى مسألة جنائية يحل بها دمهم، بينما توارى احلامهم وتجاربهم "غير المأسوف عليها" جبانة الذكريات. نحن لا نقبل بقراءة تقلب الهرم لتصبح القضية تفتيشاً في تفاصيل تطيح بالأفراد او لا تطيح، وتبقى السينما جاثية على ركبتيها.
هذا هو روح البيان الذي قاله السينمائيون، وامتنعت الصحيفة عن نشره.
لن نفتح ملف المقارنة الساذجة بين الانتاج السينمائي والتلفزيوني، فهذا يتطلب شروطاً غائبة. لكننا نسأل: لماذا لم نشاهد وتشاهدوا احتفاء واحداً بفيلم سوري، بأسرته ومبدعيه ومخرجه، على الشاشة والهواء، مع خط هاتفي مباشر مع الجمهور والنقاد والسائل وذي القربى؟
هل تعلم عزيزي القارئ ان السينمائيين السوريين انجزوا العديد من افلامهم - التي لا تبلغ العديد مجتمعة للأسف - تحت شفرة تعرفة تخصص 250 ل.س في اليوم لثلاث وجبات طعام ومنامة معاً!!!
وأية مرونة لحل هذه المعجزة - التي لا تستطيع الصحافة ولا التفتيش حلها - اقتضت، مربوطة بتقرير، المثول امام التفتيش.
فاذا كانت المنامة وحدها وفي فندق تحت الوسط او تحت الحزام حتى، تتطلب 500 ل.س = 10 دولارات في الليلة. فهذا يعني ان على السينمائي السوري او العامل في السينما السورية ان يلتهم ايامه وعمره الآتيين ليعيش هذا اليوم. وعليه ان ينام ايامه القادمة في ليلة واحدة دائمة.
مخالفات؟! كانت القشة التي يتعلق بها لينجو الفيلم. وليست التي قصمت ظهر البعير السينما.
ثم تأتي التهمة الموثقة - حسب رأي الصحيفة - لتقول ان 350 مليوناً ليرة سورية بالطبع قد وصلت المؤسسة في ثلاثين عاماً فأين ذهبت!!
350 مليون ليرة سورية، انتجت المؤسسة خلالها ما يقارب اربعين فيلما روائيا، وعشرات الافلام الوثائقية والقصيرة، وانتشلت من البطالة ما يزيد عن 350 فنياً وموظفاً…! 350 مليوناً تقسيم 30 عاماً يساوي 11.66…!.
ان هذه الملايين البائسة، التي يدعي محرر الصحيفة حرصه عليها، هي بحد ذاتها ازورار واحتلاس فاضح لطاقات السينمائيين وأعمارهم على امتداد عقود ثلاثة.
وتصل محابر الأذى في دفاعها عن الظلم والغبن والخطأ الى الافتراء على البشر، فتلصق بهم التهم السياسية القاتلة، كالخيانة والعمالة والتطبيع ومغازلة اعداء الأمة وتهديد الأمن والاستقرار ووحدة البلاد، الى التهم الاخلاقية بالفساد والرشوة والهدر.. الخ، التي ليست اقل افتئاتاً وزوراً:
ففي معرض رده على اتهام الصحيفة له بدعوة مخرج بولوني يهودي صهيوني زانوسي لرئاسة لجنة تحكيم مهرجان دمشق الفائت، أكد المدير العم لمؤسسة السينما ان المخرج المتهم هو رجل مسيحي كاثوليكي.
واذا بالإثبات القاطع لمحرر الصحيفة يهوي من حضيض الأدلة ويعلن: هذا ما قاله لي ناقد سينمائي؟! التهمة اذن تستند الى "قال لي". انه منهج بصاصي، عفى عنه الزمن ونبذه العقل والضمير والعدالة.
