"ريف السعودية": عدد مستفيدي البرنامج يتجاوز 87 ألف مستفيد تعزيزًا لاستقرار المجتمع الريفي    اعتمدت هيئة التنظيم الأوروبية رأيًا إيجابيًا بشأن تحديث نشرة حقن سيماغلوتيد 1.0 ملغ لتعكس انخفاض مخاطر حدوث مضاعفات مرتبطة بأمراض الكلى    القيادة تهنئ رئيسة سلوفينيا بذكرى اليوم الوطني    الظبي الجفول رمز الصحراء وملهم الشعراء    تهاني البيز مبتعثون سعوديون من الجامعات العالمية إلى صناعة الحضور الرياضي الدولي    رئيس جامعة أم القرى يترأس الجلسة العاشرة لمجلس الجامعة للعام الجامعي 1446ه    الأمير سعود بن نهار يبحث مع أمين الطائف المبادرات والفعاليات المقدمة في الصيف.    الجوازات تواصل جاهزيتها لاستقبال ضيوف الرحمن القادمين لأداء مناسك العمرة لعام 1447ه    استقرار أسعار الذهب    تقرير استخباري أميركي يشير إلى أن الضربات لم تدمّر البرنامج النووي الإيراني    الرئيس الأميركي: لا أريد «تغيير النظام» في إيران    «الوزاري الخليجي» يدين الهجمات الإيرانية على قطر    أمير الجوف يبحث تحديات المشروعات والخدمات    بنفيكا يكسب البايرن ويتأهلان لثمن نهائي مونديال الأندية    إنتر ودورتموند لتجنب المواجهة في ثمن النهائي    بايرن يتخلى عن التحضير للموسم المقبل    أخضر البليارد والسنوكر يحصد 6 ميداليات في بطولة كأس الاتحاد العربي    تسجيل محمية عروق بني معارض في القائمة الدولية لحماية الطبيعة    مؤشرات قوية لحضور القطاع السياحي في تنويع الموارد    مبادرة السلامة المرورية على طاولة نائب أمير الرياض    حوافز ومزايا لرفع نسبة مستخدمي مشروعات النقل العام    أمير الشمالية يكرّم الطلبة المتفوقين    «الرواشين».. فن العمارة الخشبية في المدينة    حرفة تُعيد الآبار إلى الواجهة بالجوف    الشؤون الإسلامية بالمدينة تكثف جهودها التوعوية    خدمات نوعية لكبار السن وذوي الإعاقة بالمسجد النبوي    جولات رقابية نسائية على جوامع ومساجد المدينة    108.5 آلاف وحدة سكنية فرزتها الهيئة العامة للعقار خلال عام    إعلان نتائج القبول في البورد السعودي    أقوى كاميرا تكتشف الكون    انحسار السحب يهدد المناخ    العثور على سفينة من القرن ال16    جمعية لدعم المباني المتعثرة في الأحساء    الذكاء الاصطناعي والتعليم.. أداة مساعدة أم عائق للتفكير النقدي    الجوز.. حبة واحدة تحمي قلبك    الميتوكوندريا مفتاح علاج الورم الميلانيني    استشارية: 40% من حالات تأخر الإنجاب سببها الزوج    الطائف تستضيف انطلاق بطولة السعودية تويوتا صعود الهضبة 2025    برامج التواصل الاجتماعي.. مفرقة للجماعات    47 أسيرة في السجون الإسرائيلية.. الاحتلال يواصل انتهاكاته في غزة والضفة والقدس    ولي العهد لأمير قطر: عدوان إيران سافر لا يمكن تبريره    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على فيصل بن خالد    أشاد بالتسهيلات خلال المغادرة.. القنصل العام الإيراني: ما قدمته المملكة يعكس نهجها في احترام الشعوب وخدمة الحجاج    الإطاحة ب 4 أشخاص لترويجهم أقراصاً خاضعة للتداول الطبي    شدد على تطوير "نافس" وحضانات الأطفال.. "الشورى" يطالب بربط البحث العلمي باحتياجات التنمية    بعد حلوله وصيفاً ل" الرابعة".. الأخضر يواجه نظيره