عجلان واخوانه للعقار في سيتي سكيب 2025 كشريك الماسي – القاعة 3-الجناح H10    مواجهات تشهد غياب محرز وميندي في الأهلي    مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري ينظّم ملتقى "التسامح" تحت عنوان: التسامح لغة الحضارات وجسر التواصل    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالله الشثري    منصة "نت زيرو" تحصد المركز الأول في فئة التكنولوجيا الخضراء    تجمع الشرقية الصحي يطلق حملة "سكرك موزون"    نجاح عمليات زراعة عدسات بتقنية "ياماني" الحديثة بمستشفى الأمير محمد بن ناصر بجازان    وزير النقل يفتتح مجمع أجيليتي اللوجستي لخدمة سلاسل الإمداد    تركي بن طلال حين تتوج الإنسانية بجائزة عالمية    الهيئة العامة لمجلس الشورى تعقد اجتماعها السادس    الصحة تستدعي طبيبا ظهر إعلاميا بتصريحات مخالفة للأنظمة    مفتي عام المملكة يستقبل رئيس جهاز الإرشاد والتوجيه بوزارة الحرس الوطني    أمير المنطقة الشرقية يترأس اجتماع المحافظين ويؤكد على الاهتمام بخدمة المواطنين والمقيمين وتلبية احتياجاتهم    الرئيس المصري يعلن إطلاق النسخة الخامسة لأسبوع الاتحاد الأفريقي للتوعية بإعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات    ضيف الله الحربي يكتب.. واقع نادي النصر    انطلاق دورةُ المدربين الدولية لكرة القدم المصغّرة تحت إشراف الاتحاد الدولي IMF    أمطار متفرقة على 7 مناطق بالمملكة ومكة الأعلى هطولًا ب 32,2 ملم بالقنفذة    دوريات الأفواج الأمنية بمنطقة جازان تقبض على شخص لترويجه (33) كيلو جرامًا من مادة الحشيش المخدر    أوكساچون توقع اتفاقية تأجير أرض لتطوير منشأة لإنتاج وتوزيع الغازات الصناعية بقيمة 600 مليون ريال    البديوي: اقتحام الاحتلال الإسرائيلي لباحات المسجد الأقصى والاعتداء على قرية كفل حارس تمثل تصعيدًا خطيرًا    ابتدائية مصعب بن عمير تنفّذ ورشة "بحث الدرس" ضمن برامج التطوير المهني القائم على المدرسة    "الشؤون الإسلامية" تفتتح التصفيات النهائية لمسابقة حفظ القرآن الكريم بالنيبال    وفد أعمال سعودي يزور إسطنبول لتعزيز الشراكة الاقتصادية نهاية نوفمبر    الكويت ترحب بتوقيع اتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو    قاعة مرايا بمحافظة العُلا… أكبر مبنى في العالم مغطى بالمرايا    الحرف اليدوية في المملكة.. اقتصاد يتشكل بيد المبدعين    أكدوا دعمها للقضية الفلسطينية.. سياسيون ل«البلاد»: زيارة ولي العهد لواشنطن تعزز العلاقات والاستقرار    اشتعال جبهات القتال بين روسيا وأوكرانيا    15مليار ريال فرصاً استثمارية بالخطوط الحديدية    آل الكاف وآل سجيني يحتفلون بزواج علي    الدحيلان عميداً لتقنية الأحساء    ضوابط موحدة لتسوير الأراضي بالرياض    القيادة تعزي رئيس جمهورية العراق في وفاة شقيقه    هنأت ملك بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده.. القيادة تعزي رئيس العراق في وفاة شقيقه    تشيلسي يعرض 150 مليوناً لتحقيق حلم الثلاثي البرازيلي    مهاجمه مطلوب من عملاقي البرازيل.. الهلال ال 39 عالمياً في تصنيف«فيفا»    ضمن تصفيات أوروبا المؤهلة لكاس العالم.. إيطاليا في مهمة مستحيلة أمام هالاند ورفاقه    أمراء ومواطنون يؤدون صلاة الاستسقاء في مختلف أنحاء المملكة    «جيدانة».. وجهة استثمارية وسياحية فاخرة    مشروع قرار أمريكي لوقف النار.. مجلس سلام.. وقوة استقرار دولية بغزة    علماء روس يبتكرون جزيئات تبطئ الشيخوخة    طبيبة أمريكية تحذر من إيصالات التسوق والفواتير    مختصون في الصحة يحذرون من خطر مقاومة المضادات الحيوية    الرميان رئيسًا للاتحاد العربي للجولف حتى 2029    الذهب ينهي الأسبوع مرتفعا    مصرع 3 أشخاص وإصابة 28 في البرتغال بسبب العاصفة كلوديا    الحربي هنأ القيادة على الإنجاز.. والمشرف يعانق فضية التضامن الإسلامي    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ مبادرة ( وعيك أمانك ) في مقر إدارة مساجد محافظتي الدرب وفرسان    شتاء درب زبيدة ينطلق بمحمية الإمام تركي    وزير الحج: إنجاز إجراءات التعاقدات لأكثر من مليون حاج من مختلف الدول    السودان بين احتدام القتال وتبادل الاتهامات    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل وزير الشؤون الدينية في بنغلاديش    دور ابن تيمية في النهضة الحضارية الحديثة    إنسانيةٌ تتوَّج... وقيادة تحسن الاختيار: العالم يكرّم الأمير تركي بن طلال    مكانة الكلمة وخطورتها    لكل من يستطيع أن يقرأ اللوحة    أمير منطقة الجوف يستقبل رئيس المجلس التأسيسي للقطاع الصحي الشمالي    الشريك الأدبي قريبا مساحة بين الأدب والفن في لقاء مع الفنانة التشكيلية مريم بوخمسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأيديولوجيا تنتصر للشعر
نشر في الحياة يوم 24 - 04 - 2010

«كل ما صنع الحداد» هو عنوان الديوان الجديد للشاعر المصري الشاب محمود خير الله، (دار «صفصافة»، القاهرة)، وكان الشاعر أصدر من قبل ثلاثة دواوين.
