في فترة ما، كان اتجاهُ الفتاة السعودية إلى امتهان الطب والتمريض أقربَ إلى كونه محظوراً على مستوى شعبي، فالرفض كان متسيِّداً لهذا التوجّه، بل إن التفكير فيه يكاد يكون غائباً، إذ إن العادات والتقاليد ما كانت تتقبّل طبيعة عمل الطبيبة والممرضة، ويظهر ذلك بارزاً لدى بعض أهالي القرى والمدن الصغيرة تحديداً، انطلاقاً من اعتقادهم بأنها مهنة يشوبها شيء من الجوانب السلبية، من اختلاط ومناوَبات مسائية، وهو ما يدخل في منظومة «العيب» بالنسبة الى الكثير منهم، بعيداً من مسألة هل يُعَدّ ذلك أحد المحرمات الشرعية أو لا، فالمعيب الاجتماعي في كثير من الأحيان يتفوق على المحرّم الشرعي لدى البعض، وفي حال جاء الاستثناء وحضر العمل الطبي، فقد يقابله تجنّب الارتباط الزوجي، إذ تمرّ الكثير من الطبيبات والممرضات بحال تأخر في الزواج مقارنة بغيرهنً. لم يكن الأمر يتوقف عند ذلك الحد وحسب، بل إنه كان يمتدّ ليطال حتى مسألة الكشف الطبيّ على المحارم، فبعض الرجال يأبى من دون نقاش أن يتم الكشف على إحدى محارمه من قِبل طبيب، ويظلّ مصرّاً على أن تتولى هذه المهمة طبيبة، فيما يرفض من ناحية أخرى، أن تنتسب إحدى فتيات أسرته إلى المجال الطبي، في صورة توحي وكأن الأمر أقرب إلى كونه طعناً في الشرف والمروءة، وبمهنة كهذه يمكن أن تصاب الأسرة بالخجل على مستوى محيطها الاجتماعي. هذا المفهوم بات يأخذ منحى مختلفاً بشكل كبير، فقوة التشبّث ببعض العادات المجانبة للصواب، بدأت تقلّ شيئاً فشيئاً، إذ إن الوعي أصبح يفرض نفسه في السنوات القليلة الماضية، وأضحى امتهان الفتاة السعودية الطبَّ مصدرَ اعتزاز لأسرتها، لتبرز بذلك حالة التدرّج والصعود من مبدأ المحظور والممنوع إلى المرغوب فيه والمسموح به، وإن كان هذا التدرّج لا يزال – بحسب رؤية البعض - يسير بخطوات بطيئة وخجولة. حال التحوّل لم تأتِ فجأة، وإنما أسهمت فيها جوانب عدة كان لها الأثر البارز في تعزيز الوعي بهذه المهنة وبتمثيل الفتاة لها، فعامل الهجرة إلى المدن الكبرى يبدو أنه أدى دوراً حاسماً في هذا الشأن، حيث يتمّ التعرّف الى ثقافات متعددة ومختلفة، بعد أن كان العيش مقتصراً إلى حدٍّ ما على ثقافة محدّدة، إضافة إلى تأثير التطوّر الذي يشهده العصر. وإلى جانب ذلك، يبدو أن الحاجة الى الوظيفة دفعت للاتجاه إلى الطب حتى وإن لم يكن هناك اقتناع به، وذلك لكون مساحة الحصول على عمل بعد الدراسة أكثر رحابة واتّساعاً، فالصورة التعليمية العامة حالياً في مجال الطب والتمريض، توضح أن هناك ما يصل إلى 30 كليّة طب في المملكة، وأكثر من 110 معاهد صحية، ما بين حكومية وأهلية، الى جانب التزايد المستمر في عدد المستشفيات الجامعية والتعليمية. تبدو نوف متفهمة لما واجهته من رفض من قِبل بعض أفراد أسرتها خلال إبدائها رغبة في التخصّص في طب العيون، نظراً الى كونها على قناعة باختلاف مستوى الوعي من شخص لآخر، وتقول: «ولدت في بلدة صغيرة يعرف كل بيت فيها الآخر، وأتممت تعليمي الابتدائي فيها قبل الانتقال إلى الرياض لظروف عمل والدي. وكانت رغبتي منذ المرحلة الثانوية أن أصبح طبيبة عيون، وبعد إنهاء دراستي الثانوية وإيضاح الرغبة لأسرتي، قوبلت بالرفض منها، بحجّة عدم تناسبها مع وضعنا الاجتماعي، وبعد نقاشي معهم ومحاولة اقناعي لهم، وجدت شيئاً من المرونة، وبالتالي القبول، والآن أسير في المرحلة الثالثة في هذا التخصّص». أما أبو صالح، فيعتقد أن رفض بعضهم لتخصّص الفتيات في الطب والتمريض، يصدر من دون قناعة داخلية في معظم الأحيان، معتبراً أنه يأتي إرضاء للغير وحسب. ويضيف: «ندرك جيداً أهمية هذه المهنة الانسانية، غيرَ أنه في بعض الأحيان تكون للعادات والتقاليد كلمتها، حتى وإن لم تكن صحيحة، وبالتالي تكون المسايرة، حتى لا يُقال عمّن خالفها بأنه ضرب بها عرض الحائط ولم يلتفت إليها، ومن هنا قد يأتي الرفض لدخول بناتنا في هذا المجال». ويَعتبر فهد تزايدَ عدد الكليات والمعاهد الصحية مؤشراً واضحاً الى حال الوعي الاجتماعي وتجاوزِ النظرة الدونية التي كان ينظر بها بعض الأشخاص الى الطبيبات والممرضات.