ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس الصين    شراكة مجتمعية بين أمانة القصيم وجمعية ماء    زيلينسكي يبحث الضمانات الأمريكية أثناء اجتماعه مع ويتكوف وكوشنر    الأخضر يختتم استعداده لمواجهة الأردن في نصف نهائي كأس العرب    سيتي يواصل الضغط على أرسنال المتصدر بفوز ساحق 3-صفر على كريستال بالاس    الغامدي يزور جمعية عنيزة للخدمات الإنسانية    أمير تبوك يوجه بتوزيع معونة الشتاء في القرى والهجر والمحافظات على نفقة سموه الخاصة    الأمير سعود بن نهار يطلق جائزة الطائف للعمل المجتمعي والتطوعي في دورتها الثالثة    اختتام المؤتمر الدولي لخالد التخصصي للعيون ومركز الأبحاث    الأخضر الأولمبي يتغلّب على الإمارات ويتأهل لنهائي كأس الخليج    "رينارد": نحترم منتخب الأردن.. ولكن طموحنا التأهل للنهائي    وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي رئيس وزراء إسبانيا السابق    نمو أعداد الممارسين الصحيين إلى 800 ألف    المملكة تدين الهجوم الإرهابي الذي وقع في مدينة سيدني الأسترالية    هيئة الربط الكهربائي وجمعية طاقة مستدامة توقعان اتفاقية نحو مستقبل طاقة مستدام    الأفواج الأمنية بجازان تقبض على شخص لترويجه 11كيلو جرامًا من نبات القات    حضورٌ دوليٌّ رفيع في المنتدى العالمي الحادي عشر لتحالف الأمم المتحدة للحضارات بالرياض    استعدادت لانطلاق النسخة الأولى من المؤتمر الدولي للأوقاف    أمير جازان يستقبل رئيس النيابة العامة بالمنطقة    مدينة الملك سعود الطبية تدشّن اليوم العلمي الأول لزراعة الأسنان لعام 2025    أمير منطقة جازان يستقبل سفير إثيوبيا لدى المملكة    لا تكن ضعيفا    حركة الوجود    الغرور العدو المتخفي    رئيس بلدية صبيا يواصل المتابعة الميدانية لسير العمل في مشروع الكوبري    السجل العقاري يدعو الملاك لاستكمال التسجيل قبل 19 مارس 2026    بدء المرحلة الثانية من مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات الفطرية بالمملكة    محافظ الأحساء يرعى منتدى "أفضل الممارسات في تصميم المساجد" بجامعة الملك فيصل    أمير الرياض يستقبل رئيس المحكمة الجزائية المعين حديثًا بالمنطقة    ديبورتيفو ألاهويلنسي الكوستاريكي يتوّج بلقب النسخة الثانية من بطولة مهد الدولية للقارات    أثر الذكاء الاصطناعي: لماذا مستقبل العمل هو الإنسان والآلة    محافظ الأحساء يكرّم عددًا من ضباط وأفراد الشرطة لإنجازاتهم الأمنية    إدارة الترجمة بوزارة الداخلية تعزز التواصل مع زوار معرض الداخلية بمهرجان الإبل    تجمع القصيم الصحي يحصد ثلاث جوائز وطنية في الرعاية الصحية المنزلية لعام 2025    فهد الطبية الأولى عالميًا خارج الولايات المتحدة كمركز تميّز دولي لعلاج الجلطات الرئوية (PERT)    استمرار هطول الأمطار.. والدفاع المدني يحذر    البحري شريك استراتيجي لمبادرة ويف لدعم تعافي المحيطات والنمو البحري المستدام    كورال المركز الوطني للفنون المسرحية في الصين تقدم عروضا في مركز إثراء بالسعودية    مقتل شخصين وإصابة ثمانية جراء إطلاق النار