برعاية محافظ صبيا المكلف"برّ العالية" تُدشّن مشروع قوارب الصيد لتمكين الأسر المنتجة    تعلموا التاريخ وعلموه    نائب أمير جازان يستقبل الدكتور الملا    فعاليات ترفيهية لذوي الإعاقة بمزرعة غيم    طرق ذكية لاستخدام ChatGPT    أمسية شعرية تحتفي بمسيرة حسن أبو علة    ريما مسمار: المخرجات السعوديات مبدعات    بدء تصوير حد أقصى لرمضان 2026    هبوط اسعار الذهب    نقاشات ثرية وحضور واسع بمؤتمر التمويل التنموي 2025    رينارد: اعتدنا على المواجهات الثقيلة    مدرب فلسطين: المنتخب السعودي «مونديالي»    أمير المدينة المنورة يستقبل تنفيذي حقوق الإنسان في منظمة التعاون الإسلامي    ممدوح بن طلال.. إرثٌ لا يرحل    رئيس ديوان المظالم يتفقد محاكم المدينة    أمين الرياض يشارك في أكبر تجمع تطوعي    رصد أكثر من عشرة آلاف طائر في محمية فرسان    وزير خارجية لبنان يقرر عدم زيارة إيران    النائب العام يستقبل نظيره الجورجي    «الأدب والنشر» تناقش تحديث استراتيجيتها    «الثقافة» تختم الفعاليات الثقافية السعودية في البندقية    على هامش شتاء مرات السادس.. معرض منوع لفناني منطقة الرياض    سفير خادم الحرمين لدى سويسرا يقدم أوراق اعتماده سفيرًا غير مقيم لدى إمارة ليختنشتاين    استضعاف المرأة    مستشفى الملك فهد الجامعي يعزّز التأهيل السمعي للبالغين    «طبية الداخلية» تقيم ورشتي عمل حول الرعاية الصحية    تطعيم بلا بروتين بيض    أمير الشرقية يسلّم اعتماد "حياك" لجمعية «بناء»    زواج يوسف    الأرض على موعد مع شهب التوأميات    في ذمة الله    وسط ضغوط الحرب الأوكرانية.. موسكو تنفي تجنيد إيرانيين وتهاجم أوروبا    ترفض الإجراءات الأحادية للمجلس الانتقالي الجنوبي.. السعودية تكثف مساعيها لتهدئة حضرموت    «حساب المواطن»: 3 مليارات ريال لمستفيدي دفعة شهر ديسمبر    اتفاقيات مليارية لدعم القطاعات التنموية    أمير الشرقية ونائبه يعزيان العتيبي في وفاة والده    في ربع نهائي كأس العرب.. الأخضر يواجه فلسطين.. والمغرب تصطدم بسوريا    في سادس جولات اليورباليج.. مواجهة حاسمة بين سيلتيك غلاسكو وروما    «مسألة حياة أو موت».. كوميديا رومانسية مختلفة    في ختام مجموعات كأس الخليج تحت 23 عاماً.. الأخضر يواجه نظيره القطري للصدارة    غرفة إسكندراني تعج بالمحبين    القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا انهيار مبنيين متجاورين في مدينة فاس    أسفرت عن استشهاد 386 فلسطينيًا.. 738 خرقاً لوقف النار من قوات الاحتلال    أمير جازان يرعى حفل «الداخلية» في يوم التطوع    دراسة تكشف دور «الحب» في الحماية من السمنة    نائب أمير مكة: المملكة أولت خدمة المقدسات وقاصديها اهتمامًا خاصًا وجعلتها على هرم الأولوية    4% متوسط النمو السنوي لمشتركي الكهرباء    35 تريليون دولار قيمة التجارة العالمية في 2025    3 % نمو بإنتاج المزارع العضوية    مادورو: نطالب بإنهاء تدخل أميركا غير القانوني والعنيف    الأخضر تحت 23 يواجه قطر في ختام مجموعات كأس الخليج    تصعيد جديد في اليمن يهدد استقرار الجنوب    ولي العهد يستقبل رئيس إريتريا    استئصال البروستاتا بتقنية الهوليب لمريض سبعيني في الخبر دون شق جراحي    جمعية روضة إكرام تعقد دورتها النسائية حول الأحكام الشرعية لإجراءات الجنائز    طيور مائية    ولي العهد يفتتح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    إطلاق «هداية ثون» لتطوير الخدمات الرقمية بالحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سورية وايران على مفترق الانسحاب الاسرائيلي !