المكسيكي في ربع نهائي الكأس الذهبية    سمو ولي العهد يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية    قطر توجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن الهجوم على قاعدة العديد الجوية    أسرة الفقيد موسى محرّق تشكر أمير المنطقة على مشاعره النبيلة وتعزيته    أول ورشة متنقلة لصيانة مساجد وجوامع مكة في "جمعية تعظيم"    نائب أمير منطقة جازان يتسلّم التقرير السنوي لسجون جازان للعام 2024م    صور إنسانية من الماضي عن مدينة أبها    تسجيل محمية عروق بني معارض في القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة    أمين منطقة القصيم يوقع عقد مشروع صيانة الشوارع غرب مدينة بريدة بأكثر من 17 مليون ريال    أمير تبوك يطلع على تقرير أعمال فرع وزارة التجارة بالمنطقة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    جامعة أم القرى توقّع مذكرة تفاهم مع هيئة جامعة كامبردج لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي في تعليم اللغة الإنجليزية    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



للقرصنة تاريخها في العالم وفي بلادنا أيضاً
نشر في الحياة يوم 24 - 04 - 2009

هناك شح في البحوث الجادة التي تتصدى لدراسة «ظاهرة القرصنة» سببه غموض عالم لصوص البحار، وقلة المعلومات المتوافرة عنه، وصعوبة وصول الدارسين والباحثين إلى هؤلاء، وندرة سيرهم الذاتية المكتوبة، وقدم تجاربهم المرّة وتنوعها، وتعقد الكتابة عنهم، واستعصاؤها على فرد واحد وإن كان مسلحاً بمعرفة موسوعية، بل إن مجموعة من الباحثين ليس في وسعها أن تقف على هذه الظاهرة المتجذرة في تاريخ الإنسانية المديد وقوفاً ضافياً، إلا بجهد بالغ، وتمويل طائل، وانكباب كامل أو تفرغ تام لها على مدار وقت كاف.
لكن شح المعرفة او ضعف الإلمام بهذه الظاهرة في بعديها التاريخي والثقافي لا يصد ولا يرد عن إمعان النظر في صورتها الأخيرة التي توافرت عنها معلومات غزيرة نسبياً، بعدما صارت عربية الطابع، بفعل قيامها على أكتاف مجموعات صومالية، بعدما جالت وطافت في مشارق الأرض ومغاربها على مدار حياة الناس على الأرض، منذ أن مخرت السفن عباب أعالي البحار، حيث لم تترك القرصنة أمة ولا شعباً إلا ووصمته ببعض عوراتها.
ولم يعد مستساغاً أن يتعامل العرب بأعصاب باردة مع «ظاهرة القرصنة» التي تجرى على قدم وساق في مياه المحيط الهندي وخليج عدن، ليس فقط لأنها تنطلق من أرض دولة عربية هي الصومال، بل أيضاً لأنها ترمي إلى النيل من الأمن القومي العربي برمته، لا سيما بعد أن تكشفت تدابير واستراتيجيات مضادة تروم تدويل البحر الأحمر، وإضعاف الدور الحيوي الذي تلعبه قناة السويس في حركة الملاحة الدولية لمصلحة إحياء مشروع «قناة البحرين» الإسرائيلية.
ويؤدي استفحال ظاهرة القرصنة هذه إلى تبديد آمال عمرها سنين عقدتها مصر على «قناة السويس»، الشريان الحيوي والتاريخي لحركة التجارة الدولية المتدفقة، والتي تصب في شرايين عولمة اقتصادية كاسحة، لا يزال النقل البحري إحدى ركائزها الأساسية على رغم السرعة الفائقة التي شهدها النقل البري والجوي، والطفرة الرهيبة التي أحدثتها الاتصالات، بما حول الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة.
