ترمب يستعد للقاء زيلينسكي في واشنطن ويطرح رؤية لاتفاق سلام شامل    220 قتيلا في فيضانات باكستان    الاحتلال يربط بين خطط التهجير وتصعيد استهداف المدنيين    محافظ الطائف يرعى ختام فعاليات ماراثون الطائف الصحي    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم مؤتمر: "مسؤوليَّة الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري" برعاية كريمة من خادم الحرمين الشَّريفين    سفراء الزراعة يطلعون على تجربة إنتاج العطور بأبها    «اليونيسف» : 112 طفلاً يدخلون دائرة سوء التغذية يومياً في غزة    اختتام المعسكر التقني الصيفي بجامعة الملك خالد    اللاونجات تحت عين الرقيب    المملكة توزّع (1,525) سلة غذائية في ولاية الجزيرة بالسودان    تعثر واعتداءات تخنق شوارع الدرب بمياه الصرف    %20 نمو الرقابة البيئية    «متحف طارق عبدالحكيم» يختتم المخيم الصيفي    التعليم تشدد على ضوابط الزي المدرسي    دراسة: احتساء القهوة صباحا يزيد الشعور بالسعادة    خفض الكوليسترول خلال 10 أيام    السجائر الإلكترونية مستعمرة بالفطريات    "الشؤون الإسلامية" بجازان تنفذ أكثر من 460 جولة ميدانية لصيانة عدد من الجوامع والمساجد بالمنطقة    القبض على 4 إثيوبيين في جازان لتهريبهم (185) كجم "حشيش"    سيمينيو ممتن لدعمه بعد تعرضه لإساءة عنصرية في أنفيلد    القادسية يبدأ رحلة كأس السوبر بتدريبات مكثفة في هونغ كونغ    مدرب نيوكاسل يطالب بحل واضح بشأن مستقبل إيزاك    مشاركو مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يغادرون إلى المدينة المنورة    تعليم الرياض يعتمد توقيت الدوام في المدارس للعام الدراسي المقبل    أميركا: وقف إصدار جميع تأشيرات الزيارة للقادمين من غزة    العدل تطلق خدمات مركز الترجمة الموحد عبر منصة تقاضي    وزير الصحة يلتقي نخبة من المبتعثين السعوديين بأستراليا    برشلونة يقيد جارسيا وراشفورد في قائمته    فريق قوة عطاء التطوعي ينفذ مبادرة "احتواء 1″ بجازان    أمانة المدينة تطلق "أستوديو لبناء الشركات" لدعم الابتكار    وزارة الصناعة تشارك في معرض البطاريات وتخزين الطاقة بالصين    ترامب: معاهدة سلام هي الطريق لإنهاء حرب أوكرانيا    «التعليم» تنشر ضوابط الزي المدرسي والرياضي للطلاب والطالبات    "هجرس" أصغر صقار يخطف الأضواء في مزاد الصقور 2025    الرمان المحلّي يغمر أسواق المملكة بإنتاج يتجاوز (37) ألف طن    "الكرملين" قمة بوتين وترامب في ألاسكا إيجابية    تجمع تبوك الصحي يطلق مشروعات تطويرية لطب الأسنان    تراجع أسعار النفط بأكثر من 1% عند التسوية    رسمياً .. النصر يعلن تعاقده مع الفرنسي"كومان"    نيوم يضم المالي "دوكوري"    نونو سانتو: فورست يحتاج لتعزيز صفوفه بصورة عاجلة    أمير عسير يستقبل سفير بلجيكا    المملكة تعزي وتواسي باكستان في ضحايا الفيضانات والسيول    الشيخ عبدالله البعيجان: استقبلوا العام الدراسي بالجد والعمل    الشيخ بندر بليلة: احذروا التذمر من الحر فهو اعتراض على قضاء الله    أمين جازان يتفقد مشاريع التدخل الحضري ويشدّد على تسريع الإنجاز    المملكة تتوّج بالذهب في الأولمبياد الدولي للمواصفات 2025 بكوريا    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظم حلقة نقاش بعنوان: (تمكين الابتكار الرقمي في العمل التوعوي للرئاسة العامة)    محمد بن عبدالرحمن يعزي في وفاة الفريق سلطان المطيري    نائب أمير جازان يستقبل مدير مكتب تحقيق الرؤية بالإمارة    أحداث تاريخية في جيزان.. معركة أبوعريش    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    رئيس الوزراء النيوزيلندي: نتنياهو فقد صوابه وضم غزة أمر مروع.. «الاحتلال» يصادق على الهجوم .. وتحرك دبلوماسي للتهدئة    موسكو تقلل من أهمية التحركات الأوروبية.. زيلينسكي في برلين لبحث القمة الأمريكية – الروسية    اطلع على أعمال قيادة القوات الخاصة للأمن البيئي.. وزير الداخلية يتابع سير العمل في وكالة الأحوال المدنية    انطلاق ملتقى النقد السينمائي في 21 أغسطس    «البصرية» تطلق «جسور الفن» في 4 دول    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غاليليو هاتفاً في القرن الحادي والعشرين: بائس ذلك البلد الذي يحتاج إلى أبطال
نشر في الحياة يوم 05 - 02 - 2016

أربع ساعات وعشرون دقيقة تخللتها خمس عشرة دقيقة فقط للاستراحة ولتفكيك عضلات وغضاريف الساقين، خُتمت بتصفيق طويل دام أكثر من عشر دقائق، وكان بالإمكان أن يدوم التصفيق لوقت أطول لولا ساعة الليل المتأخرة التي انتهى فيها العرض (الواحدة والنصف ليلاً).
