اللواء المربع: «التحول التقني» جعل خدمات الأحوال المدنية أقرب من أي وقت    نائب أمير نجران يتسلم تقريرًا عن مشاريع الأمانة    وزير الشؤون الإسلامية يشيد بالأمر الملكي بتعيين الشيخ صالح الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة    أسعار النفط تقفز 2.5%    بعد غياب عامين .. جيسوس يقود النصر لرقم مميز    محافظ الطائف يلتقي مدير الدفاع المدني اللواء القحطاني    أمانة تبوك تنفذ فرضية للاستجابة والتعافي من مخاطر السيول استعدادًا لموسم الأمطار    السفير غنيم: المملكة السند الراسخ لفلسطين    بناء على ما عرضه ولي العهد أمر ملكي بتعيين الشيخ صالح الفوزان مفتياً عاماً للمملكة    «السوق المالية» تسجل نمواً في الأصول المدارة ب1.2 تريليون ريال    حراك دولي مكثف لتثبيت اتفاق غزة    أمير القصيم يشيد بجهود «دمي»    فيصل بن بندر يطّلع على استعدادات معرض «إبداع 2026»    تكليف العنزي مديراً للإعلام ومتحدثاً لوزارة الشؤون الإسلامية    "الإحالات الطبية" ينفذ خمسة آلاف إخلاء سنويًا ويُنقذ 30 ألف حياة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان يرسم الابتسامة على وجه ثلاثينية بالحمل والولادة بعد عقم استمر 12 عاماً    مستشفى رفحاء يحصل على اعتماد "سباهي"    ترمب يعلن إلغاء الاجتماع مع بوتين: «لم أشعر بالراحة»    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ علي عبدالله الأحمد الجابر الصباح    رئيس وزراء مملكة إسواتيني يستقبل نائب وزير الخارجية    السعودية إلى كأس العالم    في الجولة الثالثة من «يوروبا ليغ».. أستون فيلا لمواصلة الانتصارات.. واختبار أول لدايش مع نوتينغهام أستون فيلا لمواصلة الانتصارات.. واختبار أول لدايش مع نوتينغهام    في الجولة السادسة من دوري روشن.. كلاسيكو مثير بين الاتحاد والهلال.. والنصر والأهلي في ضيافة الحزم والنجمة    ملك مملكة إسواتيني يستقبل نائب وزير الخارجية    «التجارة»: 59% نمو سجلات الألعاب الإلكترونية    استحداث فئات للقطاع غير الربحي ..الصغير: 5 محاور و6 مسارات لجائزة المحتوى المحلي    أكد امتلاكها أحد أهم المواقع الجغرافية بالعالم.. الجاسر: السعودية تستضيف منتدى «الأونكتاد» لسلاسل التوريد    آل حلوّل والضليمي يزفون داؤود    المرور: الانحراف المفاجئ أبرز مسببات الحوادث    زوجة الجفري في ذمة الله    اللواء الدكتور صالح المربع يرأس الاجتماع السنوي لقيادات الأحوال المدنية    أكد رسوخ الوفاء والمبادرات الإنسانية.. محافظ الأحساء يكرم مواطناً تبرع بكليته لوالده    برنامج ثقافي سعودي- فرنسي يمتد حتى 2030.. 50 مليون يورو لدعم مشروع «مركز بومبيدو»    «السمحانية».. جمال المكان وروح التاريخ    السينما.. ذاكرة حضارية    عرض مسرحية «المايسترو» مطلع نوفمبر    بيع 3 صقور ب 399 ألفاً في «المزاد»    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة علي الصباح    أمر ملكي بتعيين الفوزان مفتياً عاماً للمملكة    نتنياهو يؤكد العمل مع واشنطن لتحقيق السلام.. ونائب ترمب: مهمة نزع سلاح «حماس» صعبة    بالونات مجهولة تثير مخاوف الأمريكيين    أداة جديدة لتوليد صور الحالة ب «واتساب»    معقم الأيدي «الإيثانول» يسبب السرطان    نادي الساحل يكرم حملة التطعيم    339 مبتعثا يدرسون الأمن السيبراني بأمريكا    78 % ارتفاع عقارات مجاورة لمترو الرياض    التراث يحفّز الاستثمار ويقود ازدهار المتاحف    50% من سعوديات القطاع الخاص بالرياض    الفوزان مفتيا للمملكة    النصر ينتصر على غوا الهندي ويعزز صدارته للمجموعة الرابعة بدوري أبطال آسيا 2    تصعيد ميداني في أوكرانيا