«الظبي الجفول».. رمز الصحراء وملهم الشعراء    الإبداع السعودي يتجلى في «سيلفريدجز» بلندن    سبع مراحل لصناعة كسوة الكعبة بأيادٍ سعودية محترفة    في الشباك    من القارات ل«المونديال».. تاريخ مواجهات السعودية والمكسيك    الخرطوم: كينيا تسلح «الدعم السريع»    «الناتو» يتجه لإقرار أكبر زيادة في الإنفاق الدفاعي    بكين تحذّر من تصاعد توترات التجارة العالمية    مهندس الرؤية وطموحات تعانق السماء    المملكة حضور دولي ودبلوماسية مؤثرة    رخصة القيادة وأهميتها    القطاع غير الربحي في رؤية 2030    صوت الحكمة    صيف المملكة 2025.. نهضة ثقافية في كل زاوية    الجوعى يقتلون في غزة.. 94 شهيداً    مرور العام    جبر الخواطر.. عطاءٌ خفيّ وأثرٌ لا يُنسى    دورتموند يكسب أولسان ويتصدر مجموعته بمونديال الأندية    «الشورى» يطالب بخفض تذاكر طيران كبار السن والمرابطين    فيصل بن نواف يشهد توقيع مذكرة شراكة لدعم المراكز التأهيلية بسجون الجوف    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    النصر ينهي العلاقة التعاقدية مع المدرب "ستيفانو بيولي"    وزير البلديات والإسكان يتفقد مشاريع استثمارية نوعية في الشرقية    " طويق " توقع اتفاقية مع جمعية " قدوات" لاستثمار خبرات كبار السن بالموارد البشرية    برعاية أمير جازان.. نائب أمير المنطقة يدشّن أعمال المؤتمر العلمي الثاني لجمعية التوعية بأضرار المخدرات    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    إجراء أول عملية جراحية بالروبوت في مستشفى الأمير سعود بن جلوي بالأحساء    الأمير سعود بن نهار يبحث مع أمين الطائف المبادرات والفعاليات المقدمة في الصيف.    رئيس جامعة أم القرى يترأس الجلسة العاشرة لمجلس الجامعة للعام الجامعي 1446ه    بنفيكا يكسب البايرن ويتأهلان لثمن نهائي مونديال الأندية    تسجيل محمية عروق بني معارض في القائمة الدولية لحماية الطبيعة    أمير الجوف يبحث تحديات المشروعات والخدمات    النفط يتراجع بعد يوم من التصعيد وإنهاء الحرب    تداول يعوض خسائر أسبوع    إعلان نتائج القبول في البورد السعودي    أقوى كاميرا تكتشف الكون    انحسار السحب يهدد المناخ    العثور على سفينة من القرن ال16    الذكاء الاصطناعي والتعليم.. أداة مساعدة أم عائق للتفكير النقدي    الجوز.. حبة واحدة تحمي قلبك    الميتوكوندريا مفتاح علاج الورم الميلانيني    استشارية: 40% من حالات تأخر الإنجاب سببها الزوج    شدد على تطوير "نافس" وحضانات الأطفال.. "الشورى" يطالب بربط البحث العلمي باحتياجات التنمية    بعد حلوله وصيفاً ل" الرابعة".. الأخضر يواجه نظيره المكسيكي في ربع نهائي الكأس الذهبية    أشاد بالتسهيلات خلال المغادرة.. القنصل العام الإيراني: ما قدمته المملكة يعكس نهجها في احترام الشعوب وخدمة الحجاج    سمو ولي العهد يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية    قطر توجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن الهجوم على قاعدة العديد الجوية    برامج التواصل الاجتماعي.. مفرقة للجماعات    47 أسيرة في السجون الإسرائيلية.. الاحتلال يواصل انتهاكاته في غزة والضفة والقدس    الإطاحة ب 4 أشخاص لترويجهم أقراصاً خاضعة للتداول الطبي    أسرة الفقيد موسى محرّق تشكر أمير المنطقة على مشاعره النبيلة وتعزيته    صور إنسانية من الماضي عن مدينة أبها    تسجيل محمية عروق بني معارض في القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة    أمير تبوك يطلع على تقرير أعمال فرع وزارة التجارة بالمنطقة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    جامعة أم القرى توقّع مذكرة تفاهم مع هيئة جامعة كامبردج لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي في تعليم اللغة الإنجليزية    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة المطلقة ومحكمة المجتمع
نشر في البلاد يوم 02 - 11 - 2011

تواجه المرأة المطلقة في مجتمعاتنا تجارب قاسية، ومحنا أشد من محنة طلاقها، فأطماع الرجال حولها ترشقها بسهامها، والعيون ترميها بنظرات تهزمها بلومها، تشعرها بعارها وذلها ومهانتها، والألسنة تقذفها بشرارها، فتصليها عباراتها بكلمات كرصاص البنادق تخترق قلبها، فتوقعها صريعة تلفظ آخر أنفاسها، وآخر ما تبقى من كرامتها، وحريتها، وجمالها، وإحساسها بإنسانيتها.
