الرياض عاصمة القرار    الهلال يتغلب على الفتح برباعية في دوري روشن للمحترفين    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 23 جائزة في مسابقة آيسف 2025    سلام نجد وقمة تاريخيّة    سيرة الطموح وإقدام العزيمة    الجنيه الإسترليني ينخفض مقابل الدولار الأمريكي ويرتفع مقابل اليورو    طارق السعيد يكتب.. العميد يستعيد الذهب والأمجاد    صامطة تنضم رسميًا إلى برنامج المدن الصحية وتعقد أولى اجتماعاتها لتعزيز جودة الحياة    سمو الأمير سلطان بن سلمان يدشن "برنامج الشراكات العلمية العالمية مع أعلى 100 جامعة " مع جامعة كاوست    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 53,119 شهيدًا    مدير عام الجوازات المكلّف يتفقّد أعمال مراكز اللجان الإدارية الموسمية بمداخل العاصمة المقدسة    إمام وخطيب المسجد النبوي: تقرّبوا إلى الله بالفرائض والنوافل.. ولا وسائط بين العبد وربه    الدوسري في خطبة الجمعة: الدعاء مفتاح الفرج والحج لا يتم إلا بالتصريح والالتزام    تدشين فرع نادي المسؤولية الاجتماعية بالمنطقة الشرقية    نادي الاتفاق يتحصل على الرخصة المحلية والآسيوية    "متوسّطة الملك سعود" تحرز بطولة دوري المدارس على مستوى تعليم صبيا    أمانة القصيم تطرح فرصة استثمارية لإنشاء وتشغيل وصيانة لوحات إعلانية على المركبات بمدينة بريدة    جمعية تعظيم لعمارة المساجد بمكة تشارك في معرض "نسك هدايا الحاج"    نائب رئيس جمعية الكشافة يشارك في احتفالية اليوبيل الذهبي للشراكة مع الكشافة الأمريكية في أورلاندو    أمانة القصيم تقيم حملة صحية لفحص النظر لمنسوبيها    وزارة الداخلية تشارك في أعمال المؤتمر العربي ال (16) لرؤساء أجهزة الإعلام الأمني بجمهورية تونس    غداً.. انطلاق منتدى حائل للاستثمار 2025 والذي يجمع المستثمرين مع متخذي القرار وعرض الفرص الاستثمارية الكبيرة    زمزم الصحية تشارك في فرضية الطوارئ والكوارث    أمين الطائف" يطلق مبادرةً الطائف ترحب بضيوف الرحمن    ندوة عن الهوية الوطنية ودورها في الاستراتيجيات بمكتبة الملك عبدالعزيز    46٪ لا يعلمون بإصابتهم.. ضغط الدم المرتفع يهدد حياة الملايين    مبادرة طريق مكة والتقدير الدولي    أسعار النفط ترتفع وتتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    استمرار تأثير الرياح المثيرة للغبار على معظم مناطق المملكة    بلدي+ .. أول تطبيق للخرائط المحلية وإعادة تعريف تجربة التنقل في مدن المملكة        "الصحة" تُصدر الحقيبة الصحية التوعوية ب 8 لغات لموسم حج 1446ه    الرياض تعيد تشكيل مستقبل العالم    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    "هيئة تقويم التعليم والتدريب" تطبق الاختبارات الوطنية "نافس"    ضبط مصري نقل 4 مقيمين لا يحملون تصريح حج ومحاولة إيصالهم إلى مكة    برشلونة بطلاً للدوري الإسباني للمرة 28 في تاريخه    الاتحاد السعودي يختتم برنامجه الرياضي في مخيم الزعتري بالأردن    لوران بلان يُعلن موقفه من الاستمرار مع الاتحاد    استقبال ولي العهد للأبطال.. تشريف وتحفيز من مُلهم لشباب الوطن    وحدة التَّوعية الفكريَّة تنظِّم ملتقى تعزيز الوعي الفكري والانتماء الوطني    نائب أمير الرياض يطّلع على برامج وخطط جائزة حريملاء    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع