أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    أبو ملحة يشكر أمير عسير    ضبط 3 مخالفين بالمحميات    الهيئة الملكية لمدينة الرياض تعلن نتائج القرعة الإلكترونية لمنصة التوازن العقاري    "رينارد": نسعى لإنهاء مشاركتنا بأفضل صورة ممكنة في كأس العرب    الأخضر يختتم استعداده لمواجهة الإمارات في ختام مشاركته بكأس العرب    ولي العهد يعزي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ جابر مبارك صباح الناصر الصباح    فيصل بن مشعل يدشّن 10 مشروعات طرق بالقصيم بقيمة 349 مليون ريال    أمير جازان يدشّن انطلاق التصفيات الأولية لمسابقة الملك سلمان بن عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم    الطفل يضع بصمته في كتاب جدة 2025    وزير الصناعة: إلغاء المقابل المالي سيسهم في تعزيز تنافسية الصناعة السعودية عالميا    إعفاء متبادل من التأشيرات لحملة الجوازات الدبلوماسية بين السعودية والهند    محافظ الأحساء يرأس اجتماع برنامج المدن الصحية    إطلاق مبادرة "احترافية القرار" لتمكين طلاب المرحلة الثانوية من مهارات اتخاذ القرار    برنامج جودة الحياة يطلق تقريرًا ومؤشرًا لرصد التقدّم في المملكة    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء جمعية "تعافي"    لقاء ديوانية جمعية أكابر لكبار السن بمنطقة عسير لعام 2025م    الشؤون الإسلامية بالمدينة تشارك في البرنامج التوعوي "إنما يعمر مساجد الله من آمن" بمحافظة ينبع خلال شهر جمادى الآخرة    القيادة تهنئ ملك مملكة بوتان بذكرى اليوم الوطني لبلاده    أمين التعاون الإسلامي: السلام العادل لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال والاستيطان وتجسيد سيادة دولة فلسطين    الشؤون الإسلامية بجازان تُنفّذ (555) جولة فنية في الجوامع والمساجد خلال شهر نوفمبر 2025م    نائب أمير منطقة مكة يستقبل وفد من أعضاء مجلس الشورى    جستر محايل تزور غرفة عمليات المدن الصحية بالمركز الشبابي    أمير منطقة الجوف يرأس اجتماع المحافظين الأول للعام 1447ه    وزير الخارجية يستقبل رئيس مجلس أمناء وأعضاء مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية    المساحة الجيولوجية : الهزة الأرضية المسجلة اليوم بالمنطقة الشرقية لم تحدث خسائر    أمانة الشرقية ومركز البركة يوزعان 300 حقيبة شتوية على عمال النظافة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    نوح ومحمد أكثر الأسماء شعبية في كندا لعام 2024    صعود العقود الآجلة لخام النفط الأمريكي    مظلات المسجد النبوي.. تُحف وإبداع معماري    شوطا «المنغولية» في أكبر تجمع للصقور بالعالم    مسجد عمر بن الخطاب.. معلم إسلامي تاريخي يروي بدايات العمارة الدينية    «هيئة الحرمين» توفّر سوارًا تعريفيًا للأطفال    أمير نجران يُدشِّن مبادرة النقل الإسعافي للمرضى المحتاجين    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالصحافة يفتتح أحدث مركز للطب النووي والتصوير الجزيئي    تعليق الدراسة.. قرار تنظيمي تحكمه إجراءات ومعايير واضحة    أبها يحافظ على الصدارة.. وسباق الهدافين يشتعل بين سيلا سو و نوانكو    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيسة تنزانيا    في دور ال 32 لكأس ملك إسبانيا.. قطبا العاصمة أمام تالافيرا وبالياريس    باريس سان جيرمان وفلامنغو في نهائي كأس القارات    «أمهات المختطفين»: عذبوا المحتجزين.. مطالبة باستبعاد مسؤولين حوثيين من مفاوضات مسقط    فوز المملكة برئاسة