هذا هو الاختزال الأول لما حقّقه المخرج والنجم المسرحي الإيطالي غابرييلي لافيا في عرضه الأول لمسرحية «حياة غاليليو غالِيلَيْ» للدراماتورغ الألماني الراحل بيرتولد بريخت، والتي كان بدأ بكتابتها العام 1932 ولم ينته من نصها الأخير إلّا قُبيل رحيله، وربّما كان سيواصل تعديلها والإضافة عليها لولا أن المنيّة باغتته العام 1956.
غابرييلي لافيا كان شاهد المسرحية بإخراج أبِ المسرح الإيطالي المعاصر جورجو سترهلر في عام 1963، في عرض استغرق ما يربو على ست ساعات، وأهدى العرض بالذات إلى أستاذه جورجو سترهلر. كان لافيا يفكّر منذ سنين بالعودة إلى هذا النص الذي يُعدّ، إلى جانب «أوبرا القروش الثلاثة» و «بونتيلا وتابعه ماتّي» أهم النصوص الدّالة على مسرح بريخت الملحمي والملتزم، أو الالتزام بمعناه الإنساني الأشمل، هو ما يُركّز عليه غابرييلي لافيا، ذاكراً الكلمة ثلاث مرات متتالية في الحوار الذي يدور بين المعلّم وتلميذه آندريا الذي يُهمّ بالهجرة إلى هولندا:
غاليليو: «دعني أستخدم معك، آندريا، كلمة ما عادت تُسخدم في أيّامنا هذه، الالتزام! لو تمكّن العلماء من التزام استخدام علمهم لمصلحة البشر وليس ضدهم، لما كان بمقدور الحكّام استغلال العلم للتدمير... الالتزام يا آندريا...».
حكاية المسرحية اختزال لأربعين عاماً من حياة العالم الإيطالي غاليلِيو غالِيلَي ما بين بادوفا وفلورنسا وروما المحكومة من قبل البابا، ما بين عامي 1610 و1652، أي في الفترة التي يُعيد فيها غاليليو الحياة إلى أفكار كوبيرنيكوس واكتشافاته وإلى اقتناعات جوردانو برونو في مواجهة ظلامية الكنيسة الكاثوليكية. بريخت يرسم لنا، كما هي عادته، شخصية عادية ويومية السلوك، ورُغم سموّ مقداره العلمي فغاليليو الذي نراه أمام أعيننا يعيش حياة يومية تتراوح ما بين الشكوك والأهواء والانشغال الكامل عن مسؤولياته العائلية، حتى تجاه ابنته الوحيدة فيرجينيا.
كما أنّه يعرض لنا شخصية متناقضة ومعقّدة، ففيما هو يسعى إلى إزاحة ستار الجهل عن العقل البشري وتحفيز المنطق من خلال الرؤية وعدم الاكتفاء بالنظر، ها هو لا يألو جهداً ولا يشعر بالفضيحة أن ينحني أمام ال «غراند دوق فلورنس كوزيمو دي ميديتشي»، ابن الثانية عشرة، ليستعطفه ويحصل على تمويل لتجاربه العلمية، مستعداً لأن يُطلق على كواكبه الأربعة التي اكتشفها حول الشمس اسم «نجوم الميديتشي».
