رسم نحو 50 كاتباً فرنسياً صورة متكاملة لمنطقة جدة، زاخرة بالتفاصيل الدقيقة، وبسبب عدم ترجمتها إلى العربية، فلم تتيح فرصة قراءتها للكثير من الناطقين بغير الفرنسية، فهذه الكتابات ستسمح بتتبّع مراحل اكتشاف فرنسا للجزيرة العربية، ومواكبة تطوّر النظرة الفرنسية لهذه المنطقة. جاء ذلك في محاضرة قدمها الدكتور لويس يلين في مركز باديب للاستشارات الإعلامية، بعنوان «جدة في الأدب الفرنسي». ومما قاله يلين في محاضرته: «حريّ بنا أن ننوّه بأنه ورد ذكر جدّة في أدبيّات عدة، كالشعر وروايات المغامرات وحتى في أدب الأطفال، فأحصيتُ 57 نصاً حُرِّرت بين عامي 1810 و1937»، مُشيراً إلى الفترة التي استحوذت فيها جدة على أكبر قدر من الاهتمام بين الكتاب الفرنسيين، وبالتالي لدى الجمهور الفرنسي تقع بين عامي 1830 و187، التي تتزامن، كما يقول، مع العصر الذهبي للأدب الاستشراقي الفرنسي. وتطرق المحاضر إلى عدد من مؤلفات بعض كبار الكُتاب الفرنسين، من أمثال فيكتور هوغو وألكسندر دوما، وجول فيرن، الذين كتبوا عنها من دون أن يزوروها «وفي هذا دلالة ضمنية على مدى جاذبية هذه المدينة»، ومنها كتاب «رحلة في بلاد العرب، والإقامة في الحجاز، والحملة المصرية على عسير»، لمؤلفيه موريس تاميزنيه - أول كاتب ذكر وجود قبر حواء في جدة - تُرجِم إلى اللغة العربية ونشر في المملكة العربية السعودية. وأشار إلى أنه «لشدّة إعجاب الكاتب بجدّة خلال إقامته الأولى، عاد إليها في كانون الثاني (يناير) 1835، وواعد فيها صديقه إدمون كومب، ونشرا بعد هذه الرحلة كتاباً بعنوان «رحلة إلى الحبشة، في بلاد غالا وتشوا وإيفات، مسبوقة بجولة في العربية السعيدة»، ولم يترجَم إلى العربية. وقال يلين إن المؤلفين أوردا في هذا الكتاب وصفاً لأحوال رمضان في جدّة «شبيهة كثيراً بما نراه اليوم». ذكر أن فولجونس فرينيل، المستشرق ذائع الصيت، أعرب عن إعجابه «على وجه الخصوص بطريقة شغل الخشب في منازلها، كما أثنى بحماسة على تنوعها السكاني متعدد الأجناس أنذاك». وأضاف: «ولا ننسى ألكساندر دوما الذي قدم في كتابه «مذكرات رحلة إلى الجزيرة العربية» وصفاً لمدينة جدّة، كما رآها شريكه في تأليف الكتاب، لويس دو كوريه، الذي زارها في عامي 1842و1843، كذلك شارل ديدييه الذي وصل إلى جدّة عام 1854 وعرَض في كتاب تُرجم ونُشر في المملكة العربية السعودية «إقامة في رحاب الشريف الأكبر، شريف مكةالمكرمة» يحمل وصفاً لها يتّسِم بالجاذبية والحيوية، ولا سيما أنه كان أكثر الرحّالة دقة في أوصافه للمدينة مشيداً بجمال شوارعها «النظيفة إلى حد كبير» وبيوتها ذات «المظهر الجميل» مندهشاً من التنوع السكاني العالمي في جدة و«الحركة غير العادية» في الأسواق «الواصلة بين أفريقيا وآسيا». وأوضح أن إحدى أكبر المجلات الفرنسية «ليلوستراسيون»، خصصت مقالتين عن مدينة جدّة،: «الأولى عام 185 مرفقة بتصوير يمثِّل أول صورة لجدّة تُنشر في فرنسا (دخلت جدّة في الوعي الجمعي الفرنسي بعد هذه المأساة التي وقعت بين قنصلي فرنسا وبريطانيا، واستخدمت المجلة مصطلح «مجزرة» لوصف هذه الحادثة ولا يزال المؤرخون الغربيون يستخدمون هذا المصطلح حتى الآن، بينما يفضل السعوديون استخدام مصطلح الفتنة. ولا تزال هذه الواقعة حاضرة بقوة حتى يومنا هذا في ذاكرة أهالي جدّة (. والمقالة الثانية أفردتها المجلة ذاتها للمدينة أشبعت فضول الجمهور العريض الذي بدأ يهتم بما يحصل هناك متضمنة وصفاً لضريح حواء الذي شاع ذكره لدى العامة بعدَ أن كان العلم بوجوده مقتصراً على نخبة من المتخصّصين). وأوضح يلين أن فيكتور هيجو اتخذ مدينة جدة «مسرحاً لواحدة من قصائد ديوانه «أسطورة القرون»، يتضمّن هذا الديوان قصيدة بعنوان «شجرة الأرز»، لم تُترجم إلى اللغة العربية، والجدير ذكره هنا أن فيكتور هيجو أطلق صفة المقدسة على مدينة جدة».