اتحاد إذاعات الدول العربية    الإعلام تنظم جلسة «حديث إمباك» بصنع في السعودية    الرياض وجمال المطر    ترفض أي وجود لقوات غربية.. روسيا تسعى لإنهاء الحرب في أوكرانيا    تصعيد القتال في كردفان وتدهور الوضع الصحي.. «الدعم السريع» يقصف المستشفيات والمناطق المدنية    الحياة الفطرية يطور الحوكمة ب« الثقوب الزرقاء»    السعودية تعزز التعاون الدولي في التحول الرقمي    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    حققت 26 جائزة متقدمة على الولايات المتحدة الأمريكية.. السعودية الأولى عالمياً في مسابقة WAICY للذكاء الاصطناعي    أمينة العنزي: أول رائدة في مجال الصقارة بالحدود الشمالية    إطلاق برنامج «خبراء التطوير المهني» التعليمي    الصحة العالمية: ظهور سلالة فيروسية جديدة للإنفلونزا    5 أشياء في منزلك تزيد من خطر السرطان    ساركوزي قد يمثل أمام القضاء مجدداً بشبهة التلاعب بالشهود    ترامب وقع أوامر تنفيذية في أقل من عام أكثر ممّا وقعه في ولايته الأولى    أمير جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيء آخر يخصنا في قضية روجيه غارودي
نشر في الحياة يوم 16 - 02 - 1998

من وجهة النظر الضيقة، تبدو محاكمة غارودي شأناً فرنسياً خالصاً. انه فرنسي يحاكم في فرنسا طبقاً للقانون الفرنسي. وفي افتراض اكثر تسامحاً، قد تكون المسألة امراً اوروبياً، باعتبار ان بعض أهم حيثيات القضية، كواقعة المحرقة اليهودية تصديقاً او تشكيكاً، تتعلق بأطراف أوروبية. مثل هذا الفهم يثير تساؤلات مشروعة ومفهومة للوهلة الاولى عن دواعي الانشغال العربي - وغير العربي في الحقيقة - بمسار المحاكمة ونتائجها.
ولا يقلل من شرعية هذه التساؤلات، ان يكون غارودي ممن نذروا شطراً من حياتهم الفكرية المديدة لتوضيح الحقوق العربية في مجرى الصراع الصهيوني - العربي. فالأصل ان هناك كثيرين غير الرجل، انبروا قبله وبعده، للمهمة ذاتها، من دون ان تحفهم العناية العربية المتعددة المظاهر، التي لاقاها. كما انه من غير الشائع تشكيل لجان عربية مختلفة الوظائف، مالياً او فكرياً او سياسياً، لمساندة كل من تقوده خطواته للاقتراب من الموقف العربي في عوالم الآخرين في الجهات الأربع. طبعاً، سوف يكون مبعث ثقة لمساندي هذا الموقف ان يصبح الائتلاف حول غارودي عن قرب أو عن بعد سابقة تتلوها لواحق، لكن التعاطف مع القضايا العربية، يفترض انه قائم على اتساق مبدئي من اصحابه مع مُثل العدل والحق والإنصاف والاخلاق قبل اي اعتبار آخر، بما في ذلك الانحياز للعرب عن سابق إصرار. ونحسب ان هذه الملاحظة واردة تماماً في حال غارودي.
نود القول بوجود وجهة نظر اكثر رحابة يمكن عبرها تفهم الاحتفاء العربي بقضية غارودي، فالقضية على فرنسيتها واوروبيتها، لها أبعاد أخرى تطاول فلسفة التعامل الحضاري الغربي مع قضايا الفكر والبحث العلمي. ويمكن الزعم بأن حيثيات هذه القضية، نكأت التناظر القديم المتجدد حول صحة او خطأ الغلو في تعميم احتضان هذه الفلسفة في غير موطنها، بين يدي ثقافات غير الثقافة الليبرالية الغربية بمنتجاتها القانونية والفكرية.
بهذا المفهوم، فإنه حتى لو لم يكن غارودي مناصراً للقضية العربية او كانت محاكمته على غير صلة قوية بالمسألة الصهيونية وشواغلها، لحقّ الاهتمام العربي بهكذا محاكمة. ان اختبار حدود التعاطي الفرنسي - والغربي بالتداعي - مع قضايا الاجتهاد العلمي والبحثي، الذي تتيحه هذه المحاكمة، تثير الشهية لدى انصار المنظور الحضاري الغربي للحريات وخصومه والواقفين منه بين بين على حد سواء.
