«بيت الحرية» مؤسسة بحثية مقرها واشنطن أصدرت هذا الشهر تقريراً عن الحرية حول العالم شمل 194 بلداً و 14 منطقة، وقرر أن الشرق الأوسط أكثر مناطق العالم كبتاً للحريات. قلت مرة بعد مرة وأقول اليوم إن الدول العربية كلها غير ديموقراطية، وإنها من دون حرية رأي أو صحافة أو تجمّع، ولا حكم قانون مستقلاً فيها، أو محاسبة أو شفافية أو حقوق امرأة. مراجعي في حكمي الشخصي على العالم العربي غير مراجع «بيت الحرية»، فأنا أعيش الشرق الأوسط وأتنفسه وأشربه كل يوم، ولا أحتاج بالتالي الى بنود وأرقام فأجمع وأطرح وأقسِم لأخرج بنسبة مئوية. أنا ابن الشرق الأوسط وأصدرت حكمي عليه بعقل مفتوح وعينين وقلب حزين، أما «بيت الحرية» فاسمه الصحيح يجب أن يكون «بيت اسرائيل» لأنه يزعم أنها وحدها حرة في الشرق الأوسط مقابل 14 دولة غير حرة وثلاث فقط شبه حرّة. اسرائيل حرة أن تحتل وتدمّر وتشرد، وأن تقتل النساء والأطفال، وأن تسرق أموال دافعي الضرائب الأميركيين وبلدهم على حافة الافلاس بتواطؤ من الكونغرس الأميركي وتحريض من لوبي اسرائيل المعروف والمحافظين الجدد الليكوديين. «بيت الحرية» لا صدقية له أبداً عندما يتحدث عن الشرق الأوسط ومديره التنفيذي توماس داين الذي عمل مديراً تنفيذياً للجنة الأميركية - الإسرائيلية للشؤون العامة (ايباك)، أي لوبي اسرائيل، بين 1980 و 1993، ما يشمل سنوات اقامتي في واشنطن في الثمانينات، وشهدت إدارته نمو (ايباك) من 24 موظفاً وموازنة سنوية 1.4 مليون دولار الى 158 موظفاً وموازنة سنوية بلغت 15 مليون دولار، مع زيادة العضوية من ثمانية آلاف الى 55 ألفاً، يعني زيادة الكذب نيابة عن اسرائيل والتضحية بمصالح أميركا. إذا نظرنا الى أسماء مجلس أمناء «بيت الحرية» نجد أسماء يهودية كثيرة، ولا شكوى هنا البتة، فبعض أفضل دعاة الحرية والسلام من اليهود، وهناك بينهم من ينتصر للفلسطينيين كل يوم ويدين اسرائيل وجرائمها. غير أنني بعد أن قرأت التقرير الأخير عن الحرية حول العالم قررت أن أراجع أسماء الأمناء ووجدت بينها داين وكنيث أدلمان، صاحب «النزهة» في العراق، وجوشوا مورافتشيك الذي يكتب بنفَسَ اسرائيلي عن العرب والمسلمين ولا أعرف جنسيته الحالية. اخترت بعض الأسماء وبحثت عبر الإنترنت عن مادة تشير الى نشاط أصحابها ووجدت ان بولا دوبريانسكي من المحافظين الجدد، وأن جيفري هيرشبرغ ينشط في منتدى السياسة الإسرائيلية، وإن كنيث جوستر ينشط ضد الدول والشركات التي تقاطع إسرائيل وهو نفى أي تدجيل في التمهيد للحرب على العراق أو بعد ذلك، وأن جاي مازور عضو بارز في واحدة من 53 منظمة يهودية أميركية رئيسية. كل هؤلاء اعتذاريون لإسرائيل، وفي حين ان دور بعضهم اقل من دور آخرين، فإن المجموع يصب في خانة إسرائيل وحدها، ولا يمكن ان يعتمد في تحديد مدى الحرية في أي بلد. طبعاً هناك بين الأمناء أعضاء عادلون معتدلون، وأحيي من بينهم داليا مجاهد، فهي نشطة راقية وإنسانية ذكية. غير ان مشكلة مجلس الأمناء انهم مثل صنع افضل صحن سلطة ممكنة ثم البصق فيه. والأعضاء من نوع داين وأدلمان ومورافتشيك هم تلك البصقة المفسدة. أنصار إسرائيل من نوعها وهي دولة لصوص سرقوا أراضي الفلسطينيين، زاعمين لأنفسهم حقاً على أساس خرافات توراتية لا أساس لها إطلاقاً في التاريخ. غير ان رأيي في إسرائيل معروف وأختار اليوم رأي صحافي بارز غير إسرائيلي أو عربي هو ديفيد بيلجر الذي قرأت له مقالاً بعنوان «لإسرائيل المحاسبة» تزامن مع تقرير «بيت الحرية» المزعوم تحدث فيه عن مقاومة الفلسطينيين سرقة بلادهم، وكيف وصل نضالهم الى نقطة حاسمة سنة 2001 عندما أعلن مؤتمر للأمم المتحدة في ديربان ان إسرائيل دولة تمييز عنصري (ابارتهيد) وهو ما أثبت تقرير غولدستون هذه السنة. وحكى بيلجر كيف ان الكنائس بدأت بعد ذلك مقاطعة إسرائيل ومنع التجارة معها حتى ان مجلس الكنيسة المشيخية الأميركية صوّت بغالبية 431 صوتاً مقابل 62 صوتاً لمقاطعة إسرائيل. والمقال يكمل بمقاطعة الأكاديميين البريطانيين إسرائيل، وبعدهم حملة مماثلة في الجامعات الأميركية. المقال يستحق الترجمة الى العربية، وأن يشكر الكاتب على موضوعيته، وإسرائيل دولة لا يمكن ان تكون حرة وهي تدّعي اليهودية ما يحرم سكانها الأصليين من المساواة وترتكب كل جريمة أخرى ثم يعمى عنها «بيت الحرية». [email protected]