الرئيس الموريتاني يصل جدة لأداء مناسك العمرة    وفد المملكة لدى الأمم المتحدة يستعرض جهوده أمام طلاب هارتفورد العالمية    جمعية توعية الشباب تعزز مهارات التعامل التربوي مع الأبناء    تدشين فعالية اليوم العالمي للصحة النفسية في الخبر    الأمم المتحدة: تجاوز عتبة الاحتباس الحراري بات أمرًا محتومًا    مطار الملك سلمان الدولي يوقّع شراكة استراتيجية مع منتدى TOURISE 2025 لدعم السياحة المستدامة    تعليم المدينة يدعو للتسجيل في البرنامج الوطني للكشف عن الموهوبين    الحملة الشعبية السعودية لإغاثة غزة جسدت أسمى معاني التضامن العربي    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    الوداد المغربي يتعاقد مع الجناح زياش    صقّار يطرح أول شاهين في حياته ويبيعه ب(193) ألف ريال    المنتخب السعودي يُتوّج بلقب كأس العرب للهجن بنسخته الثانية    تنقل زواره لتجربة سينمائية عبر رحلة تفاعلية مكتملة    انعقاد مجلس الأعمال السعودي الأسترالي النيوزلندي السعودي    ميندي: ضغط المباريات ليس عذراً    انتهاء التقديم على «منصة التوازن العقاري» للراغبين بأراضي سكنية في الرياض    المملكة توزّع (500) سلة غذائية في محلية كرري بولاية الخرطوم    «سلمان للإغاثة» يوزّع (213) سلة غذائية في مخيم لواء باباجان في أفغانستان    الأهلي يُعمق جراح النجمة    أمانة جازان تنظم "ملتقى جازان الخضراء": مبادرة رائدة لتعزيز الاستدامة ورفع الرقعة النباتية بالمنطقة    فرع الشؤون الإسلامية بجازان يفعّل أكتوبر الوردي بمبادرة صحية توعوية    163 ألف ريال لصقرين في مزاد نادي الصقور السعودي 2025    أمير تبوك يهنئ الشيخ صالح الفوزان بمناسبة تعيينه مفتياً عاماً للمملكة    80 شركة ناشئة تتنافس في حلبة المستثمرين    أمانة الشرقية تنفذ تجربة فرضية لمواجهة الحالات المطرية    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان أهالي فرسان    بيان عربي إسلامي: ضم الضفة انتهاك صارخ للقانون الدولي    أمير القصيم يُكرّم مواطناً أبعد مركبة مشتعلة عن تجمع بشري بمركز القوارة    أمير منطقة تبوك يواسي أسرة القايم    غيابات الاتحاد في مواجهة الكلاسيكو    دوري يلو.. العلا يحسم القمة.. والفيصلي والطائي يسجلان الفوز الأول    القبض على شخص أشعل النار في مركبة بالقصيم    59.1% من سكان السعودية يمارسون النشاط البدني أسبوعيا    الأمين العام للأمم المتحدة يأمل أن تلتزم بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    بروكسل تعد القاهرة بمساعدات بقيمة 4 مليارات يورو خلال أول قمة أوروبية – مصرية    لشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية ورئيسًا لهيئة كبار العلماء ورئيسًا عامًا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير    نائب أمير نجران يتسلم تقريرًا عن مشاريع الأمانة    محافظ الطائف يلتقي مدير الدفاع المدني اللواء القحطاني    تكليف العنزي مديراً للإعلام ومتحدثاً لوزارة الشؤون الإسلامية    "الإحالات الطبية" ينفذ خمسة آلاف إخلاء سنويًا ويُنقذ 30 ألف حياة    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ علي عبدالله الأحمد الجابر الصباح    الاستثمار في رأس المال البشري.. البيز: 339 سعودياً يدرسون الأمن السيبراني في أمريكا    أجريت إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. نجاح عملية عيب خلقي في القلب لطفلة فلسطينية    بالونات مجهولة تثير مخاوف الأمريكيين    برنامج ثقافي سعودي- فرنسي يمتد حتى 2030.. 50 مليون يورو لدعم مشروع «مركز بومبيدو»    عرض مسرحية «المايسترو» مطلع نوفمبر    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة علي الصباح    في ثالث جولات كأس آسيا 2.. النصر يعبر جوا الهندي بثنائية ويعزز صدارته ل«الرابعة»    أمر ملكي بتعيين الفوزان مفتياً عاماً للمملكة    آل حلوّل والضليمي يزفون داؤود    المملكة توقع اتفاقية دولية للإنذار المبكر من العواصف    الجبير يبحث مع سفيري النرويج وقرغيزستان الموضوعات المشتركة    معقم الأيدي «الإيثانول» يسبب السرطان    نادي الساحل يكرم حملة التطعيم    الذهب يفقد بريقه مؤقتا تراجع عالمي حاد بعد موجة صعود قياسية    التراث يحفّز الاستثمار ويقود ازدهار المتاحف    نائب أمير منطقة الرياض يرعى حفل جائزة الاستدامة المالية    أمير حائل يستعرض خطط وبرامج جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارل بوبر داعية انفتاح وعداء للفكر الشمولي
نشر في الحياة يوم 23 - 05 - 2014

لم يهتمّ المثقفون العرب كثيراً في الستينات من القرن الماضي بالفيلسوف النمسوي المولد والانكليزي الانتماء كارل بوبر، رغم أنه كان يعتبر من أهم فلاسفة السياسة والاجتماع في الغرب، وذلك مردّه الى وقوعهم تحت تأثير الفكرين القومي والاشتراكي اللذين كانا سائدين في تلك الفترة، وكانا يدعوان الى أنظمة شموليّة تمجّد الأفكار اليوتوبية حول عظمة الأمة العربية الواحدة ، وحول وصول الشيوعية بنسختها العربية الى تحقيق العدالة والمساواة.
