منذ أشهر قليلة بلغ الطالب باتريك شعيا سن الحادية والعشرين. هو إذا دخل «نادي الناخبين» من الباب العريض. يحق له حمل هويته والتصويت في أحد مراكز الاقتراع للائحة أو مرشح يرى فيه مرآة لطموحه كشاب. بالأمس لم يتوجه باتريك الى المكان المفترض الذي توجه إليه ملايين اللبنانيين للمشاركة في العملية الانتخابية. عوضاً عن ذلك انضم باتريك الى فريق من الشباب الجامعي وصل عدده الى نحو 150 طالباً، شكّلوا نواة مشروع باسم «صوت الشباب» قارب الانتخابات «الساخنة» بدم جديد لا يعرف لغة التفرقة السياسية، وأطلق منبراً إعلامياً بديلاً تحت شعار «لا تنتظر الخبر بل اصنعه»، تضمّن إصدار مطبوعة من ثماني صفحات باللغتين الإنكليزية والعربية، واستحداث موقع إلكتروني لنشر الأعمال الطلابية، وإنتاج فيديو تم بث أجزاء منه على التلفزيون وعلى موقع «يوتيوب»، إضافة الى الموقع الخاص ب«صوت الشباب». في الطبقة السادسة في إحدى بنايات الجميزة (وسط بيروت) يبدو المكان كخلية نحل. منسق مشروع «صوت الشباب» دافيد نبتي يتولى توزيع المهمات، وشرح تفاصيل التحرك، وتقرير مضمون الافتتاحية في المطبوعة واختيار أفكار المواضيع المطروحة. «تي شيرت» كتب عليها «صوت الشباب» شكلت الزي الموحّد لأكثرية الحاضرين. الوقت يداهم فريق العمل والأهداف محددة: تصميم مطبوعة تتضمن مقالات وتعليقات لمتطوعين شباب قرّروا كسر جدار المحرمات والتكلم بصوت عال، تحت سقف ميثاق شرف خطّوا بنوده بأنفسهم، ليشكّل نوعاً من الرقابة الذاتية على مشروعهم. المطبوعة نفسها تم نشرها كملحق، في صحيفتين لبنانيتين («النهار» و «الأخبار») المختلفتي الميول السياسية، قبل أسبوع من الانتخابات. وجُنِّد الموقع الإلكتروني ل «صوت الشباب» لنشر كل المواد الشبابية التي تخطّت المألوف في مضمونها. الفيديو أكمل عناصر اللوحة الشبابية. هنا منبر حرّ، يلفظ كل المفردات التقليدية والبائدة، يضع الإصبع على الجرح، وينتظر التجاوب مع «الرسالة» ليس من السياسيين، كما تقول ديما صابر منسقة المشروع، «بل من الشباب الذين نريد أن نجذبهم الى الموقع الطبيعي لهم كشباب بعيداً من الاصطفافات السياسية، حيث بإمكانهم أن يضعوا أولوياتهم بأنفسهم، باختصار أنه إعلامهم وليس إعلام الآخرين». الرسوم الكاريكاتورية في المطبوعة بتوقيع الطالب باتريك. اختار لكاريكاتور الصفحة الأخيرة ما يعتبره رسالة بالغة التعبير: ثلاثة أشخاص من الموالاة وثلاثة من المعارضة، يشدّون حبلاً كل لجهته، وفي الوسط كرسي النيابة يصورها بأنها لبنان نفسه. يضحك باتريك قائلاً: «من كثرة الشدّ... طارت الكرسي وطار لبنان». يستوحي باتريك رسوماته من مقالات الفريق التحريري الذي يتألف من 13 شخصاً. الطالبة فاطمة فرحات (23 سنة) أسهمت في كتابة موضوعين حتى الآن، تحقيق عن يهود لبنان وآخر عن «تفاعل» اللبنانيين مع الانتخابات، وشاركت في وضع ميثاق الشرف الخاص ل «صوت الشباب». تقول: «نلتزم بهذا الميثاق لأن صدقيتنا على المحك والغلط ممنوع. عودنا لا يزال طرياً، بدايتنا ستكون بكشف الواقع على الأرض، ولاحقاً سنقوّي الحسّ النقدي لدينا لكي نساهم في تصويب المسار الإعلامي الحالي الذي يقفز فوق هموم