الأخضر تحت 23 يتغلب على كوريا الجنوبية بثنائية    389 قضية ضد وزارة التجارة    السعودية والكويت.. رؤية واستدامة    «مسام» ينزع 5,726 لغماً وقذيفة غير منفجرة وعبوة ناسفة في شهر    وزير الدفاع يرعى حفل تدشين جامعة الدفاع الوطني وتخريج دارسي البرامج الأكاديمية    مانشيني يستبعد أيمن يحيى من معسكر الأخضر    هل وصلت رسالة الفراج ؟    فريق أكاديمية مهد يشارك في بطولة كارلوفي فاري بالتشيك    أحمد جميل ل«عكاظ»: ناظر قادر على إعادة توهج العميد    محاصرة سيارة إسعاف !    «التعليم» تحذر «الغشاشين»: «الصفر» في انتظاركم!    المثقف والمفكر والفيلسوف    الاغتيال المعنوي للمثقف    الاقتصاد لا الثقافة ما يُمكّن اللغة العربية خليجياً    سفير خادم الحرمين لدى كوت ديفوار: خدمة ضيوف الرحمن مبدأ ثابت في سياسة المملكة    "الحج والعمرة" تطلق Nusuk Wallet أول محفظة رقمية دولية لخدمة الحجاج والمعتمرين    أمير عسير يفتتح مقر" رعاية أسر الشهداء"    ولي العهد يهاتف الشيخ صباح الخالد مهنئاً    محافظ بيش يرأس لجنة السلامة المرورية الفرعية بالشخوص ميدانياً    الأمن الغذائي    أمير القصيم شهد توقيع الاتفاقية    خادم الحرمين يتلقى رسالتين من ملك الأردن والرئيس المصري    كأس أمم أوروبا 2024.. صراع كبار القارة يتجدد على ملاعب ألمانيا    رونالدو يتطلع لتعزيز أرقامه القياسية في يورو 2024    5441 منتجاً عقارياً على الخارطة    بدء رحلات «إيتا الإيطالية» إلى الرياض    ثمّن دعم القيادة للتطلعات العدلية.. الصمعاني:المملكة موطن للفرص والمهن القانونية    وزير العدل: دعم القيادة الرشيدة غير المحدود يضع على أفراد العدالة مسؤولية كبيرة لتحقيق التطلعات العدلية    محمد بن سلمان.. الجانب الآخر    منفذ حالة عمار يواصل خدماته لضيوف الرحمن    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    محافظ جدة يكرّم المشاركين في" الاعتماد الصحي"    الحركة و التقدم    نهاية حزينة لحب بين جنية وإنسان    تكريم المُبدعين    «سناب شات» تضيف عدسات الواقع المعزز    خبراء أمميون يحثّون كافة الدول على الاعتراف بدولة فلسطين    القرار    السكر الحملى: العلاج    أكدت ضرورة أخذ التطعيمات.. إخصائية تغذية: هذه أبرز الأطعمة المفيدة للحوامل في الحج    اكتشاف أدمغة مقاومة ل" الزهايمر"    أمير حائل لمنظومة «الصحة»: قلّلوا نسبة الإحالات الطبية إلى خارج المنطقة    خمسة آلاف وظيفة نسائية «موسمية» بقطاع خدمات حجاج الخارج    أمير تبوك يشيد بجهود الجوازات في منفذ حالة عمار    تمديد «أوبك+» يدعم أسواق النفط    متعب بن مشعل يكرم الفائزين بجائزة "المواطنة المسؤولة" بالجوف    الشورى يطالب بحماية المستهلك ومنع الممارسات الاحتكارية    تراخيص جديدة للبيع على الخارطة قيمتها السوقية ستة مليارات ريال    أمير قطر والرئيس الأمريكي يبحثان وقف إطلاق النار في غزة    الفريق اليحيى يقف على سير العمل بجوازات مطار المدينة ومنفذ حالة عمّار    واشنطن: مقترحات بايدن سُلّمت ل «حماس» الخميس.. والكرة في ملعبها    هل نتائج طلابنا تعكس وتمثل واقعهم المعرفي والمهاري فعلاً؟    القبض على شخصين لترويجهما 4000 قرص "إمفيتامين" بعسير    محافظ حفرالباطن يتفقد مدينة الحجاج بمنفذ الرقعي    كلوديا شينباوم أول زعيمة للمكسيك    تطهير المسجد النبوي وجنباته خمس مرات يومياً خلال موسم الحج    أمير عسير يفتتح المقر الجديد لإدارة رعاية أسر الشهداء    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للتصلب اللويحي المتعدد"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فالح عبد الجبار اختار وطنه للكتابة لا للإقامة
نشر في الحياة يوم 27 - 02 - 2018

مات فالح عبد الجبار مساء أول من أمس في بيروت لا في بغداد ولا في لندن. فالح بقي منشغلاً بوطنه العراق على رغم أنه، وخلافاً لآخرين قرروا العودة بعد سقوط صدام حسين عام 2003، قرر أن لا يعيش فيه. ربما شعر بأن هذا ليس عراقه، وبأن هذا العراق هو موضوع لبحثٍ ولدراسة، لكنه لا يصلح اليوم لأن يكون موضوع حياة. مات في بيروت، المدينة التي كان وصلها في أواخر السبعينات ثم ما لبث أن غادرها إلى مغتربات أوروبية، ليعود إليها بعد عام 2003 لأنها أقرب إلى بغداد التي بقيت مادة توتره ومولد طاقته إلى العمل وإلى مؤلفاته وكتبه عنها. كتب بالإنكليزية مؤلفات نشرها في لندن، وأخرى بالعربية، من بينها: «الديموقراطية المستحيلة– حالة العراق»، «معالم العقلانية والخرافة في الفكر العربي»، «الدولة والمجتمع المدني في العراق»، «العمامة والأفندي».
