لا يتوقف الفنان الفلسطيني المقيم في باريس ناصرالسومي عن التجريب في معرضه الجديد الذي افتتح في غاليري «أجيال»، ولا يقف عند اسلوب معين، فهو في كل معرض يقدم مقترحات تشكيلية مختلفة، من خلال التجريب الذي يمنحه مساحة واسعة لتنفيذ أفكاره التي تقترب من الشعر إلى حد كبير جداً، بالإضافة إلى العلوم والأفكار التي توصف عادة بالعلوم والأفكار الخرافية غير القابلة للتصديق عند شريحة كبيرة من الناس، مثل الانفجار الكوني ونشأة العالم. في هذا المعرض، الذي أطلق عليه اسم «نيبولا»، او السديم المؤلف من الغاز والهيدروجين وعدد كبير من الغازات الأخرى، لا يستخدم الفنان مواد مصنعة، بل ألواناً يجمعها من الطبيعة، مثل النيلة والفحم والكلس والمغرى المُعَدّ من الصخور. هذه المواد الطبيعية تمتاز بألوان لا يمكن تحضيرها في المختبر، لكونها مادة أصلية أصالة الطبيعة الحية التي أنجزتها. اللون الأحمر مثلاً لمادة النيلة لا يشبه اي لون احمر آخر، ويتمتع بهارمونية خاصة، حالها حال الكلس، الذي لا يشبه الرمادي ولا الأبيض، ويمتاز بحيوية الداكن. يعمل السومي بهذه المواد الطبيعية على الخشب، وغالباً ما يطلي لوحته بلون واحد كخلفية. وهو يبدأ العمل مدفوعاً بفكرة غامضة، كحال الشاعر الذي يهجس بالقصيدة قبل عملية الكتابة. إنه ينفذ سديميات كونية صغيرة وكبيرة بالفرشاة فقط مع استخدام تقنية اللون السائل «الطرطشة» والضرب بالفرشاة على أسطح اللوحات حتى تبدو بعض الأشكال والكتل «روليفات» صغيرة جداً بسبب المواد المستخدمة التي تبرز على شكل نتوءات صغيرة لا تُرى إلا من جانب اللوحة. اما «الافكار» الصغيرة التي تظهر في اللوحات، فهي غير مقصودة ويجب النظر اليها بوصفها حركة لونية اكثر من كونها شكلاً، سواء كان شكلاً بشرياً او حيوانياً، لأنها تُعَدّ جزءاً من السياق العام للوحة. تبدو بعض اللوحات وكأنها منفَّذة بتقنية الحرق مثلاً، بسبب الألوان التي يستخدمها الفنان، مثل الأزرق الغامق والأسود الفحمي، ويبدو بعضها الآخر منفَّذاً بتقنية الإكليريك او الغرافيك، لكن درجات اللون ذات الخصوصية العالية تقدم مقترحات مختلفة. يضم المعرض أعمالاً كبيرة وصغيرة، تبدو الصغيرة منها كما لو انها مَشاهد طبيعية وقد اختزلت بلونين متقاربين من حيث الكثافة، في حين تبدو الأعمال الكبيرة، او قسم منها، كما لو أنها فضاء شاسع تسبح فيه كائنات صغيرة وتجعله معتماً. هناك ذلك الهباب والغاز المتراكم بعد انفجار هائل، مثل سديم يغطي العالم الذي بدأ يتشكل بعد انزياح هذه المكونات. لا توجد في أعمال الفنان ناصر السومي مساحات حرة ولا فراغات تستطيع اللوحة التنفس من خلالها، لذلك تبدو اللوحة كاملة وغير قابلة للإضافة او الحذف، والفكرة لا تقترح او تتطور الى أفكار جديدة. ولولا تجريبية الأعمال التي توحي بجماليات شكلية وإيقاعات لونية، لسقطت الأعمال في أيقونية غير محببة. لكن نجاح الأعمال يكمن في أصالة المادة وضخامة الفكرة. سبق للفنان ناصر السومي أن أقام معارض كثيرة في العديد من البلدان الأوروبية والعربية، مثل فرنسا وبلجيكا وايطاليا واليابان وفلسطين وسورية ولبنان، وهو يقيم ويعمل في باريس. يستمر المعرض لغاية الثالث والعشرين من الشهر الجاري.