واقعية غاليليو وبراغماتيته يعرضهما بريخت باعتيادية مثيرة للدهشة، لكنها ليست مجرّد عرضٍ لحالة، بل استباق لما سيحصل لشخصية «البطل»، قُبيل النهاية، عندما ينقذ الكاردينال مافّيو فينتشينسو باربيريني، الذي نُصّب حبراً أعظم وتقلّد اسم «البابا أوربانو الثامن»، جسد غاليليو من الحرق بتهمة الهرطقة، كونه خالف تعاليم الكنيسة التي تعتبر الأرض مركز الكون وحولها تدور كل الكواكب، بما فيها الشمس، وذلك في ثمانية مدارات كريستالية التصقت بها تلك الكواكب.
باربيريني الذي كان يعشق العلم وكان عالماً هو بدوره، ودافع عن غاليليو أكثر من مرّة، يعرف صاحبه جيّداً، لذا يأمر بعدم معاقبته بالحرق. ربّما كان البابا مقتنعاً بما يقوله غاليليو، لكنه، ورُغم كونه أعلى سلطة في الكنيسة لا يستطيع الوقوف في وجه الكنيسة بأسرها، لأن الموافقة على مُكتشفات غاليليو ونظريته «ستُطلق العنان لثورة ضد سلطة روما والكنيسة بأسرها».
80 شخصية ب 26 ممثلاً
بأدائه وإدارته لممثليه ال 26 صنع غابرييلي لافيا حالة معاصرة شدّت المشاهد إلى الخشبة وأبقته جالساً في مقعده، لأن الأزياء التاريخية والتأكيد المتكرر للتاريخ التقويمي للأحداث عبر الرواة الثلاثة الذين أعلموا الجمهور عن المكان والزمان اللذين تدور فيهما الأحداث، لم يلغيا شعور المشاهد بأن ما يقوله أبطال المسرحية يمكن أن يُقال اليوم، وذلك بالذات ولّد حالة «التغريب» المطلوبة في مسرح بريخت، أي أن الماضي أكثرُ معاصرة ممّا يُقال اليوم، وبدلاً من إلغاء الحائط الرابع لزيادة «التغريب» تعمّد لافيا إثقال حضور ذلك الحائط من خلال الستار الأسود الثقيل الذي كان يُنزله في كل مرّة يريد إيصال معلومة جديدة إلى المتفرّج أو لتغيير أجزاء من المشاهد والسينوغرافيا على الخشبة، لا بل حوّل حائط عمق المسرح إلى «جدار خامس» ليقول لنا أن للحقيقة أجزاءً خفيّة لا نراها «لكن ينبغي فرضها» لإقناع الآخرين بقبولها، كما يقول غاليليو لتابعه الراهب - العالم الأب فولجينسيو.
نقل لافيا مشاهد مثول غاليليو أمام أجهزة التعذيب إلى ما خلف الجدار الخامس وانهياره أمام سطوتها ورعبها، ليزيد هول ما يتعرّض إليه «الإنسان - الفرد» من ألم إزاء سطوة السلطة وقدرتها على كسره وتهديمه. وبذا كان فعل الانهيار أكثر حضوراً ممّا لو كنّا شاهدنا انهيار العالم أمام أعيننا.
يُدرك غاليليو مقدار الخراب الذي تسبّب به، ويزداد عذابه حين يواجهه تلميذه آندريا بقوله «بائس ذلك البلد الذي لا أبطال فيه»، فيردّ عليه المعلّم «بل بائس ذلك البلد الذي يحتاج إلى أبطال». ويستفحل عذابه عندما يُخبره آندريا الذي حضر بعد أعوام لوداعه في محجره الخاضع لمراقبة حرّاس الكنيسة، قُبيل مغادرته مهاجراً إلى هولندا، بأن «ايمانويل كانت وضع في الدرج بحثاً كان بدأه على أساس اكتشافاتك حول خصائص الضوء». ينهار العالم لأنه أدرك أن خياره إنكار ما اكتشفه لم يكن مجرّد فعل شخصي ذي تأثير عليه هو وحده، بل إن ما أقدم عليه أخّر مسار العالم عقوداً. ويعرض بريخت هنا مسؤولية العالم والمثقّف إزاء السلطة، ويتساءل: «ماذا لو أنّني لم أضعف إزاء هول أجهزة التعذيب،
ما الذي كان يمكن أن يكون عليه العلم لو أنني أُحرقت دون إنكار اقتناعاتي؟». ويعترف: «لكني ضعفت أمام ألم الجسد. لقد وضعوني أمام آلات التعذيب فارتعبت.».
إلّا أنّه لم يتوقّف عن البحث والكتابة، يُسرّب لآندريا «حواراته» التي كتبها سراً، ليحملها معه إلى هولندا ويواصل العلم مساره. والأرض «مهما قالوا، تتحرّك» وهي ليست ثابتة ولا هي مركز الكون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.