النهج الذي سارت عليه الشيخة مي محمد الخليفة الباحثة البحرينية المعروفة في الكتابة عن احداث الخليج والبحرين بالذات، يعتبر رائداً في كشف الحقائق بصراحة وموضوعية مدعمة بالوثائق والصور لتقديم كتبها، كما تقول "الى من يقبلون الوجوه المتعددة للحقيقة". صحيح ان الشيخة مي سلكت الطريق الصعب والمحفوف بالمخاطر والمزروع بحقول الألغام الا انها في النهاية تصل عبر إصداراتها الى "كبد" هذه الحقيقة المتعددة الوجوه حتى يتحقق لنا، ولكل انسان، ولا سيما ابناء الاجيال الصاعدة ما نرغب فيه وهو معرفة ما دار ويدور في بلادنا وفرز المواقف حتى نستطيع الاطمئنان للحاضر والبناء للمستقبل. فبعد اصداراتها المتميزة المدعومة بالوثائق عن التاريخ المعاصر للبحرين، أصدرت اخيراً كتاباً قيماً يحمل عنواناً غريباً هو "سبزاباد ورجال الدولة البهية، قصة السيطرة البريطانية على الخليج العربي". وسبزاباد أي "البقعة الخضراء" تسمية فارسية أطلقها المقيم البريطاني، فيلكس جونز على دار المقيمية البريطانية في بوشهر حيث كانت تدار احداث الخليج بساحليه العربي والفارسي، اما المقصود برجال "الدولة البهية" فهو الاشارة الى ممثلي الامبراطورية البريطانية وبينهم لويس بيلي المقيم البريطاني 1862-1873 واللورد كيرزون نائب الملك في الهند ومنظر السياسة البريطانية القائل: "ان دول الشرق الاوسط ما هي الا حجارة على لوحة الشطرنج التي ستحدد اللعبة عليها من الذي يسيطر على العالم"" وبيرسي زكريا كوكس مهندس الحدود الحالية والميجر كلايف كيرك باتريك ديلي المعتمد البريطاني في البحرين 1921-1926. وسبزاباد، أو دار المقيمية البريطانية في بوشهر، كما تسجل المؤلفة تأسست عام 1763 حين حصلت شركة الهندالشرقية على فرمان من كريم خان زند يعطيها حق التجارة مع فارس وبقيت تلك الدار مركزاً للوجود الانكليزي الى فترة الكابتن فيلكس جونز منتصف القرن التاسع عشر حين حصل جونز على قطعة من الارض تطل على البحر وتبعد سبعة اميال من بوشهر. وفي البداية كان الموقع مصيفاً للمقيم، وبالتدريج اضاف اليه أقساماً اخرى أطلق عليها سبزاباد أي "البقعة الخضراء" التي طلت تابعة لبريطانيا حتى عام 1946 عندما انتقلت المقيمية الى البحرين وتحولت دارها الى مصح تابع للحكومة الفارسية. هذا الشرح للاسم يتبعه تقديم للمضمون تمهد الشيخة مي به للمعلومات الفنية التي تقدمها بقولها ان الباحث في تاريخ المنطقة وبالذات البحرين مثل الناظر الى لوحة غير مكتملة أو صورة ضاعت بعض اجزائها، ولهذا فهو مطالب بسد الثغرات الناقصة، فالغائب من قطعها أكثر من الموجود. ورغم ان الصورة الحالية قد تخالف المرسوم سابقاً الا اننا لا نملك خياراً آخر أمام تلك الفترة ومن ذلك المصدر الموثق الوحيد المتوفر للدارس أي التقارير البريطانية، لمتابعة ما جرى في البحرين قبل سبعين عاماً مع تجنب الوقوع في تفسيرات خاطئة خاصة وان هذه التقارير كتبت آنذاك لتخدم السلطة الاجنبية وتعطيها المبررات المطلوبة في ممارساتها الظالمة ضد الحاكم والمواطن ومع ذلك ورغم المهمة المعروفة التي كتبت من أجلها الا انها في الوقت ذاته حفظت لنا آراء الاطراف الاخرى وموقفها من ما حدث ومن تعدد الآراء والحقائق جاءت محاولة الشيخة مي الوصول الى استنتاجات تقترب من الواقع ولا تدعي مطابقته. انه كتاب وثائقي مهم يحتاجه الباحث والاعلامي والمسؤول والمواطن العادي لقراءة صفحات التاريخ والإجابة على اسئلة ظلّت غامضة لفترة طويلة. والى الغد.
خلجة من غداً ألقاك: أنت يا جنة حبي واشتياقي وجنوني أنت يا قبلة روحي وانطلاقي وشجوني أغداً تشرق أضواؤك في ليل عيوني