سعى بعض الإعلام في لبنان خلال الأسبوع الجاري الى أن يصور للمشاهدين أن في لبنان أزمة حرية تعبير، على خلفية توقيف القضاء ثلاثة أشخاص بتهم «القدح والذم والتحقير» بحق رئيس الجمهورية على موقع «فيسبوك». وبعيداً من الاجتهاد القانوني وأحقية التوقيف وسنده، وبعيداً من الخلاف السياسي بين الرئيس والتيار الذي ينتمي إليه الموقوفون، لا بد من التوقف عند الدور الذي أدّته وسائل الإعلام في مسألة توقيفهم، بخاصة تلك الوسائل التي تنادت إلى الدفاع عنهم بشن حملة مركّزة على الخصم السياسي أولاً، والقضائي ثانياً. يعرف العاملون في وسائل الإعلام اللبنانية، مرئية ومسموعة ومكتوبة، أن ثمة أموراً لا يمس بها أثناء العمل الصحافي وأهمها ثلاثة: إثارة النعرات الطائفية، المس بالمؤسسة العسكرية، الإساءة إلى شخص رئيس الجمهورية، إضافة إلى القدح والذم والتشهير بأي إنسان. فهذه الأمور درج الإعلاميون والصحافيون على مراعاتها، إلا في السنوات الأخيرة إذ لم تعد هناك ضوابط لأي شيء وغدا الكلام والاتهامات تطلق كيفما كان عبر التلفزيونات والمنابر من دون أن يقدّر مطلقو تلك الحملات الآثار التي تخلفها كلماتهم في نفوس الجمهور المنتسب بطريقة عمياء الى طرف معين. والشباب الذين أوقفوا ليسوا بعيدين من هذا الانتماء، والحقن الذي تلقوه لفترة طويلة عبر الإعلام، انعكس تلقائياً مفردات غير لائقة وجهوها إلى الرئيس ليس في مجلس خاص قد ينساق الإنسان في حديث خلاله ويتلفظ بكلمات تذهب مع الريح في لحظتها، بل دوّنت ووثّقت في «فايسبوك» مرفقة مع صورة للرئيس. وسواء كان من تعرض للإهانة رئيساً او مواطناً عادياً فالمنطق يقول إن الإهانة مرفوضة من أي كان لأي كان وحيثما كان. واندفاع وسائل إعلام للدفاع عن الموقوفين مع معرفتها ما فعلوه وقالوه، عبر تنظيم حملة مضادة لإدانة الخصم إعلامياً قبل أن ينطق القضاء حكمه، يوحي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بأن التيار كله يؤيد هذا النوع من الكلام والإساءة. لكن هذا التيار وإعلامه تحديداً يغامر، من خلال هذه الحملة، برصيد كبير حصل عليه قبل نحو أسبوعين، حين تنادى اللبنانيون بكل أطيافهم وإعلامهم وتلفزيوناتهم إلى الوقوف إلى جانبه بعدما قدم مدير مصرف شكوى ضدّه أمام القضاء على خلفية ترويج موقع «يوتيوب» لإعلان حلقة برنامج «أوفريرا» الكوميدي الساخر لم تبث بحكم صادر عن قاضي الأمور المستعجلة. هنا كانت المسألة مسألة حرية رأي وتعبير، ولم يكن مستساغاً أن يُوقف بث الحلقة خصوصاً أنها تطرقت إلى حادث أمني حصل فعلاً في مكان عام وأوقع ضحايا، وسعى البرنامج الى إثارة المسألة ونقدها على طريقته الكاريكاتورية الكوميدية. وكان وقوف الإعلام والساسة والناس الى جانب المحطة في مكانه، أما حين يتعرض إنسان الى رئيس بلده بطريقة غير لائقة، ألا يصبح الوقوف إلى جانبه قبل صدور الحكم تجنياً؟