فريق صناع التميز التطوعي 2030 ينفذ مبادرة لمعايدة المرضى في مستشفى بيش العام    ترقية محمد آل قصاد لرتبة رائد في القوات البرية الملكية السعودية    غوارديولا يرشح منتخب إنجلترا للفوز ببطولة أوروبا 2024    «الجمارك»: 160 ألف سيارة واردة إلى السعودية في عامين    الرياض تحتضن أكبر معرض لصناعة الدواجن    شمس منتصف الليل.. ظاهرة طبيعية تحدث في الصيف    بدر بن عبدالمحسن.. غاب البدر وانطفى ضيّ الحروف    ملتقى الصقارين ينطلق في الرياض بهدف استدامة هواية الصقارة    اللجنة الثلاثية «السعودية - التركية - الباكستانية» تناقش التعاون الدفاعي وتوطين التقنية    «الداخلية»: ضبط 19,662 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في أسبوع    نيابة عن الملك.. وزير الخارجية يرأس وفد المملكة ب"مؤتمر القمة الإسلامي"    انطلاق فعاليات شهر التصلب المتعدد بمسيرة أرفى بالشرقية    باكستان تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    مصر: الفنانة السورية نسرين طافش تستأنف على الحكم بحبسها 3 سنوات.. الأربعاء    توافق سعودي – أذربيجاني على دعم استقرار "النفط"    جيرارد: محبط بسبب أداء لاعبي الاتفاق    التسمم الغذائي.. 75 مصاباً وحالة وفاة والمصدر واحد    توقعات بهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    غاياردو يغيب عن المؤتمر الصحفي بعد ثلاثية أبها    جوتا: لا نفهم ماذا حدث.. ونتحمل مسؤولية "الموسم الصفري"    "زرقاء اليمامة" تفسر أقدم الأساطير    رحل البدر..وفاة الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر ناهز ال75 عاما    "تسلا" تقاضي شركة هندية لانتهاك علامتها التجارية    الذكاء الاصطناعي يبتكر قهوة بنكهة مميزة    3 مخاطر لحقن "الفيلر" حول العينين    بدء إجراءات نقل السيامي "عائشة وأكيزا" للمملكة    إغلاق مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية مرتفعة    انخفاض أسعار النفط في أكبر خسارة أسبوعية في ثلاثة أشهر    الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو الأوروبي    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    "الترفيه" تنظم عروض "سماكداون" و "ملك وملكة الحلبة" في جدة الشهر الجاري    بأمر الملك.. إلغاء لقب «معالي» عن «الخونة» و«الفاسدين»    اليوم المُنتظر    «النصر والهلال» النهائي الفاخر..    «الأونروا»: الصراع في غزة مستمر ك"حرب على النساء"    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    عقد المؤتمر الصحفي لبطولة "سماش السعودية 2024" في جدة    جريمة مروّعة بصعيد مصر.. والسبب «الشبو»    أمانة الطائف تنفذ 136 مبادرة اجتماعية بمشاركة 4951 متطوعًا ومتطوعة    رئيس مجلس القيادة الرئاسي يوجه بسرعة العمل على فتح الطرقات وتقديم المساعدة    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    "درع الوقاية 4".. مناورات سعودية – أمريكية بالظهران    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    كيفية «حلب» الحبيب !    قصة القضاء والقدر    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيّرة للإسلام السياسي
نشر في الحياة يوم 18 - 06 - 2016

صدرت عن دار «جداول» في بيروت أخيراً الترجمة العربية لكتاب «ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيرة للإسلام السياسي»، من إنجاز محمد العربي. ويعد هذا الكتاب الذي حرَّره وساهم فيه عالم اجتماع الشرق الأوسط آصف بيات، خطوة مهمة في تطوير الجدل السائد حول مصير الإسلام السياسي في المنطقة العربية؛ حيث يتم طرح «ما بعد الإسلاموية»؛ ذلك المفهوم المركَّب الذي طرحه بيات في منتصف التسعينات باعتباره مستقبلاً ممكناً لهذه الحركات، في الوقت الذي بدت النتائج الكارثية لاحتمالات تزايد الراديكالية التي تجسدها تنظيمات مثل «داعش» و «القاعدة».