في جامعة براون في أمريكا    وسط حصيلة متزايدة لضحايا غزة.. استشهاد فلسطيني متأثرًا بجراحه في خان يونس    وسط انتقادات واشنطن لقرار أممي.. مؤتمر دولي لبحث إنشاء «قوة غزة»    محمد سعد بطل«دياب»    أمسية شعرية وطنية في «جدة للكتاب»    فسح وتصنيف 40 محتوى سينمائياً    جيش الاحتلال يستهدف القيادي في حماس رائد سعد    تعزيز الأمن الغذائي المستدام    ضبط 19.5 ألف مخالف    تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية.. دورات متخصصة لتأهيل الدعاة والأئمة ب 3 دول    1145 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ    برعاية خادم الحرمين.. أمير الرياض يحضر ختام العرض الدولي الثامن لجمال الخيل العربية الأصيلة    تنظيم الإعلام الرياضي وعقوبات على المتجاوزين ومثيري التعصب.. بعد الموافقة عليه.. تفاصيل مشروع نظام الرياضة الجديد    حققت قفزة نوعية بمعدل 9 نقاط خلال عامين.. السعودية بالمرتبة ال10 بمؤشر التغطية الصحية الشاملة    دراسة: كلما زاد إقناع الذكاء الاصطناعي قلت دقته    المملكة توزع 1000 سلة غذائية في ولاية البحر الأحمر بالسودان    العزاب يغالطون أنفسهم    ورشة عمل في فندق كراون بلازا تحت إشراف جمعية القلب السعودية ضمن حملة 55 قلبك بخير    أمير الشرقية ونائبه يعزيان العتيبي في وفاة والده    غرفة إسكندراني تعج بالمحبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يمكننا تدمير الخوف؟
نشر في الحياة يوم 27 - 04 - 2010

إن المثقف العربي، الآن، يعيش في أقصى درجات العزلة «بتعبير الطاهر بن جلون»، لأنه المثقف الوحيد في سيرورة العالم الذي دخل إلى «المؤسسة الرسمية للحزن» ليوقّع في سجلاتها: طائعاً وطليقاً وحرّاً! جاء يوّقع اسمه الكريم في سجلات الذين سبق أن زاروها خفافاً أو ثقالاً «أو ربما» انتهوا فيها نهاية طائر ببغاء في صحراء النفود. يا له من هلاك! رأيت الشاعر المصري (نجيب سرور) وهو للتوّ خارج منها، كان يستمر في «مونودراما» الشتائم حتى يكلّ.. فيمدّ يده شاحذاً من كان للتوّ يشتمهم ويعتبرهم بائعي الكرامة والوطن والجواسيس!
في العزلة يكون: الصمت، أو فلنقل: السكوت.
الجدران تُرى ولكنه لا يراها. إنه يرى ما وراء الجدران، المستوحشين وهم يمرون على عجل، المنفيين لأنهم لا يليقون بمقام الذين لديهم ثياب للسهرة وأخرى للعشاء وأخريات لأخريات. لم يكن مريراً: الزمان! كما هو هذا الزمان. والمؤسسة الرسمية للحزن هي الموقع الافتراضي للفرد الذي يصاب بذعر المجتمعات. وهي المكان الآمن الوحيد الذي يستطيع فيه أن يظلّ متماسكاً مع الثراء الفاحش في «مفردات» الوحشة.
«أبعدَ الذي كانْ
يوحش – كالذئب – وجهي؟
وأفْرَدُ معتزلاً بين أهلي؟»
إنه ليس «مرغوباً!» من المثقف / الإنسان العربي، أن يكاشف ناسه بحزنه، بل إن هذا لأمر معيب! ونحن نقرأ سورة سيدنا يوسف تلك الملحمة من الاغتراب، وندري أن الإنسان العادي لا يمكنه أن يكون يوسف آخر. لكننا من المؤكد حزانى جرّاء انطفاء نور عيني أبيه، مثلما نغدو سعيدين وأقوياء حين يشمّ سيدنا «يعقوب» قميص فقيده فيعود لعينيه البصر.