محمود خير الله واحد من شعراء الكتابة الشعرية الجديدة في مصر والعالم العربي، وقد صنع لنفسه مكاناً متميزاً في صفوف هذه الكتابة، بجديته الشديدة، ودأبه الملحوظ، وبنضجه الفكري والشعري والوجداني. وقد عصمه هذا النضج الفكري والشعري والوجداني من الانسياق مع بعض الأوهام المختلطة لدى بعض شعراء هذه الأجيال الجديدة، إذ ظل على اعتقاده بأن الشعر عمل جاد لا عابث، وبأن اللغة هي أساس العمل الشعري ينبغي امتلاكها ثم تطويرها ثم تطويعها ثم حرفها عن دلالاتها القديمة، وبأن السرديات الكبرى لم تمت، بل إن معالجاتها التقليدية هي التي ماتت. وظل على إيمانه بأن للشعر دوراً في تبصير الفرد بنفسه وتبصير الجماعة بنفسها أما طريقة التبصير فهي التي تتجدد من مرحلة إلى مرحلة.
لم أستمتع فحسب بقراءة «كل ما صنع الحداد»، بل إنه حفزني على مناقشة فكرة طالما ثار حولها الجدل، ذلك انني قرأت على الغلاف الخلفي للديوان جملة لا أدري هل الناشر هو كاتبها، أم ناقد من النقاد أم الشاعر نفسه. الجملة تقول: «يدخل محمود خير الله بهذا الديوان معركة شرسة ينتصر فيها للشعر على حساب الأيديولوجيا». وأياً كان كاتب الجملة، فقد أثارتني لمناقشتها وتبيان ما فيها من لبس وسوء فهم، لأنها تجسد اعتقاداً خاطئاً شاع في السنوات الأخيرة في ما يتصل بتطور الشعر.
أريد، بوضوح، أن أدافع عن «الأيديولوجيا في الشعر»، متخذاً من ديوان خير الله نفسه دليلاً لدعم دفاعي، على عكس الفقرة التي حملها الغلاف الأخير، لأن الديوان لا يتنكر للأيديولوجيا، بل هو مكتنز بها، في المفهوم الواسع العميق للأيديولوجيا لا في مفهومها السطحي المبسط. وتلك في رأيي إحدى السمات المميزة لتجربة خير الله حتى الآن. ولست أدري ما هذه «الارتكاريا» عند أهل الكتابة الجديدة من الأيديولوجيا، كأن هناك فناً بلا أيديولوجيا، وأعتقد أن أهل هذه «الارتكاريا» يخلطون بين مفهومين للأيديولوجيا: الأول هو المفهوم العميق لها باعتبارها الرؤية الفكرية والفلسفية التي ينبع منها النص أو تشيع فيه أو يجسدها، والثاني هو المفهوم السطحي الذي يرى أن الأيديولوجيا هي السياسة المباشرة، أو هي العقائد والتصورات (الدوغما) المغلقة، أو هي الشعارات الزاعقة المشتعلة بالصراع الطبقي وثورة الثائرين.
