بدا الحوار اللبناني مبتوراً أمس بعقد «هيئة الحوار الوطني» برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان في نصف جلسة، بغياب 7 من أعضائها، 6 منهم من رموز المعارضة، في طليعتهم ممثل «حزب الله» النائب محمد رعد وزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، بفعل إصرار الرئيس على عدم تأجيلها بسبب مقاطعة هؤلاء وعقدها بمن حضر لأن «الحوار ضروري حتى لو لم يكن هناك من مشكلات بيننا فكيف اليوم ونحن نواجه التحديات والتهديدات الإسرائيلية»، داعياً الى «عدم ربط الحوار بالأجواء التي تسود بين الحين والآخر في مجلس الوزراء». ووجهت واشنطن أمس رسالة تؤكد فيها التزامها «القوي بسيادة واستقلال واستقرار لبنان»، وذلك عبر اتصال أجرته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون برئيس الوزراء سعد الحريري مشيدة «بقيادته المثابرة». وفي اتصال هو الثاني لكلينتون في غضون أسبوعين بالقيادة اللبنانية (الأول كان بالرئيس ميشال سليمان) أكدت الخارجية الأميركية، في بيان، أن كلينتون اتصلت بالحريري صباح امس «لإعادة التأكيد على الالتزام القوي للولايات المتحدة بسيادة لبنان واستقلاله واستقراره». وأضاف البيان أن «الوزيرة تحدثت أيضاً عن التطورات الأخيرة والقضايا السياسية في المنطقة». كما نوهت الوزيرة بأهمية «استقلال لبنان وسلامه بالنسبة الى الولاياتالمتحدة» وبالتزام واشنطن ب «تقوية مؤسسات الدولة اللبنانية عبر برامجنا للمساعدات الاقتصادية والأمنية». وختم البيان بالإشارة الى أن كلينتون والحريري «يتطلعان قدماً لاستكمال شراكتهما وتعميق الروابط والسعي نحو شرق أوسط أكثر سلاماً وأمناً وازدهاراً». كما علمت «الحياة» من مصادر فرنسية مطلعة أن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير سيزور بيروت مساء اليوم للقاء الرئيسين سليمان والحريري والمسؤولين اللبنانيين. وقالت المصادر إن كوشنير سيسلّم سليمان رسالة من الرئيس نيكولا ساركوزي. وذكرت أن الأخير قرر إيفاد كوشنير الى بيروت خلال وجوده في لندن حيث أجرى محادثات مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون الثلثاء الماضي. وقالت مصادر قيادات مسيحية في قوى 14 آذار إن لقاء مسيحياً موسعاً سيعقد في العاشرة من صباح اليوم في مقر البطريركية المارونية برعاية البطريرك نصر الله صفير لمناقشة وإعلان وثيقة سياسية تستند الى مبادئ البطريركية وتتناول الوضع العام في البلاد. وقالت مصادر المشاركين في هيئة الحوار أمس ل «الحياة»، أن سليمان أكد في الاجتماع أن «الحوار مرتبط بتاريخ لبنان»، مشيراً الى محطاته في أزمات مختلفة في البلاد منذ أزمة 1958، بعد أن أبلغ الأقطاب الاثني عشر الحاضرين أن الجلسة لن تناقش النقطة المتبقية على جدول أعمال الحوار وهي الاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان في غياب قوى أساسية معنية بذلك. ولم يتغيّب من غير قوى المعارضة إلا رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط، بداعي السفر، فيما حضر من المعارضة رئيس المجلس النيابي نبيه بري. كذلك حضر الرئيس السابق أمين الجميل الذي عاد ليل أول من أمس من السفر. ونقل بعض الحاضرين ل «الحياة» عن بري قوله إنه سيعالج مسألة عدم حضور البعض الجلسة، معتبراً أنه «يمكن الوزراء أن يغيبوا عن مجلس الوزراء لكن يجب أن يحضر الجميع الى طاولة الحوار». وأشار هؤلاء الى أن بري سيبذل جهده لتأمين حضور الجميع للهيئة في الاجتماع المقبل الذي سيدعو إليه الرئيس سليمان قبل 22 الجاري (عيد الاستقلال). لكن تلفزيون «أن بي أن» المقرب من بري نقل عنه أنه أبلغ أركان الحوار أن غياب المعارضة عن الجلسة هو «احتجاج على التسويف الحاصل في بت ملف شهود الزور في مجلس الوزراء، وليس تعبيراً عن نية لمقاطعة الحوار». كما أشار الى أنه «لو كانت المعارضة تنوي المقاطعة لكانت قاطعت أولاً جلسات الحكومة حيث يجري التسويف». وكانت أوساط المعارضة بررت غياب معظم رموزها عن هيئة الحوار بأنه رد على تأجيل جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة الأربعاء الماضي للبت بملف شهود الزور الذي تصر المعارضة على إحالته الى المجلس العدلي فيما يرفض وزراء قوى 14 آذار ذلك. وعلمت «الحياة» أن المداخلات في هيئة الحوار أمس ركزت بمجملها على خطأ الغياب عن الحوار. فأدلى الحريري الذي عاد فجر أمس من زيارة أغادير في المملكة المغربية حيث التقى ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وعدداً من المسؤولين السعوديين، بمداخلة أيد فيها كلام سليمان. وقال الحريري: «لا يجوز مقاطعة هيئة الحوار بسبب عدم عقد جلسة مجلس الوزراء لبحث موضوع شهود الزور. ولا يمكن مناقشة مواضيع حساسة في غياب فريق سياسي أساسي. الحوار هو ضرورة والضرورة تحتاج لوجود كل الأطراف حول الطاولة وأنا متمسك بمبدأ الحوار. نحن في الهيئة نتحدث عن الاستراتيجية الدفاعية ونحدد كيف نريد حماية الوطن، والامتناع عن الحوار رسالة للخارج بأننا غير قادرين على الحوار من أجل بناء موقف داخلي إزاء التهديدات والمخاطر الناتجة من سياسة إسرائيل العدوانية». ومساء ألقى الحريري كلمة أثناء رعايته وضع الحجر الأساس لمبنى جديد للقسم الابتدائي في مدرسة «أنترناشيونال كولدج» فأكد أن لبنان «نموذج للقاء المذاهب والأديان والخبرات والأفكار». وأضاف: «هذا اللقاء لا يمكن أن يتم، في غياب الحوار. وهذه مناسبة، لأؤكد أمامكم وأمام جميع اللبنانيين أن الحوار حاجة وضرورة ومسؤولية، وأن أي تعطيل للحوار هو دفع للبلاد نحو القطيعة». ونوّه الحريري «بصفة خاصة بحضور الرئيس بري جلسة الحوار الوطني لأن حضوره كان تأكيداً على أن التواصل بين اللبنانيين يجب أن يستمر، وهو قاعدة أساسية من قواعد النظام الديموقراطي ومن قواعد العيش المشترك الذي هو في النهاية، أسمى وأجمل وأصلب أشكال الحوار». وقال: «لا يخفى على أحد منكم أن بلدنا يعيش في أجواء تصعيد. تصعيد سياسي وإعلامي ينتج مخاوف مشروعة عند اللبنانيات واللبنانيين. لكنني أريد التأكيد مجدداً على ما سبق أن أعلنته في أكثر من مناسبة، لا بل في كل مناسبة: إن لبنان سيكون في أمان، من أي خطر على وحدته الوطنية. وعلى رغم كل الضجيج الذي تسمعونه من هنا وهناك، فإن واجبي يفرض علي أن أؤكد لكم أن الأوضاع لن تذهب، لا نحو ما يتمناه البعض، ولا نحو ما ربما يخطط له البعض الآخر». واختتم قائلاً: «نحن نحمل أمانة رفيق الحريري، فنحن لم نكن يوماً، دعاة عنف، ولن نكون وسيلة لدفع لبنان نحو الخراب. لا بل إننا نعمل مع جميع الجهات المسؤولة، وعلى رأسها فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ونراهن على حكمة العقلاء، وعلى كل من يدرك معنى حماية لبنان من الانزلاق نحو الفتنة». في المقابل قال رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد في تصريح لتلفزيون «المنار»: «نجد أنفسنا في حزب الله معنيين قبل غيرنا بالتضامن مع موقف العماد ميشال عون وأقطاب المعارضة ولذلك فإن عدم حضورنا أمر طبيعي». وأكد الوزير محمد فنيش ل «المنار» أن «من حق الفرقاء في الحوار أن يتخذوا موقفاً احتجاجياً إزاء حرف هذا الحوار عن هدفه الرئيس الساعي الى درء الأخطار عن البلد». واعتبر فنيش أن «الاستخفاف والتسويف وكسب الوقت في ملف شهود الزور في موقع النقيض لهدف الحوار»، مؤكداً أن وزراء المعارضة يصرّون على بت ملف شهود الزور في الجلسة المقبلة للحكومة تصويتاً أو توافقاً وسواء عقدت في السراي الحكومية أم في قصر بعبدا». وكان نائب الأمين العام ل «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم قال أثناء حضوره اجتماعاً للأحزاب والشخصيات والقوى الوطنية إن عقارب الساعة لن تعود الى الوراء في شأن ملف شهود الزور وإن المعارضة بكل أطيافها وقواها ماضية حتى النهاية الى تحقيق مطلبها بإحالته على المجلس العدلي. وأشار الى: «القرار الاتهامي الذي سيصدر عن المحكمة الدولية المسيسة». معتبراً أن اتهام عناصر من «حزب الله» بموجب هذا القرار «أحد السيناريوات التي يراد منها ليس فقط اتهام المقاومة وتطويقها خدمة لإسرائيل وإنما أيضاً إيران وربما سورية لاحقاً وهو من وسائل زرع الفتنة».