نشر في الحياة يوم 05 - 04 - 1998

لم يفوّت وزير الخارجية الايراني الدكتور كمال خرازي فرصة، خلال وجوده في سورية وبعد وصوله الى بيروت، للتأكيد على متانة العلاقة التحاليفة مع دمشق من جهة، وعلى اقتناع بلاده بأن المشروع الاسرائيلي الخاص بالانسحاب ليس أكثر من خدعة أو مؤامرة أو تمهيد لعدوان عسكري جديد على جنوب لبنان من جهة ثانية. لكن مع كل ذلك، أخفقت تأكيداته التي بدت عليها مراعاة موقف سورية من جانب، وحساسيات المتشددين في بلاده من جانب ثان، في إخفاء عناصر اختلافه مع الرؤية الدمشقية المتعلقة بموضوع الانسحاب. وكان وزير الثقافة والناطق الرسمي باسم الحكومة الايرانية عطاء الله مهاجراني، خفف عنه عبء الإحراج في توضيح الأمر، عند إعلانه في لقاء مع الصحافيين في سفارة ايران في باريس يوم الجمعة 28 آذار/ مارس الماضي انه في حال انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان فلا حاجة عندئذ لمقاومة حزب الله اللبناني في الجنوب.
والواقع ان عنصر الاختلاف المقصود بين القيادتين السورية والايرانية، لا يتمثل في تقييد أو عدم تقييد الانسحاب بشروط اسرائيلية مسبقة. فالطرفان متفقان على خطل أي شرط مسبق. إنما العنصر هذا يتجسد في ان الايرانيين، على عكس السوريين، يرون الانسحاب الاسرائيلي في حد ذاته انتصاراً للمقاومة اللبنانية، ما يبرر العمل من أجل تحقيقه دون إبطاء. أما المصلحة الاقليمية واللبنانية فتقتضي ان يصار الى حث الدولة اللبنانية وتسهيل مهماتها المتعلقة بفرض سيطرتها على كل أرجاء لبنان وحل مشكلات الأسلحة ونشاطات حزب الله وفق الطرق القانونية والسلمية، مع مراعاة مصالح كل التكوينات الدينية والمذهبية. ورغم اعتراف الايرانيين بأن الانسحاب يجب ان لا يُعطى معنى عقد اتفاقية سياسية وأمنية منفردة بين لبنان واسرائيل، إلا ان الواضح انهم مهتمون بالتجاوب الحذر مع المبادرة الفرنسية لا يحبذون تسميتها بالمبادرة الاسرائيلية لحساسيات معينة الخاصة بالانسحاب وتوظيفها لصالح الاستقرار والسلام العادل والشامل في المنطقة. ولا أدل على عمق الاختلاف بين الموقفين من ملاحظة ان كل ما جرى الاعلان عنه حول نتائج زيارة خرازي الى دمشق لم يتعد التسريب الى الصحف بأن المحادثات بين الجانبين اظهرت توافقاً على توقع عملية عسكرية في جنوب لبنان!
من دون شك تظل احتمالات العدوان الاسرائيلي قائمة في كل الاحوال، خاصة في ظل سياسات نتانياهو البعيدة عن أي أفق سلمي لحل مشكلات التفاوض العربي - الاسرائىلي على مختلف مساراته. كذلك في حال انطلاق نشاطات عسكرية مفاجئة ضد اسرائيل بهدف خلط الأوراق وشل عملية الانسحاب. غير ان المسألة الرئيسية ليست في توقع ذلك العدوان، بل في كيفية التعامل مع المبادرات والافكار المطروحة لإيجاد منفذ واقعي لإلزام الاسرائيليين بتطبيق القرار 425 والتخلي عن إيذاء لبنان وسيادته ووحدة أراضيه عن طريق عمليات عدوانية متكررة.
هنا يبرز الاختلاف، فإيران تعتبر الأمر في حال تحققه انتصاراً للمقاومة. فيما تلح سورية على القول، ان الاقتراح الاسرائيلي لتنفيذ القرار عبارة عن مناورة لتضليل الرأي العام العالمي وإرباك الوضع في لبنان. والحقيقة ان التفسير الايراني كان يمكن ان لا يزعج دمشق لو كان فنياً أو تكتيكياً محضاً. لكن المشكلة التي ترهق ان التفسير يشير، في جانب أساسي منه، الى مقاصد سياسية متعلقة بما تنوي حكومة الرئيس محمد خاتمي انتهاجه لا للتمايز عن سياسة دمشق فحسب، بل للتفكير الواقعي في إيجاد حلول ومنافذ تسهل عليها الخروج من سياسات ايران السابقة التي كانت تمليها "ايديولوجية الثورة وتصديرها". وفي مقدمها سياستها المتعلقة بالتورط المكلف، مالياً وسياسياً وعسكرياً، في الجنوب اللبناني.
واستطراداً، يمكن الاشارة الى ان طهران كانت تنفق منذ 1991 مبلغاً يربو على 200 مليون دولار سنوياً على تعزيز المقاومة اللبنانية ودعم حزب الله ونشاطات أفواج الحرس الثوري في الجنوب. إضافة الى تمويلات غير مباشرة على شكل تصدير بضائع معفاة من الضرائب الى لبنان عبر وكلاء تابعين لحزب الله كان ريعها يذهب الى دعم المقاومة.