وتوتر بين ترمب وبوتن    غداً .. انطلاق بطولة كأس العرب للهجن 2025 في وادي رم بمشاركة السعودية    قمة بروكسل: غزة في قلب الأجندة السياسية والإنسانية    نائب أمير منطقة الرياض يرعى حفل جائزة الاستدامة المالية    محافظ الأحساء يرعى توقيع اتفاقيات إستراتيجية لجمعية زهرة    أمير حائل يستعرض خطط وبرامج جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة    محمد بن عبدالعزيز يشيد بمنجزات «محكمة إدارية جازان»    العنزي مديرا للإعلام والاتصال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات المصرية - الإسرائيلية مناخ جديد لم تُعرف طبيعته
نشر في الحياة يوم 28 - 02 - 2011

ألقى عبور الباخرتين العسكريتين الإيرانيتين أخيراً قناة السويس بمياه كثيرة تحت جسر التفاعلات الإقليمية، خصوصاً ما يتعلق بالمعادلات الحاكمة لها بين مصر وإيران وإسرائيل. فإسرائيل، من جانبها، اعتبرت الحدث "خطيراً". وهي، وإن لم يصدر عنها ما هو أكثر، لا بد أنها دخلت عملياً في حالة من التوتر والقلق إزاء الأوضاع الجديدة التي أعقبت الزلزال السياسي في مصر. وفي المقابل، أثار الحدث ارتياحاً على الجانب الإيراني الشغوف بتلمس واستكشاف ما بعد الزلزال، بل ربما كان الهدف الدعائي له أهم من قيمته العسكرية. ومن جانب ثالث، لا بد أن يذكي الحدث نهم المتجادلين حول طبيعة الدور الإقليمي لمصر بعد زلزال 25 يناير. فهناك من يتعجلون الزج بمصر في آتون التفاعلات الإقليمية مبكراً، ويرونها عضواً جديداً في كتلة الممانعين العرب التي كانت تشكلت منذ الانقسام بين "فتح" و "حماس"، ونهوض تحالف بين حماس وحزب الله وسورية وإيران في مواجهة كتلة الاعتدال التي كانت مصر جسدتها مع السعودية والأردن بالأساس. يتحدث أولئك عن تحول دراماتيكي في الاصطفاف العربي باتجاه نمو كتلة الممانعة وتفكك كتلة المهادنة، وانتقال العالم العربي، إثر ذلك، إلى موقع راديكالي في حركة الصراع أو التوازن الإقليميين.
في الجانب الآخر، هناك من يرون خلو الثورة المصرية من أي شعارات قومية أو دينية أو إيديولوجية، مرتبين على ذلك أنها قد لا تطرح على نفسها مهمة استعادة الموقع المصري في الإقليم، حيث الدور القائد للعالم العربي، والضابط للتوازنات. ويبرر هؤلاء تصورهم بحقيقة ما أعلن المجلس العسكري الأعلى الحاكم الموقت لمصر، من احترام لكافة اتفاقيات مصر الدولية، وبالأساس معاهدة السلام مع إسرائيل.
ولعل هذين التصورين يبدوان مغاليين. فمن ناحية لا يمكن لمصر أن تنقلب فجأة من النقيض إلى النقيض، فهذا سلوك غير سليم عملياً ونظرياً، لأن الدور القيادي يحتاج إلى إلهام سياسي، وإلى شق طريق جديد للحركة العربية يجمع بين العقلانية والفعالية، وليس مجرد الانحياز إلى منهج لم يثبت فعاليته، كنقيضه تماماً. ومن ناحية أخرى لأن عدم رفع شباب الثورة شعارات قومية أو إسلامية لا يعني قط عدم وجود هذه الميول لدى الكثيرين من بينهم أو لدى المصريين جميعاً. فالإخوان المسلمون مثلاً لديهم ميل لا يحتاجون إلى التعبير عنه، وقد حدث هذا التعبير أحياناً وإن على استحياء في قلب الميدان، خشية أن يؤدي ذلك إلى تفرق الجمع المتحد ضد النظام، فلا الوقت وقته، ولا الظرف يسمح. ولا يعني ذلك اتهاماً للإخوان المسلمين بالتقية، فقد تكون قناعاتهم قد تطورت باتجاه الدولة المدنية، وصاروا أكثر قابلية للعمل من داخل الشرعية وفي إطار الدستور الجديد وضوابطه كما يعلنون، من دون أن ينفي ذلك ميلهم المحافظ على الأقل، وهو ميل مشروع يوجد ما يماثله في شتى الديموقراطيات العريقة، لكن المهم هو أن تلك الأمور مؤجلة الآن، ولا معنى لإثارتها مبكراً قبل إرساء هياكل النظام الجديد.