مع الربيع العربي الذي قضى على وهج الفكر القومي والاشتراكي، وأنبت عقائد متطرّفة دينيا ، لم يطل عمرها حتى تهاوت أمام الدعوات الى التغيير، والديمقراطية والحرية، أعيد تظهير كارل بوبر داعية الانفتاح وعدو المذاهب الشمولية، وهذا ما نتبيّنه من خلال الترجمة التي قام بها السيد نفادي لكتابه «المجتمع المفتوح وأعداؤه» (دار التنوير). ففي هذا الكتاب تبرز بوضوح حملة بوبر على الفكر الشمولي، من خلال حديثه عن التاريخانية، وما يشتقّ منها من نظريات سياسية. والتاريخانية كما يحدّدها بوبر هي نظرية تشمل العلوم الإنسانية ، وتجعل من التنبؤ بمسار التاريخ هدفها الأساسي، وتعلّم أن هذا الهدف يمكن تحقيقه إذا ما اكتشفنا القوانين التي تكمن خلف التطور التاريخي أوالاتجاهات التي تدفع الى ذلك. وقد أدّى الأخذ بهذه النظرية كما يقول بوبر الى مبدأ أولوية الأمة عند القوميين، ومبدأ هيمنة العامل الاقتصادي عند الماركسيين ، كما أدّى عبر التاريخ الى منحى تعسّفي لاعقلاني، أوصل الى إخضاع الأفراد بالقمع والاضطهاد لما يعتقده الزعماء والقادة مخاضا حتميا لا مفرّمنه للتقدّم.
إن نقد التاريخانية كفلسفة تؤمن بأن تاريخ البشرية له مسار محدّد مسبقا إذا ما نجحنا في الكشف عنه، أصبحنا نملك مفتاح المستقبل، فتح الطريق أمام بوبر لنقد التنبؤات الماركسية التي تفسر التاريخ بنظرية صراع الطبقات وسقوط الرأسمالية، ومجيء الشيوعية الحتمي عن طريق ديكتاتورية البروليتاريا.
كرّس بروب الكثير من جهده الفلسفي في الردّ على أعداء المجتمع المفتوح وهم أفلاطون وهيغل وماركس أصحاب الأفكار الشمولية التي تتضمّن بحكم شموليتها مبدأ انغلاقها . فهي تقدّم تصوّرا لتكوّن المجتمع وتطوّره تاريخيا، وبالتالي تؤدّي الى الوقوف في وجه الأفكار المخالفة لأفكارها لا بل تقمعها ، ولذلك أيضا رافقها على مدار التاريخ البشري انتشار القمع والديكتاتورية، وترافقت مع استبداد الملوك في القرون الوسطى ، ونازية هتلر ، وشيوعية ستالين . في المقابل المجتمع المفتوح هو المجتمع الديمقراطي الذي لا يحكمه تصوّر نهائي مثالي محدّد ، يسير بخطوات قائمة على التجربة/ الخطأ باتجاه التقدّم ، آخذا بعين الاعتبار أثناء تطوّره مبدأ الانفتاح على أفكار الاخرين ، ومستبعدا أي أفكار مسبقة حول المستقبل.
يعتبر بوبر أن أفلاطون هو واضع أوّل النظم الاجتماعية الطوباوية في كتابه « الجمهورية «، والمنظّر الفلسفي الأوّل للشمولية قبل هيغل وماركس، فقد دعا الى مجتمع مثالي يسيّره حكّام فلاسفة عارفون بقوانين المجتمع والسياسة ، يقوم على نظرة للمعرفة لاتأخذ بالاعتبار ما يحدث في الطبيعة والمجتمع، وإنما التفكير بكائن مثالي لا يوجد إلا في العالم المجرّد ، عالم المثل الأبدية. إن محور التصوّر الأفلاطوني للدولة يكمن في الجمع بين مفهومي العدالة والوحدة الاجتماعية، فلا يرى أفلاطون مكانا للعدالة إلا في مجتمع تراتبي صارم قائم على الطاعة المطلقة للرؤساء، وإلغاء كل تفكير مستقلّ لدى الفرد. وقد رأى الفيلسوف اليوناني كيف أن النزوات والانحرافات الفردية من جشع وطمع ورياء، تمكنّت تحت مظلّة الديمقراطية أن تفضي الى صراعات دائمة حول الثروة والسلطة، فاختار التوتاليتارية المعادية للديمقراطية والروح الفردية. الفيلسوف الثاني الذي يرى فيه بوبر تضحية بكيان الأفراد وخياراتهم الذاتية على مذبح الكليات التاريخية والحتمية الموضوعية ، هوهيغل صاحب نظرية «الفكرة المطلقة»، يرى بوبر أن هيغل يمثّل الرجعية البروسية، وقد استعمل نظريته في هوية العقل والواقع ، لدعم السلطات القائمة ، وللدفاع عن فكرة الدولة المطلقة. ومضمونها أن الدولة هي كل شيء والفرد لا شيء، وهو مدين للدولة بكل شيء في وجوده المادي كما الروحي. إن الدولة بحسب هيغل هي الفكرة المطلقة متحقّقة على الأرض، لذا علينا أن نعدّ الدولة تجلّيا للمطلق على الأرض، لأن الفكرة المطلقة تتجلّى أكثر ما تتجلّى في الدولة وتشريعاتها ، وعلى الفرد أن يتقبل من دون نقد خضوعه لقوانين الدولة كمساهمة منه في تحقيق العدالة.
