من بين كل برامج المواعدة التلفزيونية، يحجز برنامج «موعد أول» مكانة مُهمة في بريطانيا، وهي الدولة التي انطلق منها في عام 2013 (أنتجته شركة «تونتي تونتي» ويعرض على القناة الرابعة البريطانية). وساهم نجاح البرنامج الكبير في المملكة المتحدة- المعروف عن جمهورها صعوبة ذائقته- في فتح المجال له في دول عديدة، إذ بيعت حقوق إنتاج نسخ محلية منه إلى تسعة وعشرين بلداً، تتقدمهم الولاياتالمتحدة، إذ اشترت قناة «أن بي سي» حقوق النسخة الأميركية، والتي قامت بإنتاجها الكوميدية والمقدمة التلفزيونية الأميركية المعروفة ألين ديجينيريس. والأرجح أن سبب نجاح البرنامج يعود إلى بساطة تركيبته ووضوح التجربة التي يقدمها وقربها من الواقع المعيش. فهو يجمع باحثين عن علاقات عاطفية من الرجال والنساء في مطعم في وسط العاصمة لندن، ويجعلهم يقضون أمسية عشاء معاً. وفي نهاية تلك الأمسية يتوجب عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا يرغبون في مواصلة مواعدة هؤلاء المرشحين، أو أنهم لم يشعروا بالانجذاب العاطفي الكافي، ولا يرغبون في تضييع أوقاتهم أو أوقات غيرهم. تقدم كل حلقة من البرنامج في نسخته البريطانية أربعة مواعيد عاطفية، إذ تنتقل الكاميرا من طاولة إلى أخرى لترصد ما يحدث من محادثات بين المشتركين في الحلقة، والذين تعثرت محاولاتهم في الماضي لسبب أو لآخر في ايجاد الشريك العاطفي المناسب. تمرّ المحادثات بالعادة على ماضي الشخصيات، ما يوفر أحياناً لحظات مؤثرة في البرنامج، وبخاصة تلك تكشف عن محطات مؤلمة في حياة المشتركين، كفقد فرد من العائلة، أو ظروف خارجة عن إرادتهم جعلتهم يواجهون صعوبات جمّة في إيجاد الحب. بعد نهاية العشاء، يذهب المشتركون إلى غرفة خاصة للتحدث أمام الكاميرا عن مشاعرهم تجاه الأشخاص الذين قضوا معهم الساعات الماضية، ومن ثم يأتي القرار الحاسم، والذي يكون قاسياً أحياناً على الذين أعجبوا من جانب واحد بشركائهم في الأمسية. يعود معظم المشتركين إلى بيوتهم من دون أن تكلل محاولاتهم بالنجاح. في حين يبدو أن القلة فقط عثرت على بداية لما يمكن أن يكون علاقة عاطفية ناضجة جديدة. يتتبع البرنامج قصص المشتركين فيه لفترات طويلة، ثم يخبرنا وبعد نهاية كل حلقة عما حدث للمشتركين الذين عثروا على ما يمكن أن يكون بداية علاقة عاطفية، إذ يتبيَّن أن معظم العلاقات لم تصمد طويلاً أمام تحديات الزمن والاختلافات. تتميز النسخة البريطانية من البرنامج بإبرازها حقيقة مشتركين مهتمين حقاً بإيجاد الشريك العاطفي، وهم يفتحون قلوبهم للبرنامج، ويكشفون عن لحظات ضعف وعقبات كانت دائماً موجودة في حياتهم. بيد أن هذا لن يكون حال جميع المشتركين، فمنهم من يبدو كأنه يشارك لمجرّد حبّ الظهور على الشاشة، ويتبيّن عدم الجديّة في إيجاد شريك عاطفي لعلاقة طويلة. تتعرض الكثير من برامج المواعدة التلفزيونية إلى انتقادات حادة لجنوحها إلى الخفة في تعاطيها مع حاجات المشتركين فيها. وهناك من يشكك في قدرة التلفزيون بالمطلق على توفير مناخات صحية مناسبة للباحثين عن علاقات، إذ يزيد حضور كاميرات التلفزيون من تعقيد لقاءات عاطفية هي صعبة أساساً. ولعلّ ما يميز برنامج «لقاء أول»، هو موقع الكاميرات من الطاولات التي يجلس عليها المشتركون، لكونها نصبت عن بعد وليست ظاهرة في شكل جليّ للمشتركين.