وعلى النحو ذاته، كانت هناك في الميدان ميول قومية مؤكدة لمستها بنفسي، وسمعت أصداءها وتحاورت حولها. ذلك أن المصريين جميعاً لديهم حس عميق بالمسؤولية تجاه العالم العربي، ويشعرون حقاً بالإهانة عندما تقوم إسرائيل أو غيرها من دول الإقليم أو حتى الدول الكبرى كالولايات المتحدة بالعدوان على بلد أو شعب عربي، بمن فيهم الفقراء، حتى أنني شاهدتُ بائع خبز يبكي لحظة دخول الأميركيين بغداد، ناهيك عما صاحب ذلك الحدث من احتجاجات وتظاهرات كانت هي الأكبر في مصر منذ انتفاضة 1977، وحتى ثورة 25 يناير. بل يمكن الادعاء أن ثالث أهم أسباب قيام الثورة المصرية، بعد غياب العدالة الاجتماعية والأزمة الاقتصادية التي تطحن جموع المصريين، وبعد المطلب الديموقراطي التحرري كضرورة للشعور بالكرامة الإنسانية، هو هدف استعادة الدور الإقليمي المصري الذي تردى بشدة خلال العقود الثلاثة المنصرمة، حيث مثل الدور المصري في قيادة مشروع التحرر العربي ضد النفوذ الغربي، والتدخل الأميركي، والغطرسة الإسرائيلية مقوماً أساسياً في شرعية الجمهورية المصرية الأولى في حقبة ما بعد تموز (يوليو) 1952، ومنذ انقلبت مصر على تحالفاتها الخارجية نحو السلام مع إسرائيل والتحالف مع الولايات المتحدة، أخذت شرعية النظام السياسي في التقلص، وتراجعت، من ثم، درجة الإجماع حوله أو عليه.
وفي هذا السياق يمكن التأكيد أن الجيش المصري بمجلسه العسكري الحاكم الآن لا يفكر في التخلي عن اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل. كما أنه من غير المحتم أو حتى المرجح أن يقوم الرئيس المنتخب أو الحكومة المصرية الجديدة بعد أشهر بالتخلي عنهما، لكن المؤكد أن مصر، بعد أن تعيد بناء نظام سياسي جديد ذي شرعية راسخة، ستضع قيوداً على الحركة الاستراتيجية لإسرائيل وعلى مستويين أساسيين: الأول هو الصراع العربي الإسرائيلي، فعلى رغم أن مصر من المحتمل أن لا تتخلى عن خيار السلام كآلية لتسوية الصراع، فالمؤكد أنها سوف تضع سقوفاً جديدة لهذا الخيار تبعد به عن الصيغة المهترئة القائمة، وتعيده إلى شرعيته القانونية، وهو أمر ستمانعه إسرائيل على الأرجح، ما يعني أن خلافات من درجات متوسطة الشدة أو ما فوقها لا بد أن تدب بين البلدين، وأن إسرائيل ستحرم من حال الأمان المطلق الذي تمتعت به في ظل النظام السابق. وهنا لن يكون ثمة معنى أو قيمة موضوعية لمعاهدة السلام، اللهم إلا منع الحرب المفتوحة بين البلدين وهو هدف سيحرص كل منهما عليه لأن وقوع أي خطأ وانطلاق حرب جديدة بينهما، بعد كل ما جرى في العقود الثلاثة الماضية، يعني أنه لن يكون هناك سلام آخر ولا حد أدنى من الثقة يمكن التعويل عليه، وأن مقولات الصراع الوجودي، وخيارات كخيار التحرير الكامل للأرض العربية، سيكون لها ما يبررها، ويضفي عليها المعنى، خصوصاً إذا أوصلت حركات الاحتجاج القائمة الآن لدى الكثير من الدول العربية بعض شعوبها إلى نظم سياسية أكثر تعددية وانفتاحاً، ومن ثم أكثر فعالية، وحرصاً على التكتل القومي، ورغبة في الفكاك من أسر التوازنات السلبية المهيمنة عليهم مع جل الفاعلين في الإقليم وعلى رأسهم إسرائيل.
والمستوى الثاني يتعلق بالأزمة العميقة بين إسرائيل وإيران، فالمؤكد أن إيران تمثل لإسرائيل جبهة مهمة وكبيرة، ما يجعل الحرب عليها معضلة كبرى تحتاج إلى درجة قصوى من الضمان الدولي والأمان الإقليمي، بمعنى أن يتوافر لها دعم من النظام الدولي يفترض أن توفره الولايات المتحدة، وحياد إقليمي على الأقل، ما يعني أن طرفاً ما في الإقليم لن ينتهز الفرصة للهجوم على مؤخرتها فيما تحارب هي على الجبهة الإيرانية، وهو ما كان النظام المصري يوفره.
ولعل إسرائيل حاولت اغتنام توافر هاتين الضمانتين، حيث التأييد الأميركي المضمر والنسبي في عهد الرئيس السابق بوش الابن، وفي ظل هيمنة اليمين المحافظ، وكذلك الحياد الإقليمي الذي كانت تضمنه مصر، لتوجيه ضربة ما لإيران، لكن تأخرها في الحسابات، وعدم التأييد الصريح والمطلق لها في ظل التورط الأميركي في العراق، ثم النتائج المخيبة لحربها على جنوب لبنان، ضيعا عليها هذه الفرصة التي ربما لن تتكرر في وجود رئيس أميركي ليبرالي لن ينجرف في الأغلب الأعم إلى تأييدها صراحة في الحرب على إيران أو حتى في توجيه ضربات مركزة تستهدف المنشآت النووية. كما أن الضمانة المصرية لم تعد مؤكدة، في ظل تحسن محتمل وفي شكل كبير في العلاقات بين مصر وإيران في المرحلة المقبلة، وفي ظل نزوع مصر إلى إعادة بناء مجالها الحيوي ونفوذها الإقليمي.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.