المعتذرون والمغفرة    ضبط شخص في القصيم لترويجه مواد مخدرة    بث مباشر لخسوف القمر من أبوظبي مساء غداً الأحد    «إنجاز جنوني»... أول تعليق من مبابي بعد معادلته رقم تيري هنري    إصابة مدرب سان جيرمان بكسر في عظمة الترقوة    سباق بين النصر والأهلي لضم لاعب مانشستر يونايتد    زراعة مليون شجرة موثقة رقميًا في منطقة عسير    المتهم بقتل محمد القاسم يمثل أمام المحكمة الاثنين القادم    عودة العواصف الرعدية بالمملكة على نطاق أوسع    لاعب فلامنغو يقترب من النصر    دورةُ حياةِ حكم قضائيٍّ    مكتبة الملك عبدالعزيز ببكين ترحّب بطلاب اللغة العربية    الغرف التجارية السعودية.. من التشغيل إلى التمكين    مؤسسة جائزة المدينة تعلن عن انطلاق جائزة المعلم في دورتها الثانية 2025 م    أمانة حائل تنظم مبادرة "روّق ووثّق"    استشهاد 13 فلسطينيًا في قصف على غزة    أمطار رعدية وبرد ورياح مثيرة للغبار على جازان وعسير    المركزي الروسي يرفع أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الروبل    الإعلان عن علاج جديد لارتفاع ضغط الدم خلال مؤتمر طبي بالخبر    أسماء لمنور وعبادي الجوهر يحييان ليلة طربية في موسم جدة    إلا إذا.. إلا إذا    إدراج منهج الإسعافات الأولية للمرحلة الثانوية لتعزيز مهارات السلامة    من العيادة الاجتماعية    أمانة القصيم توفر 290 منفذ بيع عبر 15 حاضنة بلدية لتمكين الباعة الجائلين    شمعة تنفذ لقاء تعريفي عن طيف التوحد الأسباب والدعم    جمعية التنمية الأهلية بأبها تختتم مشروع "رفد للفتيات" بدعم المجلس التخصصي للجمعيات وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    مجلس الجامعة العربية يُحذر من مخاطر الانتشار النووي في الشرق الأوسط    إيطاليا تستهل حقبة جاتوزو بخماسية ضد إستونيا بتصفيات كأس العالم    "الأخضر تحت 18 عاماً" يتأهّل لنهائيات بطولة العالم للكرة الطائرة الشاطئية    كأس السوبر السعودي للسيدات : الأهلي يضرب موعداً مع النصر في النهائي    «سمكة الصحراء» في العُلا... طولها يعادل طول ملعبَي كرة قدم    الاتحاد يتعاقد مع البرتغالي"روجر فيرنانديز" لاعب سبورتينج براجا    ترمب: أميركا ستستضيف قمة مجموعة العشرين 2026 في ميامي    حين تتحول المواساة إلى مأساة    خطيب المسجد النبوي: الظلم يُذهب الأجر ويقود للهلاك    خطباء المملكة يخصصون خطبة الجمعة للحديث عن مكانة كبار السن وحقوقهم    خطيب المسجد الحرام: الحسد من أعظم ما يُنغص على العبد طمأنينته    كيف ستغير رسوم الأراضي البيضاء مسار السوق العقارية ؟    من قلب الأحساء إلى العالمية... حكاية اللومي الحساوي    كل عام وأنت بخير    حملة الدراسات العليا بين الموارد والتعليم    هل الروبوتات أكبر خطر يُهدِّد البشريّة؟    التربية بين الأنْسَنة والرقْمَنة    ملامح عامة في شعر إيليا أبو ماضي    اضطراب المساء عند كبار السن (متلازمة الغروب)    النوم عند المكيّف يسبب الخمول    محافظ الخبر يدشن المؤتمر الدولي الخامس لمستجدات أمراض السكري والسمنة    غرفة الرس تستعرض منجزاتها في الدورتين الثالثة والرابعة    استخدام الإنترنت في السعودية يقفز ل 3 أضعاف المعدل العالمي    لا أمل بالعثور على ناجين بعد زلزال أفغانستان    احتجاجات إسرائيلية قرب منزل نتنياهو للمطالبة بصفقة غزة    القيادة تعزّي رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان    أوروبا تعتبر لقاء بوتين وشي وكيم تحدياً للنظام الدولي.. لافروف يتمسك ب«الأراضي» وكيم يتعهد بدعم روسيا    اليوم الوطني السعودي.. عزنا بطبعنا    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    ميلاد ولي العهد.. رؤية تتجدد مع كل عام    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحاجة إلى مبادرة عربية نحو العراق . واقعية سياسية لتأمين مخرج من حال الشك والتهديد 1من2
نشر في الحياة يوم 09 - 02 - 1998

بعد فترة طويلة من السلبية شبه المطلقة من جانب النظام العربي ككل ومعظم الحكومات العربية، ومن العداء والنفور والشك الكامل من جانب دول الخليج نحو العراق، ثمة أخيراً جديد، وإن كان ضئيلاً ومشوشاً إلى حد ما.