القرصنة تعني، مبدئياً، التعدي على حقوق الآخرين، وتنصرف بصيغة مباشرة إلى ارتكاب جريمة سرقة في عرض البحار أو على شواطئها، بيد عميل أو لص غير مدفوع من دولة أو حكومة. وتتطلب القرصنة شروطاً أساسية لقيامها، منها: توافر مواد أولية لصناعة السفن، وكذلك الورش والأيدي الماهرة، ثم أسواق لتصريف البضائع المستولى عليها.
وطيلة التاريخ البشري المديد ظلت القرصنة مجالاً خصباً للأدباء فأنتجوا على بساطها قصصاً وروايات تتراوح بين الواقعي والأسطوري، حفلت بها بعض الملاحم الشهيرة مثل الإلياذة والأوديسة، وجاءت السينما لتلقط هذه السرديات العامرة بالغرائب والعجائب وتصنع منها أفلاماً شاهدها المليارات في كل أرجاء العالم. وشكلت القرصنة فصلاً عريضاً من فصول رهبة البحر لدى البشر، والتي تم التعبير عنها شعراً ونثراً وسينمائياً، لتتراكم لدى الإنسانية علامات على خشية البحر، والخوف من المجهول الذي لا يمكن التنبؤ بما يخبئه، واستحالة السيطرة على قواه المدمرة، جنباً إلى جنب مع علامات على إثارة البحر لروح التحدي والمغامرة والإبداع والخيال، وكعنصر لا غنى عنه في الحياة، حيث تُنقل السلع كلها، وتمتد الجسور بين الثقافات، عبر سفن تحمل الأفكار إلى جانب البضائع والناس.
وامتد المصطلح إلى عالم الكومبيوتر فصار يعرف بأنه عملية نسخ البرامج الإلكترونية وبيعها، واستخدام الشبكات في التجسس والحصول على المعلومات، ويشمل أيضاً مهاجمة موقع إلكتروني وتدميره إن أمكن.
ويعود تاريخ القرصنة إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، لكن كلمة قرصان لم يتفوه بها أحد قبل عام 140 قبل الميلاد حين سطرها المؤرخ الروماني بوليبيوس. وعاد بلوتارك ليرددها في نهاية القرن الأول قبل الميلاد، الذي ازدهرت فيه أعمال القرصنة، والتي كان أول ظهور لها في البحر المتوسط، حين استخدم أعداء الإمبراطورية الرومانية لصوص البحر لضرب مصالحها.
وأصبح القراصنة أيامها قوة ضاربة، حيث وصلت أعدادهم إلى الآلاف وكانت لديهم أكثر من ألف سفينة، وبحوزتهم الأسلحة والقلاع، فتمكنوا من مهاجمة السفن والموانئ، وخطف حكام وقضاة رومان، وطلبوا فديات كبيرة من المدن الساحلية والموانئ حتى يمكنها أن تعيش في سلام. ووصلت جرأة هؤلاء القراصنة إلى مهاجمة الأسطول الروماني الراسي في ميناء أوسيتيا فحطموه، ووضعوا روما على أبواب مجاعة نتيجة انقطاع طريقها التجاري. وفشلت حملات جردها الرومان في القضاء على القراصنة، حتى جاء القائد بومباي عام 67 قبل الميلاد ليقود جيشاً جراراً مكوناً من مئة وعشرين ألف جندي مشاة، وخمسة آلاف فارس وخمسمئة سفينة، ويتمكن من هزيمة القراصنة وأسر عشرين ألفاً منهم وتدمير نحو ألف وثلاثمئة سفينة لهم.