وعلى رغم تركيز أبحاث الكتاب التي غطت عشرة بلدان إسلامية من المغرب حتى إندونيسيا على شرح التطور التاريخي للظاهرة الإسلاموية وتحولاتها الممكنة، إلا أنها تضع التحولات الاجتماعية كمفسر أساسي لهذه التحولات بحيث يمكن القول إن هذه الحركات بقدر ما أسهمت في تغيير مجتمعاتها، فقد كانت نتاجاً أيضاً لتحولات اجتماعية أعمق. وهو ما يؤشر على تركيبية وتعقد عملية التغيير الاجتماعي في العالمين العربي والإسلامي ويقتضي السعي نحو تطوير أطر مفاهيمية أكثر عمقاً واستيعابية لذلك التعقد والتركب. ومن هنا يتم طرح «ما بعد الإسلاموية» كإطار تحليلي متعدد الأبعاد والتطبيقات. تعد أبحاث الكتاب دراسات لمفهوم «ما بعد الإسلاموية»، الذي مثَّل، بحسب المؤلف، في صياغته الأولى «حالة» و «مشروعاً».
في المثال الأول، أشارت «ما بعد الإسلاموية» إلى الحالة السياسية والاجتماعية التي أعقبت مرحلة التجريب واستنزفت فيها جاذبية وطاقة ومصادر شرعية الإسلاموية حتى بين من كانوا مؤيديها المتحمسين. وأصبح الإسلاميون واعين بتماثلات واختلافات خطابهم في الوقت الذي يحاولون فيه أن يؤسسوا أو أن يتخيلوا حكمهم. وأصبح إطارهم السياسي، بفعل التجربة والخطأ المستمرين بالإضافة إلى العوامل الدولية والواقع المحلي، عرضة للتساؤلات والانتقادات. وستنتهي المحاولات البراغماتية لإدامة النظام في النهاية إلى تأكيد التخلي عن بعض المبادئ المؤسسة للإسلاموية. وأضحت الإسلاموية، نتيجة لظروفها الداخلية والضغوطات المجتمعية، مضطرة إلى إعادة اختراع نفسها، لكنها تقوم بهذا على حساب تحولها الكيفي. يقدم التحول الهائل في الخطاب الديني والسياسي في إيران خلال التسعينات نموذجاً على هذا الاتجاه.
أما ما بعد الإسلاموية كمشروع فهي محاولة واعية لتأطير مفاهيم ووضع استراتيجية لبناء منطق ونماذج متجاوزة للإسلاموية في المجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية. مع ذلك، وبهذا المعنى، فهي ليست علمانية أو معادية للإسلام أو غير إسلامية؛ فهي بالأحرى تمثل سعياً نحو دمج التدين بالحقوق، والإيمان بالحرية، والإسلام بالتحرر. إنها محاولة لقلب المبادئ المؤسسة للإسلاموية رأساً على عقب من خلال التأكيد على الحقوق بدلاً عن الواجبات، ووضع التعددية محل سلطوية الصوت الواحد، والتاريخية بدلاً عن النصوص الجامدة، والمستقبل بدلاً عن التاريخ. إنها تريد أن تزاوج الإسلام والاختيار الفردي والحرية، على اختلاف درجاتها، من ناحية، والديموقراطية والحداثة من ناحية أخرى، لتحقيق ما أطَلق عليه البعض «حداثة بديلة». لقد تم التعبير عن بعد الإسلاموية في الاعتراف ببعض أسس العلمانية مثل التحرر من التزمت، والقطيعة مع احتكار الحقيقة الدينية. وفي الوقت الذي تتحدد فيه الإسلاموية بربط الدين بالمسؤولية، فإن ما بعد الإسلاموية تؤكد على التدين والحقوق. مع ذلك، فبينما تفضل الدولة المدنية غير الدينية، فإنها تتوافق على دور للدين في المجال العام.
ويتناول الجزء الأول من الكتاب حالة النقد من داخل الحركات الإسلامية التي ولدت حالة ومشروع ما بعد الإسلاموية بالتركيز على إيران ما بعد ثورة 1979 والتحولات العميقة التي حلت بالمجتمع الإيراني والدولة بعد انتهاء الحرب مع العراق ورحيل الخميني 1989. لقد تجسدت ما بعد الإسلاموية الإيرانية في حركات واتجاهات اجتماعية تم التعبير عنها في خطابات دينية مجددة قدمها الشباب والطلبة والنساء والعلماء الدينيون الذين طالبوا بالديموقراطية وحقوق الفرد والتسامح والمساواة بين الجنسين، إلى جانب فصل الدين عن الدولة. ومع ذلك رفضوا إلقاء الحساسيات الدينية بعيداً. لقد أجبرت نضالات الفاعلين العاديين ومقاومتهم اليومية المفكرين الدينيين والنخبة الروحية والفاعلين السياسيين على البدء في إحداث نقلة نوعية في النموذج الفكري. ودانت مجموعات من الثوريين الإسلاميين أفكارها السابقة، واعتبرت أن الدولة الدينية خطر على كلٍ من الدولة والدين. وبشكلٍ ما، خلقت الدولة الإسلامية خصوماً لها من داخل نظامها ومن خارجه دعوا إلى علمنة الدولة مع الحفاظ على الأخلاق الدينية في المجتمع.