لكن الايرانيين، اثر انعكاس تأثيرات قانون داماتو الاميركي على نشاطهم النفطي والاقتصادي، اصبحوا يشعرون بثقل التزامهم المقطوع لحزب الله. وكان ذلك في الواقع السبب في رواج أنباء قالت، في العام الأخير من ولاية الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، ان طهران بعثت برسالة شفوية عبر طرف ثالث الى تل ابيب مفادها ان دعمها المقاومة اللبنانية ينبع من كونها حركة تحرر وطني تبغي الخلاص من الاحتلال الاسرائيلي. لكن في حال انسحاب اسرائيل، فإنها غير عازمة على إدامة الدعم والتشجيع لنشاطات المقاومة. وعلى الأرجح كان للرسالة وقع جيد، اذ أخذت أوساط اسرائيلية مسؤولة تفضل الحديث، منذ ذلك الوقت، عن أفكار الانسحاب. الا ان معارضة المتشددين في تل أبيب كانت تركز على ان ايران ليست جهة القرار الرئيسي في لبنان. وهي بالتالي لا تملك القدرة الكافية على ضبط المقاومة اللبنانية ومنعها من إيذاء الأمن الحدودي بعد انسحاب القوات الاسرائيلية. اضافة الى ريبة تلك الأوساط وعدم ثقتها بدور ايراني ايجابي في المنطقة.
في ما بعد، جاءت طروحات الرئيس محمد خاتمي لتشجع على مناقشة الانسحاب في تل ابيب. وما زاد من أهمية ذلك، ان القيادة السورية لم تستطيع بعد مباشرة خاتمي مهام منصبه في آب اغسطس الماضي، اقناع الرئيس الجديد بالانفتاح على العراق من جهة، والعودة الى الدعم المطلق لنشاطات حزب الله اللبناني من جهة ثانية. بل على العكس، قررت طهران خفض مخصصاتها المتعلقة بتمويل المقاومة اللبنانية الى مليون دولار سنوياً، اضافة الى كسرها احتكار وكلاء حزب الله اللبناني لاستيراد البضائع المعفاة من الضرائب من ايران، وذلك عن طريق اعطاء قسم أساسي من التوكيلات الى عناصر من أحزاب ومنظمات اخرى بعضها غير اسلامي.
وما أعطى زخماً أكبر لتقليص الدور الايراني في لبنان، ان تطورات مؤتمر القمة الاسلامي الثامن في طهران، في نهاية العام الماضي، اراحت الأخيرة من الحاجة الى جسر دمشق للتواصل مع الدول الخليجية والعربية. فحكومة خاتمي، أخذت تتواصل مع العرب بشكل مباشر وبحرارة كبيرة. فيما كثرت احتمالات التوصل الى حل سلمي لمشكلة الجزر الخليجية الثلاث. والواضح ان الدول العربية والخليجية، تريد تلمس مصداقية طهران في عدم التدخل في الشؤون العربية ومنها الشأن اللبناني. فتلك الدول لا يمكنها القبول لايران ولو بجزء مما تراه مقبولاً لسورية في لبنان. ولذلك يندرج السعي الأخير لپ"الجمهورية الاسلامية" في البحث عن مخرج مشرف لتورطها في لبنان، وبالتالي تسهيل إزاحة ثقل المواقف السورية عن كاهلها، بما يمكن ان يخدم بشكل مؤثر نجاح سياستها الخاصة في التطبيع مع العالم العربي.
الى كل ذلك، هناك شروط الانفتاح على العالم الخارجي، خصوصاً أوروبا واميركا، ولو عبر خطوات صغيرة ومدروسة. وفي مقدم تلك الشروط تقف مسألة تخفيف المعارضة الايرانية لعملية السلام في الشرق الأوسط، ووضع حد لتدخلاتها في شؤون المناطق المجاورة كأفغانستان والبحرين وباكستان وكردستان العراق، أو في شؤون المناطق الأبعد كلبنان والبوسنة ودول آسيا الوسطى. وعند الايرانيين ان تلك الاتهامات تطالهم وتؤذيهم دون سورية. ما يضع على عاتق حكومتهم مهمة دحضها عبر خطوات سلمية وانفراجية. وليس من الملائم، حسب الايرانيين، ان تعارض دمشق جهدهم لتخفيف الاعباء في وقت تفتح هي أبوابها في وجه الجميع ابتداء من الدول العربية واميركا وأوروبا وانتهاء بعرب اسرائيل.
كل ذلك هو ما يرهق سورية ويجعلها مهتمة بممارسة كل ما يمكنها من ضغوط لاقناع الايرانيين بالتخلي عن توجههم الذي أعلن عنه عطاء الله مهاجراني في باريس وامتنع الدكتور خرازي عن دحضه، رغم حرصه على تخفيف وقع كلام زميله مهاجراني عبر وصف الانسحاب الاسرائيلي بپ"المؤامرة والخدعة". وما يرهقها اكثر ان ايران أصبحت تغمز بتفضيلها التوافق مع سورية، من منطلقات التحالف الاستراتيجي، تجاه تأييد انسحاب غير مشروط يفضي الى انتهاء مبررات استمرار المقاومة المسلحة في لبنان. أما في حال عدم التوافق فإنها تجد نفسها مضطرة للاقدام على خطوة آحادية في ذلك الصدد اذا تأكدت من ان تل أبيب جادة في الانسحاب ولا تريد جرّ بيروت الى اتفاقية منفردة تضر بمصالح دمشق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.