فهي لم تكن تعتقد بأن طلاقها أعظم من خسارة رجل، كانت تحلم بأن تعيش معه حياة زوجية سعيدة، وأنها ارتكبت جريمة تعاقب عليها محكمة المجتمع، وعليها أن تتطهر منها ما تبقى لها من سنوات عمرها، وتضمد جراحها فلا تفتر تنزف حتى تنزح عروقها من دمائها، كما تنزح البئر من مائها، وتلملم أوراق ذكرياتها، فلا تستريح نفسها من زفراتها وأوجاعها وأحزانها .
فهناك من حكم عليها بأن تعيش النهاية وتشهد غروبها، أياما تداولها كئيبة، تراودها الخواطر كأنها كوابيس أحلام مزعجة، تصيبها بالقلق والاكتئاب النفسي، فتفقد نشاطها وحيويتها وطاقتها، وتفقد ملامحها نضارتها، وتصير شاحبة كشحوب أوراق الخريف قبل أوان الخريف، تتوهم أن دورة حياتها انقضت أيامها وساعاتها، فتظل تلهث بين آمالها وآلامها، تصارع لكي تعيش فلا تنسل روحها من ضعفها .
فماذا تقول لمحكمة أدانتها، وألقت بها في زنزانة المجتمع لتقاسي أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي لأنها مطلقة ؟
ماذا تقول ولا تملك في جعبتها أجوبة براءتها، فتظل حبيسة على أطراف لسانها تمتمات خرساء من عجزها ؟
ماذا تقول والأصوات تعلو صرخات بداخلها، تثور على ظلمها وجورها لحقوقها؟
ماذا تقول وفي كل يوم تفقد من ذاتها، ونفسها، ودمها، وروحها، وجسمها، وهويتها، وتاريخها، وآمالها وأحلامها...؟
إنها لا تملك إلا أن تعيش معاناتها بمفردها، ولأنها المرأة عليها أن لا تشتكي من حياتها، ولأنها الزوجة عليها أن تتحمل كل أخطاء زوجها وسلبياته، وكل سقطاته وزلاته، وكل تقصيره وجفائه وقسوته، وكل ما تكرهه من عاداته وطباعه، وكل ما يؤذيها من قهره وظلمه لحقوقها، ولأنها الأم المربية عليها واجب التربية والرعاية لأطفالها، والتضحية لأجلهم براحتها وسعادتها، ولأنها السكن عليها أن تهب لبيتها الدفء والحنان والمودة والرحمة ..
وحتى وإن حرمت من كل ذلك من زوجها، أو تعبت أو انهارت أو استسلمت لضعفها وانكسارها، عليها أن تصبر وتكافح وتستمر حتى النهاية .
إنها بكل حالاتها ليس من حقها أن تتخلى عن واجبها ومسؤوليتها، أو تمل من صبرها وكفاحها، وتطلب الطلاق، أو تكون سببا من أسبابه، وإلا سيتهمها أهلها وأسرتها والناس بأنها ظالمة لزوجها، وبأنها إنسانة سلبية، لا تتحمل مسؤولية الزواج وأعبائه وتبعاته، أو هي لا تدرك معانيه ومقاصده، أو لا تحسن تدبير شؤون بيتها، وإدارة أسرتها وإسعاد زوجها ..
وتكثر حولها الإشاعات التي في أغلبها لا تتعدى أن تكون احتمالات وتأويلات تخالف الحقيقة، تسعى لتفرض الوصاية على تصرفاتها، أو ندينها ونتهمها في أخلاقها، وشرفها، ودينها، لمجرد أنها أخطأت أو فشلت في زواجها .