ويقيم الجزء الثاني من الكتاب مقارنة من خلال دراستين عن الحالة التركية وسياق ظهور وتحولات حزب العدالة والتنمية الذي بدأ الترويج له مع صعوده للحكم من رحم الحركة الإسلامية التركية عام 2002 باعتباره ما بعد إسلاموية نموذجية. ففيما يتعقب إحسان داغي هذه التحولات على نموذج بيات التفسيري، يرى الناقد اليساري جيهان توجال أن الحزب أبعد ما يكون عن تجسيد ما بعد الإسلاموية بل هو إعادة إنتاج للخطاب المحافظ الذي يجمع بين تعزيز الشعور القومي التركي مع الحساسيات الدينية للأتراك فهو يجسد في جوهره «الثورة السالبة» حيث استوعب تحدي الإسلاموية في الحاكمية النيوليبرالية والتي تتميز بسيادة المحافظية القومية، وعولمة السوق الحرة، والتعددية المقيدة.
أما دراسة بيات المكثفة عن الحالة المصرية فهي تتجاوز الحديث عن الإسلاميين إلى الشرح المفصل لتحولات الاجتماع والدولة في مصر في مرحلة ما قبل كانون الثاني (يناير) 2011 والتي تجسدت في ظاهرة مركبة تمثلت في أسلمة الدولة من دون ثورة إسلامية في مقابل دولنة الدين أي إمعان الدولة في ممارسة سياسات دينية نافست بها الإسلاميين على احتكار المجال الديني بداية من الثمانينات، وهي السياسات التي ما زالت ماثلة إلى اليوم.
ويؤكد بيات أن مثل هذه التحولات عبرت في بعض الأحيان عن تحولات داخلية في سياق الاجتماع والحركة. ففي تجارب إيران وتركيا والمغرب ومصر ولبنان، كانت الحركات الإسلامية ذاتها هي التي شهدت تحولات (في الفكر أو الممارسة أو كليهما) بينما تواجه قصور نموذجها وحقائق مجتمعاتها والضغوطات الخارجية.
في المقابل لعب الخارج دوراً في صياغة تحولات الإسلاميين كما في الحالة الباكستانية التي تجسدها دراسة حميراء اقتدار، فعلى رغم صعود حركات إسلامية حديثة من حيث البنية والخطاب إلا أنها تظل ضعيفة في مواجهة هيمنة التوجهات الراديكالية التي تتعزز قوتها بالموقع الجيوسياسي لباكستان؛ علاقتها بأفغانستان وطالبان و«الحرب على الإرهاب» والتدخلات الأميركية. وفي الحقيقة، فإن التدخل الأميركي هو ما يعيق نمو الإسلام الاستيعابي الذي يحتضن أفكار الحرية والاختيار والتسامح، إذ أنها دائماً ما يتم تأطيرها ورفضها بسهولة باعتبارها قيماً مستوردة من الغرب والولايات المتحدة والإمبريالية. ومن هنا تجسد الحالة الباكستانية الدور السلبي الذي قد يلعبه السياق الدولي في إجهاض التحول نحو ما بعد الإسلاموية.
ووفقاً لبيات، تظهر هذه الحالات وغيرها أن أشكال وعمق ودرجة انتشار ما بعد الإسلاموية قد تختلف في كل تجربة. ومع ذلك، تشير كل هذه التجارب إلى حدوث تغير في الرؤية. وتدلل «ما بعد الإسلاموية» في كل تجربة على الانتقال أو الخروج النقدي والخطابي - بدرجات مختلفة - من حزمة أيديولوجية إسلاموية قوامها احتكار الحقيقة الدينية والإقصائية والتأكيد على الالتزامات، نحو الإقرار بغموض النصوص والتعددية والاستيعاب والمرونة في المبادئ والممارسات. ومن الواضح، إذاً، أن ما بعد الإسلاموية «قطعية» خطابية و/ أو ذرائعية عن النموذج الإسلاموي. غير أن الاتجاه ليس ما بعد إسلامي Post-Islamic كما يدعوه بعضهم مخطئين، ولكنه ما بعد إسلاموي Post-Islamist بعبارة أخرى، لا أتحدث عن الانقطاع عن الإيمان الديني نحو العلمانية- على رغم أن «ما بعد الإسلاموية» تشير إلى عملية العلمنة بمعنى تأييدها لفصل الأمور الدينية عن شؤون الدولة- ولكني بالأحرى أتحدث عن ما بعد الأسلمة كعملية مركبة للانقطاع عن الحزمة الأيديولوجية الإسلاموية من خلال الالتزام بمشروع ديني مغاير وأكثر استيعاباً يستمر فيه الإسلام كدين وكمكون للمجال العام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.