هيئة التراث بالمحافظة    نجاح عملية فصل التوأم الملتصق الإريتري "أسماء وسمية" بعد عملية جراحية دقيقة استغرقت 15 ساعة ونصفًا    "بينالي الفنون" يدعم صناعة الأفلام التناظرية    تحذيرات فلسطينية من كارثة مائية وصحية.. «أونروا» تتهم الاحتلال باستخدام الغذاء كسلاح في غزة    أكد أن كثيرين يتابعون الفرص بالمنطقة… ترامب لقادة الخليج: دول التعاون مزدهرة.. ومحل إعجاب العالم    أسرتا إسماعيل وكتوعة تستقبلان المعزين في يوسف    جناح سعودي يستعرض تطور قطاع الأفلام في" كان"    عظيم الشرق الذي لا ينام    رؤيةٌ واثقةُ الخطوةِ    الحدود الشمالية.. تنوع جغرافي وفرص سياحية واعدة    الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سوريا    الكوادر النسائية السعودية.. كفاءات في خدمة ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



برتراند راسل وتراث الفلسفة
نشر في الحياة يوم 10 - 10 - 2017

الفلسفة بعامة والفلسفة اليونانية بخاصة، تغري كبار الفلاسفة بالاشتغال عليها والأخذ منها، إما استيحاء، أو محاكاة أو حتّى في محاولات لترجمتها ومحاورتها واستعارتها والأخذ عنها، لما يصلح أن يكون موضوعاً شيقاً للفلاسفة ولقرائهم اليوم وللفلسفة والمنجذبين إليها.
والفيلسوف الإنكليزي برتراند راسل (1872 - 1970)، إنما هو واحد من هؤلاء الفلاسفة الذين اشتهروا في القرن العشرين، واشتغلوا أيضاً على الفلسفتين القديمة والمعاصرة، كما عرفتا عند اليونانيين والعرب في الحقبة القديمة. وكذلك عند الفرنسيين والإنكليز والألمان والهولنديين في الحقبة الحديثة والمعاصرة. وهو بحسب الدكتور إبراهيم النجار من أهم فلاسفة القرن العشرين، وأوسعهم شهرة وأسلسهم عبارة. وهو الذي نال جائزة نوبل للآداب عام 1950 على طريقته في التعبير الفلسفي. وفاعليته كفيلسوف، إنما توقفت على نجاح نظريته في المعرفة. فنظريته تلك، كانت تعتبر بحق لب الفلسفة. ناهيك بخوض راسل أيضاً في المنطق والسياسة والأخلاق والرغبة. وهي مسائل كثيراً ما نجد الفكر العربيّ يحتاج إليها، حين يناقش المفكرون والفلاسفة العرب المعاصرون، هذه الموضوعات، الوافدة إليهم من الفلسفة الغربية، ومن فلسفة راسل على وجه مخصوص.
وفي جدال الفلسفة اليونانية القديمة مع الفلسفة الحديثة والمعاصرة كان اشتغال الفيلسوف الإنكليزي برتراند راسل على مادة الفلسفة، حين جعل عمله يقع في محورين:
1- المحور الأوّل هو حدود العقلانية أي قدرة العقل على ممارسة المعرفة ومقاربة الحقيقة في العالم الطبيعي، وهو الميدان الذي شكل النقد التنويري النظري للفلسفة اليونانية متمثلة في الثلاثي الفلسفي: سقراط وأفلاطون وأرسطو.
2- المحور الثاني ومنطلقاته الأساسية، هو الحرية الإنسانية، وقدرة الإنسان على إعمال إرادته وممارسة حريته في العالم الاجتماعي. وهو ما شكل عند راسل النقد التنويري العملي، على هذا الصعيد. إضافة إلى نظرته السياسية والتي تبدو لنا عالمية البعد وشمولية المقصد. فوقف ضد الحرب العالمية قاطبة باعتبارها خطراً على الإنسانية. وندد بالتدخل الأميركي المسلح في فيتنام وكمبوديا. وكان أول المنددين كذلك بالاعتداء الإسرائيلي في حرب حزيران (يونيو) 1967، مواجهاً التحديات الإسرائيلية الغاشمة لاحتلال فلسطين، وإنشاء المستعمرات على أرضها والتنكيل بشعبها الفلسطيني.