مع أن الفشل في الزواج ووقوع الطلاق ليس قرارا صادرا عن فرد واحد، إنما عن شريكين يتحملان معا مسؤولية فشلهما بحياتهما الزوجية، كما يتحملان أسباب انهيار علاقتهما معا .
وبكل الحالات فالمرأة المطلقة تظل واحدة منا، هي من بناتنا وأخواتنا وأهلنا، فواجب علينا أن نحميها، ونراعي ظروفها، ونبرر أخطائها، وعلينا أن نرشدها ونوجهها ونهديها إلى الطريق المستقيم، ونمنحها الأمل لتبدأ حياة جديدة، بأحلامها وطموحاتها وأهدافها، وتعمل على تحقيق رسالتها فتكون عنصرا فعالا تساهم في تنمية مجتمعها .
وواجب علينا كذلك أن نشعرها بأنها ليست وحدها، وليست غريبة في أهلها ووطنها ومجتمعها، إنما كلنا بجانبها وحولها، نخدمها ونساندها وندافع عن حقوقها، ونشد أزرها، ونساعدها حتى تتجاوز محنتها، لأننا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولأن من قيمنا الإسلامية أن نتحد وننصر بعضنا في السراء والضراء، ونوفر مصالح بعضنا، مصداقا لقول الحق سبحانه: {فاستبقوا الخيرات} [البقرة: 148]، وقوله سبحانه: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة: 2).
والمرأة المطلقة تحتاج كذلك من كل فرد من أفراد أسرتها وأبناء مجتمعها إلى الرحمة والشفقة مهما أخطأت أو حادت عن جادة الطريق، تلك الرحمة التي أوصانا بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله"، وقال صلى الله عليه وسلم رحمة بالنساء لغلام يحدو بهن يقال له أنجشة: "رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير"، قال قتادة : يعني ضعفة النساء.
وقبل أن نتهم المرأة المطلقة علينا أن نسأل أنفسنا: ماذا قدمنا لها لنحميها وندافع عن حقوقها؟ وماذا قدمنا لها لتوعيتها وإرشادها؟
ولتكن غايتنا ليس الترويج للطلاق، فهو أبغض الحلال عند الله، ولكنه الحلال الذي أحله الله، والحل الذي وضعه الشارع للرجل وللمرأة حين تستحيل العشرة بينهما .
وغايتنا تحسين صورة المطلقة داخل المجتمع، وصرف الإشاعات والظلم عنها، حتى تستطيع أن تحيا حياة كريمة .
وغايتنا أن نتحمل مسؤولية تقصيرنا في مواجهة مشاكلنا، ونسعى لتصحيح ما نراه من أخطائنا وسلبياتنا بمجتمعاتنا، ونعمل على تغيير نظرتنا ومفاهيمنا الخاطئة، وعاداتنا وتقاليدنا وطباعنا السيئة التي لا أصل لها من شريعتنا، ونحاكم أنفسنا قبل أن نحاكم غيرنا، ونعتلي منصة القضاء ونصدر الأحكام من غير أدلة ولا شهود ولا دفاع .
إن المرأة المطلقة ليست إلا حالة من حالات كثيرة، ما زالت على الرغم من تقدمنا تعاني منها المرأة داخل مجتمعاتنا، التي ما زالت تحمل مفاهيم خاطئة، وما زالت تقيم الحياة الإنسانية بعقل بشري لا بشمولية الإسلام وعدله، لهذا لا تقدر حاجات المرأة وضروراتها الإنسانية، ولا تعترف بكيانها وحريتها وكرامتها واستقلالها ولا بحقوقها التي كفلها الشارع لها .
ولهذا نحتاج لنعيد فهمنا لنظرة الإسلام للمرأة ولمكانتها داخل المنظومة الاجتماعية، وكنواة داخل أسرتها، ولأدوارها ووظائفها، كما نحتاج لتصحيح نظرتنا للطلاق ولماذا أحله الله، حتى نقدر أن نعالج الكثير من قضايا المرأة ومشاكلها، لنؤهلها لتكون مربية الأجيال القادمة التي ستبني وتحقق الازدهار والتقدم لأمتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.