في ربيع 2003 التقيت في بغداد فالح عبد الجبار، وكنت قصدت المدينة كصحافي لتغطية الحرب وما أعقبها بعد سقوط صدام حسين، وكان فالح جاءها كعراقي غادر بلده في أعقاب هجرة الشيوعيين العراقيين القسرية، وبرفقة فالح كانت الكاتبة فاطمة المحسن زوجته ورفيقة الهجرة والحزن العراقيين. يومها بدا لي فالح، المؤرخ والباحث والكاتب، صحافياً أيضاً، ذاك أننا ترافقنا معاً في رحلات إلى مدن الفرات الأوسط في العراق، أنا بهدف رصد ما أحدثه سقوط النظام في هذه المدن، وفالح لرصد ما تبقى من بنى عشائرية ومذهبية بعد سنوات القمع البعثي. كان في هذه الرحلات صحافياً أكثر مني، ذاك أنه انشغل كباحث بما يشغل الصحافيين، وراح يرصف لنا الوقائع الصغرى بصفتها مؤشراً لتحولات كبرى ليست بعيدة عن الحدث. زرنا، فالح وأنا، في حينه مقتدى الصدر في منزله في النجف، وفالح إذ راح يعاين وجه الوريث، لم يتردد بسؤاله عما اعتقد فالح أنني تعثرت بالسؤال عنه.
والأيام التي أمضيناها في بغداد وكربلاء والنجف أشعرتني بأن للرجل همة الصحافي ومنهج الباحث وعقل المؤرخ، وهذا ما مكنني أنا رفيقه في تلك الرحلات من كتابة سلسلة من التحقيقات عن الظاهرة الصدرية بصفتها حدثاً لم يكن في متناولنا نحن الذين عرفنا العراق من خارجه. وفالح الذي كان مهجوساً بالعشيرة والقبيلة بصفتهما الركيزة النواة في الظاهرة السياسية العراقية، كان هو من فسر لنا الصدرية بصفتها ظاهرة الأفخاذ العشائرية النازحة من أقصى الجنوب العراقي، كالناصرية والعمارة والبصرة، إلى بغداد، فأقامت في مدينة الصدر (مدينة صدام سابقاً)، وألف لها السيد محمد صادق الصدر (والد مقتدى) كتاب «فقه العشائر»، الذي مثل وفق فالح دستوراً للعلاقة بين العشائر والمرجعية الشيعية.
ولعل فالح الذي انتقل من الماركسية إلى الليبرالية من دون أن يكون هذا الانتقال صدامياً، احتفظ من ماركسيته بحس الباحث الاجتماعي، وتخفف من البعد الحداثوي التبسيطي الذي سقط فيه غيره من المنتقلين إلى الليبرالية. فالطوائف والقبائل بقيت في صلب اهتمامه بصفتها وحدات سياسية ارتبط بها الكثير من الأحداث السياسية. المجتمع، وفقه، ليس ترسيمة نظرية حديثة بل هو هذه الوقائع الثقيلة، وهو عندما توجه إلى بغداد فور سقوط صدام تقدم حس الباحث في خطوته حسّ المبعد عن وطنه، فكان متحفزاً لرصد ما فاته من انهيارات.
وفي غمرة عودة الباحث إلى وطنه في ذلك العام، اصطدم مع غيره من العائدين بعراقٍ آخر غير الذي غادروه، فيومها كان فالح وفاطمة والراحل جلال الماشطة عادوا إلى بغداد لملاقاة من غادروهم، فإذا بهؤلاء وبعد سنوات البعث والحرب والحصار أناس آخرون. صديقتهم في الحزب وفي جريدة الحزب وصلت إلى الفندق لملاقاتهم ليكتشفوا أنها محجبة، ويومها ردت على دموعهم بأن ذكرتهم بأنهم غادروها، وأن الحياة في ظل الحصار لم تعد ممكنة من دون حجاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.