الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب شرقي أفغانستان    مجلس الجامعة العربية يُحذر من مخاطر الانتشار النووي في الشرق الأوسط    إيطاليا تستهل حقبة جاتوزو بخماسية ضد إستونيا بتصفيات كأس العالم    غرينوود على رادار النصر مُجددًا    "الأخضر تحت 18 عاماً" يتأهّل لنهائيات بطولة العالم للكرة الطائرة الشاطئية    كأس السوبر السعودي للسيدات : الأهلي يضرب موعداً مع النصر في النهائي    «سمكة الصحراء» في العُلا... طولها يعادل طول ملعبَي كرة قدم    الاتحاد يتعاقد مع البرتغالي"روجر فيرنانديز" لاعب سبورتينج براجا    مبابي وأوليس يقودان فرنسا لبداية مظفرة لتصفيات كأس العالم    ترمب: أميركا ستستضيف قمة مجموعة العشرين 2026 في ميامي    القبض على إثيوبي في الباحة لترويجه مادتي الحشيش والإمفيتامين المخدرتين    الذهب يسجل مستوى قياسيا بفضل توقعات خفض الفائدة    حين تتحول المواساة إلى مأساة    هيئة الموسيقى و«فيلهارموني باريس» يوقعان برنامجًا تنفيذيًا للتعاون في مجال الموسيقى    إنزاغي يُسجل ثنائي الهلال الأجنبي في النخبة ويتمسك باستمرارهم    حقيقة تحمل الهلال راتب ميتروفيتش في الريان    الأمن البيئي: غرامة صيد الذئب العربي 80 ألف ريال    جمعية رواد العمل التطوعي في جازان تعقد ورشة تدريبية بعنوان "بناء الفرص التطوعية"    السجن والغرامة لمرتكبي المخالفات التي تهدد السلامة العامة    خطيب المسجد النبوي: الظلم يُذهب الأجر ويقود للهلاك    خطباء المملكة يخصصون خطبة الجمعة للحديث عن مكانة كبار السن وحقوقهم    خطيب المسجد الحرام: الحسد من أعظم ما يُنغص على العبد طمأنينته    طقس ممطر ورياح مثيرة للأتربة على عدة مناطق    المعمرون أقل عرضة للأمراض    كيف ستغير رسوم الأراضي البيضاء مسار السوق العقارية ؟    الرواية.. سحر الحكاية وشغف القراء    التربية بين الأنْسَنة والرقْمَنة    ملامح عامة في شعر إيليا أبو ماضي    إنهم يشوهون المثقفين 2/2    مفردات من قلب الجنوب 19    لقاء الثلاثاء بغرفة الشرقية يناقش صناعة السينما في السعودية    من قلب الأحساء إلى العالمية... حكاية اللومي الحساوي    هل الروبوتات أكبر خطر يُهدِّد البشريّة؟    حملة الدراسات العليا بين الموارد والتعليم    كل عام وأنت بخير    اضطراب المساء عند كبار السن (متلازمة الغروب)    النوم عند المكيّف يسبب الخمول    إتاحة الدراسة عامين لخريجي الثانوية الراغبين في رفع معدلاتهم التراكمية    الجوف تشهد انطلاقة أعمال السجل العقاري    محافظ الخبر يدشن المؤتمر الدولي الخامس لمستجدات أمراض السكري والسمنة    ضبط 26 مخالفًا لتهريبهم (450) كيلوجرامًا من القات المخدر    غرفة الرس تستعرض منجزاتها في الدورتين الثالثة والرابعة    السعودية تفرض قيوداً على لعبة روبلوكس لتعزيز الأمان الرقمي    الطريق البري بين المملكة وعُمان إنجاز هندسي في قلب الربع الخالي    استخدام الإنترنت في السعودية يقفز ل 3 أضعاف المعدل العالمي    احتجاجات إسرائيلية قرب منزل نتنياهو للمطالبة بصفقة غزة    القيادة تعزّي رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان    أوروبا تعتبر لقاء بوتين وشي وكيم تحدياً للنظام الدولي.. لافروف يتمسك ب«الأراضي» وكيم يتعهد بدعم روسيا    لا أمل بالعثور على ناجين بعد زلزال أفغانستان    الواحدي والدغاري يحتفلان بزفاف محمد    100 % امتثال تجمع جدة الصحي الثاني    حُسنُ الختام    اليوم الوطني السعودي.. عزنا بطبعنا    فضيلة المستشار الشرعي بجازان "التماسك سياج الأوطان، وحصن المجتمعات"    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    ميلاد ولي العهد.. رؤية تتجدد مع كل عام    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهر من الرؤية للتلفزيون السوري
نشر في الحياة يوم 31 - 01 - 1998

حكايتنا - نحن العرب - كبيرة مع التاريخ، وحكايتنا ايضاً، كبيرة مع التلفزيون.
مع الأول، لم نتفق بعد، وربما منذ ألف وأربعمائة عام، على الرواية الموضوعية لأحداثنا المهمة. ولم يستطع ان يُقدم عرضاً للوقائع - محايداً أو شبه محايد - الا بعض الجوابين في الآفاق، ولنذكر منهم حلاقاً دمشقياً بسيطاً لا يعرف الا ان يسجل ما يرى ويسمع - وما يستطيع حلاق رؤيته وسماعه، قليل الكثافة - ذلك كان البديري الحلاق.