والسؤال الكبير الآن هو هل يمكن دفع وتطوير هذا التطور الجديد إلى مبادرة عربية شبه متكاملة، ومفتوحة على التفاعل الإيجابي مع العراق: شعباً وحكومة؟
وقبل أن نجيب عن هذا السؤال، علينا أن نحدد بدقة التطور الإيجابي الجديد، ومداه ودوافعه ومضمونه.
من زاوية المظاهر الواضحة، هناك ثلاثة اختيارات جديدة طفرت إلى السطح في غضون الأسابيع القليلة الماضية.
أولها، وأهمها هو رفض جميع الدول العربية لسيناريو التصعيد العسكري الأميركي ضد العراق في سياق الأزمة التي استغرقت شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي كله بين الولايات المتحدة التي نجحت في حشد مجلس الأمن حول موقفها ولو إلى حد معين، والعراق حول لجنة التفتيش "الدولية" والأعضاء الأميركيين بها.
لقد ظهر هذا الرفض إلى السطح وأعلن رسميا على لسان القادة العرب الكبار في كل الدول العربية تقريباً، بما في ذلك بعض أعضاء الحكومة الكويتية، إن أكثر ملامح الجدة أهمية في هذا الموقف هو إعلان الدول العربية في الخليج وعلى رأسها المملكة السعودية رفض سيناريو التصعيد العسكري، مع إصرارها في الوقت نفسه على تنفيذ العراق الكامل لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وثاني هذه الخيارات هو إعلان نوع من الاستعداد المضمر من جانب غالبية دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، لتحريك الموقف الساكن مع العراق منذ انفجار أزمة الاجتياح العراقي للكويت في آب أغسطس 1990. ويفهم من تصريح ولي العهد السعودي الأمير عبدالله لدى افتتاح أعمال القمة الخليجية الثانية عشرة في الكويت بأن "شعوب الخليج ليس لنا مكان يريح اليوم إلا حين نتخطى الوقوف على أطلال الماضي وآلامه وأحداثه"، بأنه استعداد مضمر لمواربة الباب أو فتحه ولو قليلاً أمام تحسن العلاقات الخليجية مع العراق، وربما إعادة تأهيله جزئياً وتدريجياً في الإطار العربي.
أما ثالث هذه الخيارات فهو "الإعلان" عن خطوات وزيارات متبادلة بين المسؤولين في كل من مصر وسورية مع العراق. وهذا الإعلان يعد جديداً، لأن مثل هذه الزيارات كانت تتم بالفعل في إطار سياسة "الضوء الخافت". بل ويلفت النظر أيضاً أنه بينما لم تتم "مصالحة سياسية" كاملة بين الدولتين العربيتين الشريكتين في التحالف الدولي المناهض للعراق من خارج منطقة الخليج، والنظام العراقي، فإن كلا من مصر وسورية أظهرت - بدرجات متفاوتة بالطبع - استعداداً لإضفاء مغزى سياسي على تدفئة العلاقات الجارية على صعيد تجاري واقتصادي محدود.
ووراء هذا التحسن الجديد في الموقف العربي من العراق ثلاث مجموعات متباينة من العوامل، تتفاوت من حيث تأثيرها على دول "إعلان دمشق" كل على انفراد.
المجموعة الأولى تشمل من دون شك تحرك عاطفة عربية حقة نحو الشعب العراقي، ورفضاً أخلاقياً وإنسانياً و"عروبياً" متزايداً لاستمرار محنة الشعب العراقي تحت الحصار والعقوبات الصارمة التي لم يشهد النظام العالمي لها مثيلاً. ولم يظهر هذا العامل حديثاً، بل كان دائماً كامناً في الواقع منذ إنهاء الإحتلال العراقي للكويت. لكن ما يدفع هذا العامل إلى السطح هو إشراف كل الدول العربية المهمة، بل وكل دول العالم تقريباً على اليأس من إمكان حدوث تغير جوهري في النظام العراقي، وهو ما ينطوي على إدراك متزايد لاستحالة ربط إنهاء معاناة الشعب العراقي بتغير منتظر في النظام السياسي العراقي. ويعني هذا الاستنتاج من الناحية السياسية أن دولاً عربية رئيسية ترى أنه لا بد من تخفيف المعاناة على الشعب العراقي تدريجاً بغض النظر عن احتمالات التغيير السياسي في العراق، أي حتى لو لم يتم هذا التغيير، بل حتى لو لم يتأكد دليل يقطع الشك باليقين في ما يتعلق بإتمام مهمة لجنة نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية. والجديد في هذا الأمر هو أن هذا الاستنتاج أصبح يذاع علناً ولو بقدر من التحوط والتحفظ من جانب مسؤولين مهمين في هذه الدول العربية.
والمجموعة الثانية من العوامل تعد وثيقة الصلة بالاستنتاج السابق، وتتمثل في عدم استساغته والنفور المتزايد من التصعيد الدوري للأزمات الأميركية - العراقية، والتي تأخذ شكلاً عسكرياً. فمن ناحية، تتعاظم تكاليف هذا التصعيد، ومن ناحية أخرى، ثبت أنه لا يؤدي إلى إحداث أي تغير جوهري في داخل العراق، بل إنه في الواقع يؤدي إلى زيادة تركيز السلطة في هذا البلد وتضاعف الجمود السياسي والديبلوماسي للنظام السياسي الحاكم ولطاقم الحكم الضيق المحيط بالرئيس العراقي.