وولدت حركة القرصنة قوية من جديد على قبائل الفايكنغ، الذين يقطنون الدول الإسكندنافية. وفي القرن التاسع الميلادي أخذ بحارة الفايكنغ في الاتجاه شمالاً وغرباً وجنوباً، فوصلوا إلى أيسلندا وغرينلاند وكندا، ثم بلغوا شواطئ إنكلترا عام 787، واستولوا عليها وحكموها. وهاجم القراصنة الفايكنغ باريس، فاضطر ملوك فرنسا إلى دفع مبالغ طائلة لهم حتى يتقوا شرهم، وتمكن بعضهم من الاستيلاء على منطقة نورماندي واستوطنوها واختلطوا بسكانها، وصاروا مع الأيام منهم، وأسسوا أقوى الممالك في أوروبا خلال القرن الثاني عشر الميلادي في صقلية وانكلترا.
ومارس البحارة الإنكليز أنفسهم أعمال القرصنة ضد السفن الإسبانية التي تمخر عباب القناة الإنكليزية عائدة من المستعمرات الإسبانية محملة بكل ما هو مفيد ونفيس. وامتدت هجماتهم إلى حدود إسبانيا القريبة وسواحل مستعمراتها في أميركا اللاتينية. وفي القرن السابع عشر أسس قراصنة جزر الهند الغربية منظمة أطلقوا عليها «إخوان الشاطئ» أو «البوكانير» وتخصصوا في نهب السفن الاسبانية.
وخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر بلغت القرصنة ذروتها، مع نمو القوة المركزية القوية في اليابان في ظل التكوجاوا شوغونيت (1603 - 1867)، لكن أسرة شمى يانغ التي حكمت الصين تمكنت من القضاء على معظم القراصنة.
ونشط البحارة العرب في أواخر القرن الثامن عشر، عندما تزايد النفوذ القاسمي في مدخل الخليج العربي، فشكلوا خطراً على بريطانيا وحلفائها في المنطقة آنذاك، خصوصاً عمان وإيران، لذلك سماهم الإنكليز قراصنة. وقد بدأ القواسم يعترضون السفن البريطانية العابرة في الخليج منذ عام 1778، لكن المواجهة الحقيقية بين الطرفين بدأت عام 1797. وفي عام 1803 طلبت شركة الهند الشرقية من الحاكم الإنكليزي لبومباي الهندية العون لمواجهة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، فجرد حملة عام 1805 ضد القواسم، الذين استبسلوا في مواجهة البريطانيين، فأبرموا معهم اتفاقاً عام 1806 حول أمن الخليج. لكن القواسم لم يلبثوا أن هاجموا السفن الإنكليزية، وطاردوها حتى سواحل الهند، لذا جردت بريطانيا حملة ثانية عام 1809، فاستولت على ممتلكات القواسم خارج الإمارات، إلا أن القواسم سريعاً ما استعادوا هيبتهم في الفترة ما بين 1811 - 1813، وتمكنوا من الاستيلاء على عدد كبير من السفن البريطانية والعمانية والإيرانية.
ووقع الطرفان اتفاقية عام 1814، لكن بريطانيا ادعت أن القواسم خرقوها، فهاجمت رأس الخيمة عام 1816 لكن حملتها منيت بالفشل، الأمر الذي شجع القواسم على مهاجمة السفن البريطانية، مرة أخرى في بحر العرب والبحر الأحمر وسواحل الهند وإيران، فأعدت بريطانيا حملة كبيرة عام 1819، تمكنت خلالها من احتلال الإمارات برمتها.
وفي نسختها الأخيرة عادت القرصنة في سواحل الصومال لتشكل خاتمة للتدخل الأميركي هناك، الذي هدم الدولة الصومالية، فترعرع العنف المسلح وفي ركابه ولدت القرصنة قوية، بحيث أصبحت تهدد المصالح الدولية، وتفتح الباب واسعاً أمام تدويل البحر الأحمر، والتفكير في إحياء طرق ملاحة بعيداً من قناة السويس.
* كاتب مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.