ومع الثاني، ذاك الذي جاءنا صندوقاً غريباً عجيباً، في مسافة اختراق لا تماثلها تلك التي للاذاعة المسموعة، دخل التلفزيون الى مجتمعاتنا العربية مُقيداً منذ البداية، وما يزال. وامتدت سلاسله الآن من الأرض حتى الفضاء. الا انه كما اعتاد السجين "الفائر الدم" ان يقول انه حر في سجنه، يرى العرب في تلفزيوناتهم نسمات حرة تكفيهم زاداً للمعاد.
ومع وجود الحرية التي يقدمها لنا النظام العالمي الجديد - ولا مُزاح! -، اخذت تظهر على الشاشة الصغيرة التي تحتل غرف جلوس البشر، واحياناً غرف نومهم، مسلسلات "تتصدى" للتاريخ العربي الحديث، ومنها ما ظهر على شاشة التلفزيون السوري ك "حمام القيشاني" الذي عرض في رمضان، من تأليف دياب عيد واخراج الممثل المخضرم هاني الروماني. وهو يسرد حكاية أو حكايات في فترة الانقلابات العسكرية التي حدثت في سورية بين الاعوام 1949 - 1954، بعد حرب ضياع فلسطين في عام 1948. ولعل ما شد الناس الى شاشة التلفزيون خصوصاً، تلك الدراسة الممتازة نصاً واخراجاً للشخصيات، في عمقها الشعبي والانساني و"الشامي". لكن الناحية التي تشدنا هي التاريخ وطريقة تناوله.
يتحمل دياب عيد وحده مسؤولية تجميع "التأريخات" المختلفة للمرحلة، من نصوص متنوعة وسير ذاتية وذاكرات شفوية ليصوغ "تأريخه الخاص".
والميزة الجديدة هي تناول القوى السياسية وطريقة عملها ومناحي اهتماماتها، بشكل صريح ومباشر، وهي ميزة شدّت المشاهدين وشدهتهم، بعدا ن بعُد عهدهم عن مثل هذه الصراحة والمباشرة.
يتابع المشاهد نشاطاً تفصيلياً ومتغلغلاً في حياة شخصيات تنتمي لأحزاب مختلفة: الشيوعي، والسوري القومي الاجتماعي، والبعث. اضافة الى احزاب اخرى كانت موجودة في تلك المرحلة. و"يطمح" كاتب النص هنا، فيدخل المشاهد من تحت قناطر اجبارية تصل به الى التعاطف مع البعض أكثر من البعض الآخر، ليصوغ "وحدة وطنية" في عقل المتلقي - ربما يُشكر عليها -، مع المغامرة ببعض الوقائع احياناً، تصل الى ان يجعل اثنين من اصل خمس من شخصيات المسلسل التي تشارك في جيش الانقاذ، من الشيوعيين.
وفي "خان الحرير"، في جزئه الثاني، الذي كتب نصه نهاد سيريس وأخرجه هيثم حقي، نتابع اشخاص الخان في عهد الوحدة السورية - المصرية بين عامي 1958 و1961، وهي مرحلة "ملتبسة" ومختلف عليها، يتملك الراغب في معالجتها - الى جانب عوامل اخرى -، خوف من فتح جراحٍ وخلافات يخشى بعثها في سياق اللهاث والارهاق المستمر سياسياً وفكرياً واجتماعياً.
لنهاد سيريس وهيثم حقي حقهما في الطرح ما دام متاحاً لهما، وهذا ايجابي في ذاته، وهو أفضل من عدم الطرح مهما أثار ذلك من الغيظ لدى آخرين. فلعله يفتح باب الجدل الحر حول مراحل حساسة كثيرة من تاريخنا الحديث، عليها رصدٌ من "الجان". يقول "خان الحرير" لمن يشاهده في وثيقة تلفزيونية ان "الوحدة" تلك كان سقوطها "حتمي". وربما كان ذلك صحيحاً. لن نتحدث هنا في هذا الأمر. ولكن، ان يقول ان "الناس" قد انقسموا في موقفهم من الانفصال نصفين، فالذاكرة العادية تحتج، حتى وان لم يعد البعض معجباً الآن، وبنفس الطريقة، بتلك الحالة الشعبية. وايضاً ان "يقول" ان غياب الديموقراطية كان السبب الحقيقي لسقوط الوحدة، فهذا مقبول في الشكل على الأقل، ولكن، ان تصاغ الشخصيات في حجم وجودها وعمقه واقناعه للمشاهد، بحيث نغفل الجانب الديموقراطي في الاقرار بأن "الجماهير" كانت مع الوحدة وضد الانفصال فهذا خطأ تاريخي. وحين تظهر قرارات التأميم في المسلسل مرتجلة وخاطئة، تضرب النمو الصناعي والرأسمالي، فهذا حق الكاتب ايضاً، وان يجعلها سبباً مباشراً للانفصال لأمر مقنع، ولكن ان يغفل ما هو غير مباشر وأكثر عمقاً ودقة في ما تمثل دولة الوحدة من مدخل قومي الى الاستقلال والتحرر والتقدم - الأمر الذي عكسه كثيراً الجزء الأول من خان الحرير حول فترة ما قبل قيام الوحدة - فهو نقطة سلبية.
وربما كان مجيء شخص واحد ليؤرخ لفترة لم تفتح بعد، ويفتحها بعد طول كتمان، أمراً من باب "في الحركة بركة". كما ان الطلب من الفرد ان ينتظر لجاناً لتبحث بحثاً اكثر موضوعية، غير مضمون العواقب، بعد تجارب فرّغت اللجان من مضمونها ولكن، بوسع المرء القول دائماً: عسى خيراً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.