وبعيداً عن مبدأ "قال لي"، فإن زانوسي "مسيحي كاثوليكي ومتدين جداً حتى انه كان على وشك دخول سلك الرهبنة المسيحية". فأية صحافة هذه التي تشطب دين الرجل وتغير عقيدته بجرة "قال لي"!. وأية أدلة تصعد الى المانشيت. وتطلب اخيرا المحاسبة السياسية - أليس هذا خطأ سياسياً تجب المحاسبة عليه - يطلبها المحرر المحقق للضحية.
"التطبيع" هذه الكلمة المطاطة والمائعة نطالب بتحريم استخدامها تهمة عشوائية جاهزة على لسان من يريد، اذ تتحول كما نرى وفي ما اوضحناه الى وشاية "بصاصية".
التطبيع كلمة نطالب بحصرها في القضاء حكماً. وفقط حيث يفترض ان ينال الواشي عقاب وشايته ايضاً. لا يكتفي المحرر بالتهم السياسية والمسلكية بل يطالب بضرورة التفتيش الفني، مستنداً الى قوننة امية تدعي مرجعية عالمية، يعتبرها وتعتبرها الصحيفة وثيقة. فيتشدق المحرر بأنه قبض على اختلاس وهدر مبين، ويتهم المؤسسة بأنها دفعت اجراً لممثل يفوق بأضعاف زمن ظهوره على الشاشة! وكأن الأمر يقاس على القبان. وقد نسي "صاحبنا"، او تناسى ربما، ان الصياغة الفنية النهائية لأي فيلم انما هي مقدسة، يضحى من اجلها لا بالثواني والدقائق لظهور ممثل وحسب، بل وايضاً بمشاهد بأسرها، بكل ما فيها من ديكورات وملابس وأدوار مدفوع ثمنها. ولا محاسبة في الفن سوى تلك التي تقيمه فنياً. لا يوجد قانون في الكون يحشر العمل الفني بعلبة واحدة، الا الذي تقترحه "وثائق وأدلة" الصحيفة.
كل عمل يشي على حدة باحتياجاته ومتطلباته، النص ينضح بما فيه: الحقبة، البيئة، الأمكنة، الألبسة، الكثافة، وعلاقات الأزمنة. اللغة الفنية للفيلم هي الفكرة، والفكرة هي اللغة الفنية. وهي تصل الاحاسيس والمشاعر والعقل بآن وليست جملة حوار وتعليم وتلقين. وعالم الصورة شاسع واسع لا يحدد ولا يقونن ولا يمكن تعميم الزمن والكلفة على صورة تسعى للتعبير الجمالي، والذي يتطلب جهداً ومالاً وزمناً مختلفين كل مرة. كل نص فني ينص على متطلباته المالية.
في كل فيلم اخطاء وعثرات يتحملها الجميع. لكن القفز منها نحو قوانين تجعل المبدعين والأفكار والأفلام موحدة مطبوعة بطبعة جاهلة واحدة التفاف على حرية الرأي والتعبير… والدعوة للتفتيش على الفني من خارج المنطق الفني دعوة مستنكرة وأمية واعتداء على حق التعبير.
بسهولة معيبة ومريبة بآن، يجعل المحرر من الوصول الى العالمية - وعواصم العالم - موجباً للتشكيك بالوطنية. ان ما يصل من اعمال السينما السورية الى مهرجانات العالم وخاصة الغربية، يثير ما يثيره من دهشة لدى النقاد والمراقبين هناك، ليس لخصوصيتها الفنية وحسب، بل للحرية الملفتة التي يتمتع بها المبدعون السوريون غالباً في اختيار الفكرة والأسلوب والمقول، وهذا امر لم يكن ليتحقق لو لم تتحه لهم المؤسسة العامة للسينما على علاتها التي لا تعد ولا تحصى.