تقول حيثيات قضية غارودي، إن هناك صندوقاً أسود لا يجب الاقتراب منه، يحوي ملف قضية - هي المحرقة اليهودية بزعمهم في هذا الاطار - صدرت في شأنها الكلمة النهائية وقيلت بلا معقّب. ويعني ذلك، في التحليل الاخير، وجود خطوط حُمر لحرية البحث، وان اضطلع به عَلمٌ من أعلام الفلسفة والفكر، فما بالنا بمن هم دونه قدراً وعلماً؟
وما دام الامر كذلك عند دعاة التنوير والاجتهاد بلا آفاق في معقلهم الاول في الغرب الحضاري، فمن اين جاءت جرأة محافلهم ومنتدياتهم كلها تقريباً، على الادعاء بغير هذه الخطوط بالنسبة للآخرين؟ تحدث غارودي واجتهد في مسألة، كان هو ذاته احد شهود عصرها، منذ خمسين عاماً ونيف فقط. وهو مارس في اجتهاده احد أبرز مناهج البحث، فرنسية المنبع، منهج الشك والتأمل واستخدام القرائن والارقام. وانتهى الى محصلة، يستطيع الآخرون دحضها او التأمين عليها بالادوات البحثية نفسها. ومع ذلك، أخرج المدعون عليه بالحق التاريخي أو البحثي أو القانوني - لا ندري ايها نستخدم، قانوناً ثبتت جهوزيته منذ عقود. وهذا يثير السؤال: ماذا لو أفضى جهد الرجل الى تأكيد الشائع فرنسياً اوروبياً، غربياً عن الواقعة موضع البحث؟
المتصور انه لو حدث غير ما توصل اليه غارودي عكسه بخاصة لما قامت قيامة المدعين عليه. فكأن المقصود بالحظر، ليس البحث في ما "قيلت فيه الكلمة الاخيرة"، وانما الإتيان بما يخالف الثابت جدلاً حول القضية موضوع البحث بالتحديد. وهذا عين الشطط في خصومة البحث العلمي. وقد لا يوازيه سوى الذي حدث عندما رأى البعض ان الارض كروية على خلاف المستقر منذ بضعة قرون. فتحت هذه المحاكمة، على كل حال، وبغض النظر عن مآلها الاخير، هناك باب ستلج منه دعاوى العاطفين على ضرورة وجود محظورات في قضايا البحث والاجتهاد في رحاب ثقافات كثيرة، ومنها الثقافة العربية. الامر الذي سنعلم نبأه بعد حين قريب او بعيد. ولعله يحمد لغارودي افتتاحه واقتحامه لقضية "كاشفة"، فليس الرجل بالساذج الذي اخذ على غرة من رد الفعل القائم حوله وحول مقولاته.
وهو ابلغ كل من يعنيه الامر عن وجود اكثر من مكيال غربي..! حتى في ما يتصل بقضايا الفكر والبحث وحرية الرأي. واغلب الظن أن المتربصين بهذه القضايا بمحمولاتها الغربية، سوف يلتقطون طرف الخيط. ذلك ان لهم بدورهم مكاييلهم، طالما ان لحراس قلاع التنوير وحرية الرأي ما يقولونه ويقدرونه من مكاييل.
وفي المناسبة، فإنه في ما يخص قضية المحرقة، بصفتها موضوع المحاكمة، يبدو ان على خصوم غارودي ومَنْ والاهُم، الاختيار بين التعامل من منطلق واحد من خيارين: فإما ان الملف مغلق بكامله، بحيث يشمل ذلك التوقف عن المتاجرة به فكرياً وسياسياً... إلخ. وإما انه ملف مفتوح - كما هو قائم منذ اكثر من خمسين عاماً - وهنا يكون من السخف حظر التدقيق في حيثياته، ويكون من الاكثر سخافة التربص بمن لديه كفاءة الاضطلاع بمهمة إعادة النظر في محتوياته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.