إن ما يعترض عليه بوبرهو السهولة التي يلغي بها الفكر الهيغلي دور الضمير الفردي، والرأي الشخصي لمصلحة الكل المجتمعي والدولة كأعلى قيمة أخلاقية، وما يعترض عليه أيضا هوتبنّي هيغل بالكامل قول أفلاطون الأكثر عداء للفرد: «أنت خلقت من أجل الكل ولم يخلق الكل من أجلك «. أما ما يتبنّاه فهومبدأ الفردية، وهي عقيدة أخلاقية تقول بأولوية الفرد، وحاجاته الأساسية على أي بنى أونظم كليّة.
الفيلسوف الشمولي الثالث هو ماركس، وقد قرأه بوبر باهتمام كبير، وانتهى الى أن أطروحة الماركسية الأساسية الأولى هي أن الرأسمالية لا يمكن إصلاحها، وإذا كنا نصبو الى مجتمع راق يجب تحطيم الرأسمالية. الأطروحة الأساسية الثانية تقول إن ظروف العمال ستزداد سوءا يوما بعد يوم، مما يؤدّي الى تحطيمها في النهاية. نقد بوبر يرتكز على أن الرأسمالية كما تصورّها ماركس هي محض اختلاق ولم توجد قط، والمجتمع الرأسمالي لم يوجد واقعيا كما يصوّره ماركس. يقول بوبر عن ماركس : « لماذا أهاجم ماركس على الرغم من فضائله ؟ كان ماركس في ما أعتقد، قد اختص بمسار التاريخ، ولم تصدق توقعاته، ولكن هذه ليست تهمته الرئيسة، فالأهم من ذلك أنه غرّر بأعداد من خيرة العقول ودفعها الى الإعتقاد بأن التنبؤ بالمستقبل هو الطريقة العلمية لمقاربة المشكلات الاجتماعية. فماركس مسؤول عن التأثير المخرّب الذي يحدثه المذهب الفكري التاريخاني داخل صفوف أولئك الذين يودّون نصرة قضية «المجتمع المفتوح».
وتقوم أطروحة المجتمع المفتوح أيضا، كما يرى بوبر على رفض مفهوم التغيير الجذري كما فهمه أفلاطون وماركس، أي التغيير المنطلق من الصفر بحيث يعاد بناء المجتمع على أسس جديدة مختلفة كليا عما سبق. فمهما بلغت مساوىء النظام القائم – أي نظام – فهو لاينفك عن أن يكون نظاما تندرج الحياة الاجتماعية تحت لوائه منذ مئات السنين ، وذلك على النقيض من الحلول الثورية الطوباوية التي تغامر بنشر الفوضى والدمار، مستخدمة مفاهيم أخلاقية مجرّدة كالعدالة عند أفلاطون والمساواة عند ماركس. إن بوبر لاينفي وجود مآسي ومظالم اجتماعية واقتصادية في المؤسسات القائمة لكنه يدعو الى التغيير عبر سياسة الاصلاح القطاعي ،من طريق التدرّج وليس من طريق الثورات والانقلابات التي توصل الى الدكتاتورية. لذلك دافع عن الديمقراطية واعتبرها أداة ناجحة لتحقيق التغيرات السياسية والاجتماعية تدريجيا ، ومن دون إراقة دماء . يستشهد بوبر في هذا السياق بعبارة الزعيم الإنكليزي ونستون شرشل التي تقول: «إن الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم، باستثناء الأشكال الأخرى التي هي أسوأ منها» .
كتاب «المجتمع المفتوح واعداؤه» يحكي نتيجة اختبار إنسان مفكّر، عرف الشيوعية في شبابه أيام ستالين، واختبر الديكتاتورية مع هتلر، وعاش الديمقراطية مع مارغريت تاتشر. إنه كتاب يؤكّد مصير التاريخانية البائس، تلك الفلسفة التي تدّعي أنها تملك اليقين ، وتعرف حقيقة ما سيؤول إليه التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.