لكن البعض من حجّاب الثقافة عندنا، لا يقفون عند هذا الحد، اذ لا بد لمتبرع ان يتبرع بالانقضاض على اول جائزة ينالها فيلم سوري في مهرجان دولي، فيدعو الى التشكيك اولاً بأهمية هذه الجائزة، ثم يلتفت الى صاحبها ليسائله عن اسباب وملابسات منحه اياها، هذا اذا لم يتبرع المتبرع نفسه ويشرح لرفاق السوء ما خفي عنهم من معلومات تثير الشبهة والريبة حول الاغراض السياسية المبيتة التي تقف وراء منح هذه الجائزة. وهكذا اذن تفبرك التهم عندنا من تأويلات وأقاويل، تغدو حقائق وادانات وعقابيل، تشكل لها لجان وهيئات، وتنصب من اجلها مشانق!
هل معرض الفن السوري في باريس - الذي تعنى به شيراك في زيارته لسورية - تطبيع او ما شابه؟!.
وهل الفرقة السيمفونية الوطنية متهمة باستعانتها بخبراء اجانب يعلمون موسيقيينا الشباب نوطة عدوه وتطبيعية؟! وهل الفن السوري المعاصر متهم عليه المثول مساء كل يوم لاثبات وطنيته؟! الفن خلق وخلق نفسه صوتاً عميقاً لمجتمعه وصوتاً حراً نحو المحلي والكوني.
كيف يستطيع شخص بجرة قلم ان يقذف بتهمة الخطيئة ما تحاوله او قد تحاوله السينما وبصعوبة كبيرة لفتح هذا الباب الموصد باب الانتاج والتوزيع امام صوتنا الثقافي.
ونحن والصحافة والمتهمون ندرك معضلة توزيع الفيلم السوري والجميع يطالب بحل هذا الحصار.
هل نذكر مجدداً، بالسينما الايرانية التي تحجز منذ سنين موقعها ومقاعدها الدائمة في صالات اوروبا والعالم؟ ان الوصول الى العواصم انجاز كبير للفن والمبدعين ممثلين مجتمعاً بأكمله. لا يحق لمنطق متفسخ تشريحه ممتشقاً سيف الادعاء الرخيص.
فليمنع الاتهام العشوائي، خاصة حين لا تتيح الصحافة حرية الرأي الآخر.
ونعود فتساءل، اين هي الأمانة المهنية اذ تقبل الصحيفة نشر اتهامات مسلكية ووطنية وسياسية وفنية تطاول العشرات، ولا تقبل بنشر بيان لهؤلاء العشرات حين يريدون ان يقولوا رأيهم في قضيتهم!!
اين هي الأمانة المهنية اذ تمتنع الصحيفة عن نشر بيان تمنى السينمائيون ان تكون هي اول من ينشره، ثم تسمح لنفسها التفريط بالأمانة فتدسه للمحرر الذي يشهره في المقاهي مندداً: ان في البيان رائحة السياسة!
يقول السينمائيون في الفقرة الاولى من بيانهم: "في الأفلام البوليسية، حين يعجز رجل الأمن عن الايقاع بالمشتبه به، فانه لا يبقى امامه سوى قمامة هذا الاخير للبحث عن دليل يدينه به.
وهذا بالتحديد ما ترتكبه اليوم أياد صحافية محلية لا تهدف من وراء تقديم "خدماتها المجانية" للدفاع عن السينما ومؤسستها العامة سوى التهافت على حجز مقاعد انتهازية امامية لها في افق المتغيرات المرتقبة.