بهذا المفهوم الواسع العميق فإن كل شعر هو «أيديولوجيا»، ومن أربع جهات:
الأولى: من حيث كونه «فناً»، فالفن، بماهيته، تمرد على الواقع ومحاولة لفضحه أو إعادة صياغته أو تغييره، وهو بذلك «أيديولوجيا». الثانية: من حيث هو «لغة»، فاللغة هي ميراث جماعات وحاملة أفكار، بل هي أفكار ورؤى حياة (حتى نحو اللغة هو تعبير عن موقف فكري)، وعلى ذلك فإن استخدام اللغة بميراثها الجمعي التاريخي الطويل، أو شحنها بدلالات جديدة أو نزعها عن دلالاتها القديمة السابقة، كل ذلك «أيديولوجيا» بامتياز. الثالثة: من حيث كونه «شكلاً»، فالشكل الفني (كل شكل فني) هو «حامل أيديولوجيا»، وليس مجرد وعاء فارغ الدلالة. وعليه فإن كل تطور في الشكل عبر تاريخ الفنون إنما هو علامة على تغيير في رؤية الحياة، فلسفياً ووجودياً. الرابع: من حيث «الموقف» الذي يجسده، حتى لو كان موقفاً غير سياسي.
ومن هنا، فإن كل كتابة شعرية هي - بمعنى من المعاني «أيديولوجيا»، من حيث إحدى هذه الجهات الأربع أو بعضها أو كلها، وتجارب الشعراء غير الأيديولوجيين الذين يتخذهم أهل إنكار الأيديولوجيا في الكتابة الشعرية الجديدة أمثلة، هي تجارب حافلة بالأيديولوجيا، بمعناها الفكري العميق، لا بمعناها المسطح الفج. ذلك أن هذه التجارب ابتكرت للأيديولوجيا مداخل جديدة ومعالجات مختلفة» تعتمد الإيحاء لا الزعيق، الداخل لا الخارج، الانطلاق من الجزئي الصغير لا الكلي الضخم، ومن الناقص لا المكتمل، استنطاق الخفة لا الثقل، الذهاب الى الهامش لا الرئيس، تسليط الضوء على «النقطة العمياء» لا المنطقة الواضحة.
في هذا السياق (سياق وجود الأيديولوجيا وجوداً مبتكراً لا متكلساً) يجيء ديوان محمود خير الله، بدءاً من قصيدته الجميلة «يدي أسوأ مني» مروراً بمعظم قصائده من مثل «كل ما صنع الحداد» و «عالقٌ كقبلة» و «أفضل ما يمكن أن يحدث لي». وعبر هذا الوجود المبتكر للأيديولوجيا يمكن أن تحضر «التفاصيل» (والتفاصيل هي أيقونة من أكبر الأيقونات في الكتابة الجديدة التي تزعم هجرة السرديات الكبرى). ويمكن أن يحضر «المعيش» (الأيقونة الكبرى الثانية في الكتابة الجديدة). لكن حضور التفاصيل والمعيش هنا هو حضور متصل اتصالاً حميماً بالرؤية الفكرية للنص، حيث سنجد اليد التي تسرق في الطابور خبز الآخرين، وإيجار البيوت، والتيار الكهربائي الذي ينقطع، وبلكونات الأثرياء التي تمتلئ بالزهور، وأكل الأطفال من القمامة، ومرتبات الموظفين، وانحشار البول، وأنابيب الغاز التي لم تنفجر لأنها ملأى بدموع البسطاء، وحرائق القطارات التي تودي بالبشر.
أخلص إلى أن ديوان «كل ما صنع الحداد» لمحمود خير الله جسد لي برهاناً جديداً على أن الأيديولوجيا (بالمعنى العميق لا السطحي)، ليست سُبة في الشعر، بل هي ضرورة طبيعية فيه. إنما السُّبة هي رداءة الشعر (سواء حفل بالأيديولوجيا أو لم يحفل)، وهي اجترار المتكلس سابق الصنع، وهي الغرق في الشعارات الساخنة التي تزول بزوال مثيرها، وهي الذهاب إلى «القضايا» من «مراكزها» المعلنة السهلة المعروفة لا من «أطرافها» الخفية العصية المجهولة.
«كل ما صنع الحداد» هو، كذلك، برهان على ضرورة التفريق بين شعر الأيديولوجيا وأيديولوجيا الشعر، الأول هو الذي يترجم الشعارات السياسية أو المواقف النضالية ترجمات مباشرة عارية من الشعر وإن اكتست بالسياسة، والثاني هو الذي ينطوي (بماهيته ولغته وأشكاله وزاوية منظوره) على رؤى فكرية ووجودية وفلسفية مصوغة صوغاً مغايراً للمأمول سلفاً. وخير الله، بهذا الديوان، هو واحد من قلة قليلة من شباب الشعراء، الذين يقدمون المفهوم الصحي الناضج لمسألة الموقف من الأيديولوجيا واللغة والتفاصيل والسرديات الكبرى والمعيش والذات. مفهوم صحي ناضج لا ينسحق تحت الكتابة القديمة، ولا ينسحق تحت المفاهيم المبتسرة المشوهة عند الكثير من أهل الكتابة الشعرية الجديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.