كان «أمل دنقل» قال:
«وعجوز هي: القدسُ، يشتعل الرأسُ شيْباً، تشمّ القميص فتبيّض أعينها بالبكاءْ». وكلما ازددت وعياً ازددت وحشة، وليس للمستوحش غير الوحدة وغير العزلة. بهما يعبّر عن موقفه إزاء «هدره» كإنسان وإزاء النكران الذي لا يلقاه سوى الماضين غرباء في طريقهم المحسوم والمبرمج إلى الله. إن مأساة «يوسف» كما زودنا بها «القرآن الكريم» أنه كان أصغر إخوته ولأنه كان أصغرهم ظلّ أجملهم ولأنه أجملهم تآمروا على «تغييبه» عن عيني أبيه. والغياب هو أحد فروع المؤسسة الرسمية للحزن. إنه «رحيل» ولكنه ليس معروفاً لماذا يبدأ؟ ومتى ينتهي؟! والرحيل أحد مستلزمات الاغتراب. لأن لكل غياب سبباً، عدا «غيبة» الذين يقول يوسف صايغ عنهم بضمير المفرد «أبعدَ الذي كان؟ يوحشُ كالذئب وجهي!». إن غياب الفرد / الإنسان، من موقعه الفيزيائي بحيث يصير كمفردات الميتافيزيقيا هو «عذاب» يعيشه لا الأفراد المختلفون فحسب، فإن لكل مختلف وجه شبه بالمندغم المطيع وهو أن كليهما سيكون لديه خليلته وبنوه وأبواه وأصدقاؤه المختلفين عن بعضهم وهذا يؤكد أن كل «غائب» هو «منتظر»!
متى كانت للإنسان قدرته على اكتشاف قواه الكامنة، تلك التي لا تظهر سوى في عزلة أو سفر من دون تحديد لجهته وزمنه، وهذا أمر يعرف لدى عصورنا ثقافياً كلها ب«النفي»! والنفي لا يشبه العقوبات مطلقاً، لأن هدف النفي هو «تغريب» كائن لم يكن مهيأ للغربة لأسباب موضوعية. أن تهرول للمطار مبكراً وتتفقد كل ثلاثين ثانية جواز السفر وبطاقة الركوب وتكون متعجلاً يكون ذلك: أنك تذهب في: مهمة! أين مهمة كل الذين يسافرون مبكرين أو متأخرين ويكونون أيضاً: مرتبكين. الارتباك هو قناع يتلبس المنفيين. كل منفى: وراء الشمس! كم تبعد هذه الوراء؟! هذا ما لا تحدده كلمة النفي ويصعب أن تجتهد «بدلاً» عنها كلمة أخرى. يكفي أن يكون منفاك هو مكانك الذي تعايشت معه. وتآلفت وأشجاره وأرصفته وعصافيره وحفظت في قاع ذاكرة لا تنسى.
هل أن المثقف هو كائن فاقد للصلاحية؟! أم أنه كان بلا صلاحية من الأصل؟ هل معنى فقدان أيّ دور للمثقف في الحياة العامة مبرر بذرائع تستند على قانون ك«حقوق الإنسان»؟! الجواب بالطبع: لا! فإذاً لِمَ يجري ما يجري؟! وحين تلح أسئلة كهذه عليك ينبغي أن تكون قادراً على نبذها بعيداً عنك كيْ لا ترسل إلى مؤسسة أسوأ منها. هكذا يمنحني حزني عليكم سعة الكلمة والفكرة وبهما تتسع الأيام. لا أستطيع أن أزعم أن المثقف هو رجل الكهنوت البديل. فالكهنوت واحد وينكره الله. وما خلا الله: باطل. علينا نحن الأمة الأقسى على مثقفيها أن نتسامح وليس تسامح الحملان مع الذؤبان الأكثر مرونة في مواعيد تناول لحومها، بل هو شيء كالمغفرة. إن على جهات عدة أن تطلب الغفران من المثقف. وإن على الإنسان المثقف أن يكون ضوءاً تثمر به ورود تضيع دوماً.
تلك الورود لا ينبغي أن تضيع أي أن الأوطان ينبغي ألا تدع أناسها المثقفين يتلقون ضربات القدر وحدهم – هذا: إن كان ما يجري قدراً – على الوطن ألا يفقد وجهته وإلا صار مركباً ميالاً إلى الغرق، وتفسيري الشخصي للميال إلى الغرق هو أنه مثلما أن هنالك أشخاصاً ميالين للانتحار فإن على ضفة جميلة مغمورة بحرير الضياء آخرين ميالين إلى الحياة. مهما تكن الحياة سيئة يظل الأسوأ منها هو هذا الموت.
ويمكننا بعدئذ أن نكتب على بوابة المؤسسة الرسمية للحزن كلمة «مغلق» على أن نتظاهر أننا ضامنون إغلاق شيء... يؤسفني: عدم إمكان إغلاقه لأنه ثمة ذرائع وعلى رأسها: الخوف من الخوف «ويسمى علمياً بالخواف على وزن فُعَالْ».
متى تطلع يا قمر الزمان من حلمك؟... متى؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.