ربما كانت دول عربية في الخليج راغبة في تحمل الأعباء الاقتصادية للتصعيد العسكري الأميركي ضد العراق فيما لو أن هذا التصعيد يفضي إلى تغيير حاسم في النظام السياسي، وبالتالي إلى ما يتوقعه البعض من وضع نهاية حاسمة للمواقف العدائية للنظام السياسي في العراق ضد جيرانه العرب. أما وأن هذا التصعيد لا يفضي إلى هذه النتيجة، فقد أصبحت التكاليف التي تتحملها الدول العربية للأزمات الدورية التي تأخذ طابعاً عسكرياً بين العراق والولايات المتحدة غير محتملة، خصوصاً في ضوء الأوضاع المالية التي لا زالت متأزمة في هذه الدول. بل إن حساب العائد والتكاليف لا يشي بالنزيف المالي والاقتصادي فقط. إذ أن له ضريبة سياسية معنوية أيضاً، خصوصاً في المحيط العربي الذي أصبح أكثر عداءً بكثير وبإطراد للتوجهات الأميركية في العالم وفي المنطقة العربية.
أما المجموعة الثالثة من العوامل فتتمثل في إشراف ما يسمى بعملية السلام على الانهيار في ظل حكم الليكود على الأخص، والتحولات الاستراتيجية العالمية والإقليمية، خصوصاً تلك التي ترتبت على التحالف التركي - الإسرائيلي بالنسبة لمكانة العرب الدولية ومصالحهم العليا كدول وكجماعة قومية.
فمن الواضح أن استمرار فرقة العرب وتمزقهم يضاعف من الاتجاه النزولي في مكانة العرب القومية والإقليمية، وأن إتمام المصالحات التي بدأت في السنوات القليلة الأخيرة هو أمر جوهري لوقف تهميش العرب في الساحة الاقليمية الواسعة. وأنه من دون تسكين التوترات مع العراق، وربما إعادة تأهيلها ودمجها في النظام العربي سيظل هناك شرخ.
غير أن هذه الأسباب كلها التي تدفع نحو مبادرة ما تجاه العراق، لا تبدو كافية للتغلب على عوامل الشك والقلق النابعة من الأداء الفعلي للنظام العراقي، وكذلك من التوقعات السلبية بصدد سلوكه في المستقبل. فلا زالت غالبية الدول العربية تنظر بعين القلق والشك إلى مضاعفة الجمود الايديولوجي والسياسي داخل العراق، واستمرار خطابه البارد تجاه بقية الدول العربية. ويعتقد الزعماء الكبار لعدد من الدول العربية الكبيرة أن نظام صدام حسين لم يتخل عن حلمه في الاستيلاء على الكويت ولم ينفض يده من سياسات الهيمنة والسيطرة على منطقة الخليج، وأنه عازم على الانتقام للهزيمة التي لحقت به في حرب تحرير الكويت.
وتتضاعف هذه الشكوك والمخاوف بسبب عزوف النظام العراقي عن القيام بمبادرات سياسية وديبلوماسية كبرى تجاه جيرانه في الخليج حتى الآن، وتركيز دعايته على تصوير "انتصاراته" في كل أزمة تنشب مع جيرانه ومع الولايات المتحدة، وهو ما يغذي المخاوف من أن يتم تصوير أية مبادرة إيجابية نحوه على أنها "انتصار جديد" يعزز مواقع النظام ورجاله، بما يصب في طاحونة العداء الذي يكنه لدول الخليج.
ولهذه الأسباب كلها، جاءت الإيحاءات الإيجابية ضعيفة وباهتة، ولا يمكن القول بإنها تمثل بداية كافية لمبادرة حقيقية تجاه العراق، حتى من جانب سورية ذاتها، والتي تحلم بتحالف يضمها مع كل من العراق وإيران لموازنة التحالف التركي - الإسرائيلي.
ومع ذلك، فإن ما لدينا من تطورات جديدة هي علامات مشجعة على إمكانية فتح الباب أمام صياغة مبادرة سياسية واقعية تجاه العراق.
وعندما نتحدث عن مبادرة سياسية واقعية نقصد شيئاً وسيطاً بين الانفتاح الكامل على العراق وإعادة إدماجه فورياً في النظام العربي من ناحية، واستمرار الوضع القائم، كما هو دون تعديلات جوهرية، من ناحية ثانية.
مثل هذه المبادرة السياسية الواقعية هي وحدها التي قد يكتب لها النجاح، بشرط أن تستلهم النماذج التاريخية للمبادرات السياسية الكبرى، والخبرات الملموسة للتعاطي مع النظام العراقي في الإطار العربي والاقليمي، وبعضاً من أهم منجزات واستنتاجات علم السياسة وفنون الديبلوماسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.