وأد التوظيف هو ما سيحصل خلال الأسابيع المقبلة، بعد الاندفاع الذي تقوده وزارة العمل السعودية للتخلص ولو نسبياً من بطالة متضخمة، تطل من كل الزوايا والنوافذ، وتختبئ خلف أبواب البيوت المستورة. سيخرج من ينهى ويأمر بعدم جواز توظيف النساء، وسيطل من يعتذر بترهل الشباب ونقصهم المعرفي، سيخرج ألف سيف يقطع الأمل ويئد الحلم بتحويل أخواتنا وإخواننا إلى شركاء في وطنهم. القرار الملكي الكريم بصرف معونة قدرها 2000 ريال للباحثين عن عمل، سيكون تحدياً هائلاً أمام وزارة المالية السعودية، بدءاً من الشهر الأول من السنة المقبلة مع بدء الاستحقاق. فكل عاطل وعاطلة أصبحا تلقائياً مستحقين لتلك المعونة، لذلك فإما التوظيف وإما استمرار المعونة لعام آخر إلى أن يأتي التوظيف، بمعنى أن من يتلقى تلك المعونة، سيبقى منتظراً اتصالاً من ديوان الخدمة المدنية، أو من وزارة العمل، لحل مشكلة بطالته، وهو لن يعود إلى غرفته «الفقيرة» في منزل والديه، يتسولهم من جديد. بل إن مهلة عام لمن أصبح مسؤولاً عن توظيفه ستكون كافية، ليسأل ذلك الشاب عن الوظيفة التي تناسب شهادته وتخصصه. ستكون الأشهر المقبلة أشهر شد وجذب بين وزارة العمل وبين رجال الأعمال، لخلق محركات تنتج وظائف لتستطيع امتصاص البطالة التي هزمت أنفس الشباب والشابات، وحولتهم إلى مرافقين في شوارع الحياة. لذلك فإن الحل في هذا الشد والجذب يجب أن يكون فرض «ضريبة عمل» على الشركات ورجال الأعمال، فعدم قدرتهم على خلق الوظائف ولا تأهيل الشباب لا يعذرهم ولا يحميهم من واجب التوظيف. بل إن الأموال التي تراكمت بسبب العمالة الأجنبية الرخيصة، وبسبب العقود المهولة التي صبت في جيوب شركاتهم طوال عقود، إضافة إلى قروض معفية من الفوائد أو بفوائد منخفضة، تجعل لازماً على الدولة الآن أن تفرض على تلك الشركات «ضريبة» حقيقية، تذهب مباشرة إلى صندوق تأهيل وتوظيف الشباب والشابات السعوديين. هيكلة الشركات وبنية أعمالها التي تراكمت خلال السنوات الماضية أصبحت معوقة لها، وهي في الوقت نفسه غير قادرة على التخلي عنها وإحلال سعوديين فيها. فهذه المعادلة التي اعتادت عليها الشركات ورجال الأعمال، تتكون من عمالة رخيصة وعقود ضخمة، ومال بلا ضرائب، يساوي على الفور تراكن للمال بأقل الخسائر. ألا يعلم إخوتنا رجال الأعمال أن هناك دولاً تقتطع 40 في المئة من دخل الشركات لمصلحة الأوطان، إذاً إما «التوطين» وإما «الضريبة»، يا حكومتنا. إنها أكثر من خمسة عقود من نزع الفلاحين المزارعين من قراهم، والعمال السعوديين من البقالات والشوارع ومحطات البنزين، ليتم تحويلهم إلى موظفين ينتظرون الراتب آخر الشهر في وزارات الدولة. أصبح من الصعوبة الآن إعادة أبنائهم إلى تلك المزارع وإلى تلك المعامل بكل سهولة، إن القرار يجب أن يكون حقيقياً مقطوعاً عن تحسبات ومجاملات الوعاظ من ناحية، ورجال الأعمال من ناحية أخرى. بالفعل يجب أن يكون لدينا خطة وطنية حقيقية توظف الشباب والشابات من دون تفرقة ومن دون تحفظات، ويصبح عنده لزاماً علينا محاسبة من يئد التوظيف ممن يدعي المحافظة، أو ممن يتهرب من التوظيف ويذهب تجاه العمالة الرخيصة. [email protected]