والمرء اذ يأسف كيف يترك مثل هؤلاء المضللين يقودون اليوم حملة "الأيادي النظيفة" في بلدنا بهذه الطريقة غير المسؤولة، واليهم توكل مهمة نبش ملفات من المفترض ان تكون من اختصاص الجهات التفتيشية والقضائية المعنية حصراً، فانه يتساءل. أي قانون شفهي معيب هذا الذي يقول ان الكلام في السياسة ممنوع! ومتى كان المثقف لا يقول رأيه في السياسة، وهل من تغيير يرتجى اصلاً ما لم يسهم فيه المثقفون؟!. فما بالك اذا كان هذا التغيير يبدأ بهم وبتشييع تجربتهم…
ان كلمة تغيير تسكن الشارع السوري، ويقرع لها قلب الجميع: قلب الشريف وقلب المرتكب، قلب المظلوم وقلب الظالم، وقلب الانتهازي ايضاً الذي عودنا ان ينبض خارج ايقاع التاريخ. نحن نتكلم في السياسة، يا للعار!
بالفعل يا للعار اذ لا نتكلم. لأننا في قضية السينما، كما في القضايا الاخرى للمجتمع، لا نريد للتغيير ان يكون خطوة الى وراء، كما لا نريده ان يكون خطوة في الهواء. ولأننا نرى في ازمة السينما، والثقافة برمتها، قضيتنا وسؤالنا وعمرنا، فإننا نجد في امتناع الصحافة عندنا عن نشر اي اسهام لا يساوم على قضايا التغيير الجوهرية، خرقاً صريحاً ومؤسفاً لحرية الرأي والتعبير، ينبغي عدم السكوت عنه.
ونحن من جهتنا نقول: ان كل هذه التهم وغيرها ليست في واقع الأمر سوى فزاعات يختبئ بها وخلفها من لا يريد للمجتمع ان يصحو، ويتمنى ألف مرة ان يكف السؤال النقدي الجريء والمسؤول عن قضايا الناس الأساسية وهمومهم.
انها دعوات احترازية لتنظيف الوطن من مبدعيه وابداعاتهم، ومن الغنى الاستثنائي الذي تضفيه اسئلة الابداع والفن والجمال من حيوية وفاعلية على المجتمع.
في الأفلام البوليسية، حين لا يعثر التحري على دليل يدين به المتهم، لا يبقى لديه الا ان يشعل الضوء المبهر المعمي، ضوء الاتهام المهزلة التقليدي والبالي، مدعياً انه يعرف عنه كل شيء، يعرف دوافعه وخلفياته..
هكذا جاءت الرصاصة الاخيرة التي اطلقتها الصحيفة في وجه السينمائيين. محاولة نشر عرض بيانهم، وتزوير مآربه الى تهم جديدة. بعد ان امتنعت عن نشره، مكيلة بمكيالين احدهما مثقوب، بالخيبة الأساس: حق الرأي. واصفة اياهم بالمشبوهين. نحن مشبوهون بالسينما. فليطفأ هذا الضوء المبهر، ضوء الاتهام المغرض المتخلف.
نحن ندرك اننا لسنا كتلة سينمائية مصمتة.
نحن لا ننكر ان الشرط الذي اطلق مؤسسة السينما وقيدها ثم رماها في المجهول، محذراً اياها ان تبتل بالماء، قد اصابنا بانفصام بتر ضمائر بعضنا لشح الفرص والحيلة، وحول بعضاً منا الى مخلوقات مفترسة عائمة على سطح ساكن هو الوضع الراهن للسينما.
والتفتيش الذي يعسكر اليوم في ردهات المؤسسة العامة للسينما مخولاً ومؤتمناً، كم نتمنى ان ينجز عمله، وان تكون هذه زيارته الاخيرة لا عشاءه الأخير. لأن محاولة فصل التوأم السيامي السينمائي: الفكرة الابداعية عن تكاليفها ومتطلباتها، محاولة مميتة وقاتلة.
اننا ندرك جيداً ان الحقيقة ليست حكراً على احد منا، وان على السينمائيين جميعاً داخل وخارج المؤسسة، الذين يجمعهم على رغم كل شيء الألم السينمائي الخاص والعام، ان يبدأوا الحوار العميق والمنفتح في ما بينهم للخروج من هذا المعتقل المظلم الذي يدعى ازمة السينما.
* سينمائيون سوريون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.