والواقع أن برتراند راسل في جمعه بين الفلسفتين القديمة والمعاصرة، وفي مواجهة الأرستقراطية التي أنبتته، والإمبريالية التي غذته، إنما بدا للباحثين من طينة تكاد تكون مختلفة، إذ عاش قرابة المئة عام، يناضل ويكافح في سبيل إنارة طريق البشرية، لتتغلب على ظلمات الجهل والغباوة والقهر والتعسف والكبت والتنكر للذات. فحمل أمام الفلاسفة مشعل التقدم مزيلاً الجمود والتحجر عن المنطق الذي لم يعرف التطور كما رأى، منذ أن وضع أسسه أرسطو فيلسوف اليونان العظيم.
كان راسل حقاً رائداً ومبتكراً ومجلياً في فلسفة القرن العشرين، تماماً كما كان مبدعاً في نظرية المعرفة والمنطق وجملة المواضيع الفلسفية التي عرفت عند القدماء وفلاسفة عصر النهضة والمحدثين، حتّى بدا للباحثين مشابهاً لفيثاغورس وأفلاطون وأرسطو من جهة، تماماً كما كان مشابهاً لديكارت وهيوم وكانط وكبار الفلاسفة النهضويين الحديثين والمعاصرين.
أنجز راسل خلال حياته التي عاشها حراً وسجين رأي، واحداً وسبعين كتاباً في الفلسفة والعلوم السياسية والأخلاقيات والاجتماعيات. وكان كتابه الأوّل: الديموقراطية الاشتراكية في ألمانيا عام 1896، وآخر كتبه: جرائم حرب في فيتنام عام 1967. وقد شهد في 1900 تحولاً فكرياً أساسياً، بفضل تعرفه إلى العالم المنطقي الشهير «بيانو»، والذي كان توصل إلى وضع نظام منطقي خاص. فأخذ راسل به وابتدأ باستعمال نظام منذ سنوات عدة. فكانت ثمرة ذلك اشتقاق الرياضيات من المنطق، إذ سرعان ما وضع كتابه «أسس الرياضيات» في معرض رد الفعل ضد المثالية، متقبلاً واقعية أفلاطون. وقد حصل في ما بعد على تعهد من «هوايتد»، والذي كان على اطلاع على محتويات أسس الرياضيات بالاشتراك معه في إصدار الكتاب، ما أسس لفعل فريد في التعاون الفلسفي بينهما.
يبدو لنا أن كتاب «الأصول» كان لا يزال ينتظر، على الرغم من المسائل الرياضية والمنطقية والفلسفية التي كانت تلاحق راسل، بلا هوادة، إذ تأخر صدوره حتّى عام 1910. وقد كتب إلى جانبه في ذلك الوقت «صلاة الإنسان الحر» و «جوهر الدين». وكذلك كتابه الذائع الصيت: «لماذا لست مسيحياً». وانصبت جهوده في حقل الفلسفة فنشر مقالات فلسفية وكتابه الآخر: «أسس لإعادة البناء الاجتماعي».
ونحن لا ننسى لراسل كتبه الأخرى: «مقدمة إلى الفلسفة الرياضية» وكذلك: «المنطق والمعرفة». وكتابه الآخر الذي قدمه للفيلسوف «فنغنشتاين»، والذي التقى به في هولندا وعنوانه: «تركتاتوس»، ثم كان كتابه «البلشفية: نظرية وتطبيق» وأيضاً «طريق إلى الحرية» و «مثل سياسية» و «مشكلة الصين».
قرن إذاً برتراند راسل تراث الفلسفة الماضوي، بتراث الفلسفة الحداثوي. وجعل من كليهما خطاباً موحداً، يعبر عن شؤونه وشجونه إن في الفلسفة أو في الدين أو في السياسة أو في الاجتماع أو في التربية. وهو الذي أنشأ مدرسة، دفعاً لمعاناته مع المدارس الناشئة في عصره، فكانت له بذلك تجربة سقراط وأفلاطون وأرسطو وإن في صورة مصغرة لو كتب لها النجاح، لكان لها شأن عظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.