شهدت الانتخابات المصرية تغطية تلفزيونية تعدّ سابقة ليوم اتفق الجميع – وإن كان لأسباب بالغة التباين - على أنه يوم استثنائي. التلفزيون الرسمي ارتدى رداء الموضوعية والتوازن في التغطية. دوائر انتخابية تدفق اليها المواطنون. ابتسامات علت الوجوه، تباين في الهويات والأعمار، حتى أن الكاميرا حرصت على التركيز على مقعد ستيني يكاد يطير من على مقعده المتحرك ليدلي بصوته، وامرأة شابة تحمل طفلها النائم بين ذراعيها وتهمّ بالدخول للإدلاء بصوتها. طوابير منسقة، وصناديق تغادر الدوائر في ما بعد في دقة ونظام تحسدنا عليهما أكثر الدول تقدماً وتطوراً. ومن الدوائر إلى الاستوديو حيث جموع الخبراء والمعلقين والعالمين ببواطن الأمور السياسية يؤكدون أن اليوم يسير على أفضل ما يرام، وأن النظام الموضوع لسير الانتخابات هذه المرة نقلة ديموقراطية حقيقية وتحول حضاري نوعي. ولكن ما هي إلا كبسة زر، حتى تتغير الوجوه، ويظهر المذيع المصري أيضاً – ولكن الذي «يُعطش» ال «ج»- بحكم عمله في هذه القناة العربية أو تلك. ضيوفه في الاستوديو خليط من خبراء يؤيدون الخط الرسمي للدولة، وآخرون يقفون على طرف نقيض. وفريق ثالث يوجه أفظع الاتهامات الى هؤلاء وأولئك بحجة أن كل ما يجري ما هو إلا مسرحية لا تستحق كل هذا الضجيج! ومن الاستوديو إلى الدوائر الانتخابية التي سُمح لكاميرات القنوات العربية «المرضي عنها» بالتواجد فيها، وأسئلة توجه الى عدد من الناخبين تتأرجح بين محاولة كشف المستور، ولكن على استحياء، والعودة إلى المداهنة حفاظاً على السماح بالتواجد. كبسة زر أخرى على الريموت كونترول نقلت المشاهد الى تغطية أخرى أكثر صعوبة. فالقنوات المصرية الخاصة تحظى بنسب مشاهدة عالية جداً، بالتالي أيضاً تحظى بعين ثاقبة يهمها التأكد من أن أية محاولات للتسخين أو التركيز المعتاد على السلبيات أو توجيه اتهامات تؤرق نوم المسؤولين أو تعكر صفو الحلم الذي بات قريب التحقيق بإنهاء هذا اليوم الحاسم في مصلحة الحزب الحاكم. ومن ثم جاءت المتابعات لهذا اليوم أقرب ما تكون إلى معادلة الشد والجذب. فها هي فقرة تركز على مواجهة عنيفة في الدقهلية، تقابلها إشادة بهدوء في مصر الجديدة. والضيف الذي ينتقد التعامل الأمني مع أفراد جماعة الإخوان المسلمين يناهضه آخر يشيد بحكمة الأمن في التعامل مع المشكلات الطفيفة التي طرأت خلال اليوم. أما الضيوف الذين يمكن أن يثيروا الرأي العام، فدعوتهم مؤجلة لحين انتهاء يوم الحسم. لكن الطريف، والذي لم يكن في حاجة إلى جهود مضنية للإمساك بالعصا التلفزيونية من المنتصف حتى لا يغضب أحد كان مشهد صناديق الانتخاب الضخمة التي أوضحت جوانبها الزجاجية وريقات الاقتراع الضئيلة جداً، والتي لم تكن في حاجة إلى هذا المقاس من الصناديق ولا إلى كم الموظفين من الرجال الأشاوس الأقوياء لحملها تمهيداً إلى فرزها.