لم يكمل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان جولته المغاربية، لكن المرجح ان الصورة اكتملت لديه عن المخارج الممكنة لتنشيط مسار التسوية في الصحراء الغربية. وبعد "الاستفتاء" الذي استقبل به الآلاف من الصحراويين أنان في "العيون" عاصمة الاقاليم الصحراوية، لم يعد أحد يشكك في ان الاستفتاء الذي تعد له الأممالمتحدة، والمقرر أواخر العام المقبل، سيكون تكريساً لمغربية الصحراء. قيمة الزيارة الأولى لأنان الى المنطقة المغاربية، والتي اضطر لقطعها بسبب تداعيات الأزمة العراقية أنها أخرجته من عالم الملفات والقرارات المتراكمة على مكتبه في شأن أقدم نزاع في القارة الافريقية ليشاهد ويسمع من الفرقاء رؤاهم واقتراحاتهم. وطبعاً ليس من رأى كمن سمع، وليس من سمع شيوخ القبائل الصحراوية كمن قرأ أوراق الملف، وفي مقدمها قرار محكمة لاهاي الذي ثبت أحقية المغاربة باسترجاع صحرائهم كونها كانت جزءاً من أر ضهم قبل الاحتلال الاسباني. ربما بات أنان يدرك بعد جولته انه لولا التداخلات الاقليمية في القضية لعادت الصحراء الى المغرب لدى انسحاب الاسبان منها في 1974 من دون إثارة أي نزاع اقليمي، تماماً مثلما عاد شريط "سيدي ايفني" الى المغرب بعد جلاء الاسبان عنه، أو قاعدة بنزرت الى تونس بعد اخلائها من القوات الفرنسية. ولعل أنان أدرك ايضاً ان المغرب يقدم تنازلاً للمجموعة الدولية بقبوله اللجوء الى الاستفتاء في قضية بتها التطور السريع للوقائع منذ أقام المغرب "الجدار الأمني" في الثمانينات لحماية المدن الصحراوية من هجمات قوات "بوليساريو" المدعومة من الجزائر. فالواقع السكاني والاقتصادي والعمراني الذي عاينه أنان في "العيون" والمدن الأخرى الصحراوية فضلاً عن الكلام الذي سمعه من المواطنين الصحراويين لا يدعان مجالاً للشك في ان الاستفتاء معلوم النتائج مسبقاً مما يلقي الضوء على دوافع الاطراف التي تعرقل انطلاق قطار الاستفتاء، خشية ان يرسو في غير المرساة التي يتمنون. ومن حق أنان ان يغضب، مثلما عبر عن ذلك قبل بدء جولته، من التأخير في الإعداد للاستفتاء، بل لعل ذلك من واجبه "كاطفائي دولي" فوضت اليه دول العالم إنهاء النزاعات ومنع الحروب وتعزيز السلام. لكن طبيعة مهمة الاطفائي تقتضي تحديد مصدر استمرار الحريق. فإذ كان لا بد من إجراء الاستفتاء لإقفال نافذة الصراع ووقف النزف المستمر بسببه منذ ثلاثة عقود، على الأممالمتحدة ان تظهر صرامة اكبر مع من يعطل هذا المسار، وتدرك ان الخوف من الهزيمة هو الدافع للعرقلة. وليس المهم ان أنان ربما توصل الى هذه الحقيقة أو استنتجها من لقاءاته المكثفة في المنطقة، وانما ان يقولها صراحة في تقريره المرتقب