الشباب وطموحاتهم». يلاقيها الطالب دانيال حبيب (20 سنة) من خلال عدسته التي يحملها ويجول بها محاولاً «فضح عورات واقعنا السياسي والاجتماعي»، كما يقول. دانيال اعتمد أسلوب تصوير الفيديو السريع ليعكس واقع «الاستفزاز» السياسي في لبنان. وفي فيديو آخر سأل عدة مواطنين «شو لبنانك؟». خلاصة عمل دانيال قادته الى نتيجة واحدة «لكل لبناني «لبنانه» الخاص، يتسابقون على الدفاع عنه لكنهم من حيث يدرون أو لا يدرون يساهمون في إضعافه...». اختارت سينتيا (21 سنة) موضوع «بروفيل» الزعيم الصالح لتدشّن تجربتها في «صوت الشباب». تقول: «الناس يلحقون الزعماء ويصفقون لهم مهما قالوا. أعتقد أننا نحن من نخلق زعيماً جيداً أو سيئاً». برأيها «أن «صوت الشباب» قادر على التأثير في الأجيال الصاعدة... وإذا نحنا ما اشتغلنا بإيدنا، ما حدا رح يشتغلنا». في المطبوعة التي نشرت كملحق في الصحيفتين، ووزع نحو خمسة آلاف نسخة منها في الجامعات، تم الالتزام بقانون المطبوعات، وفي أفلام الفيديو الالتزام كان تاماً بقانون الإعلام المرئي والمسموع. أما في يوم الانتخاب فالعمل كان مختلفاً وحمل الكثير من التحدي. أكثر من 15 متطوعاً توزعوا في عدة أقضية، نقلوا الحدث مباشرة من «ساحات المعارك» الانتخابية، أجروا المقابلات وكتبوا التقارير بكل شفافية «من دون رتوش» وسجّلوا المقاطع السمعية والبصرية (تسجيلات فيديو وملفات تحميل) وتم نشرها كلها على موقع «صوت الشباب» الإلكتروني ومنابر إعلامية أخرى. وفي المركز الرئيس في الجميزة تم استقبال المادة الإعلامية والإشراف عليها ونشرها. توضح ديما أنه «في ظل الاصطفاف السياسي الحاصل كانت هذه طريقتنا في مقاربة ملف الانتخابات. قلنا كلمتنا ونقلنا الواقع كما هو بعقلية شبابية منفتحة على النقد البناء، وليس بلغة الشحن الطائفي». يذكر أن «صوت الشباب» الذي يضم متطوعين بين 18 و25 سنة هو مشروع من RootSpace وهي منظمة لبنانية غير حكومية لا تتوخى الربح وتعمل على تشجيع الاستخدامات الصائبة لوسائل الإعلام والتكنولوجيا من أجل تطوير مفهوم وسائل الإعلام الحيادية والمواطنية. والمشروع الذي بدأ بفريق من 60 شاباً وشابة من 8 جامعات في مختلف المناطق اللبنانية لا يزال يتلقى طلبات الانتساب إليه، حيث سيصار بعد الانتخابات النيابية الى نشر مطبوعة أسبوعية أو شهرية، وإقامة مهرجان أفلام لكل تسجيلات الفيديو، وتطوير مشروع الإعلام التعاوني والمراقبة والعمل بصفة «مواطنين صحافيين» لكل الملفات «الحساسة» في لبنان، وذلك عبر توسيع بيكار المراسلين والمتطوعين، و «تجنيد» تلاميذ في المدارس في الحقل الإعلامي. ويقول المنسّق دافيد: «هذه مجرد خطوة أولى ضمن مشروع متواصل، وقد لمسنا تجاوباً مذهلاً من الشباب الذين لا يثقون بالإعلام التقليدي. هؤلاء يحتاجون الى صوت أقوى والى فرصة للعمل معاً يداً واحدة بعيداً عن خطاب التسييس والانجرار الطائفي». أما المسؤولة الإعلامية للمشروع شانتال سعيد فأكدت «رفضنا لأي تمويل سياسي، نحن نعتمد على تمويل InterNews وهي مؤسسة عالمية خاصة بالإعلام والطبع، وعلى بيع «تي شيرت» «صوت الشباب» وأقمنا عدّة حفلات تبرع لتأمين المصاريف اللازمة».